القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم ياسمين عادل

"وعـيد"
________________________________________
كلمة متوترة كانت قليلة على كل هذا الإضطراب الشعوري الذي تعيشهُ "غالية" وكأنها أمام مبعوثٍ ليقبض روحها.. لو تعلم عن طباعهِ قليلًا فـ هي حتمًا لن تنجو بفعلتها، فـ هو يمثل شعار (لستُ إله لـ أغفر).. وبناءًا عليه؛ أصدر الحُكم وقام بتنفيذه في كل مرة دعس أحدهم فيها على طرفهِ، وهذا ما عزز من مكانتهِ وجعل منه أسطورة يُحاكى بها في عالمهم المُظلم.
دعس "جاسر" سيجارتهِ في المنفضة التي يمسكها له أحد رجالهِ، ثم نظر صوبها وهو يتسائل بهدوء لا يُمثل طبيعتهِ :
- هتفضلي محتفظة بلسانك جوا بوقك كتير ولا إيه!

فـ استجمعت شتاتها المُبعثر وقالت :
- الحوار ده مش بتاعك ياجاسر، أنا اشتريت وانت بيعت، اللي بعد كده بتاعي

فـ أشار بها بسبابتهِ معترضًا :
- لأ لأ لأ، كده تزعليني.. من أمتى وده قانوني ياغالية!.. أنا بياع مزاج مش بياع مصايب.. خصوصًا بقى لو المصايب دي لحد أعرفه، بزعل وباخد على خاطري أوي

فـ أوجزت كل ما تخبو به نفسها في كلمة واحدة :
- حساب وبيخلص

فـ احتدمت نبرتهِ وقد عبس وجهه فجأة وهو يردف بنبرة عالية :
- مش عن طريقي، خلصي حسابك بعيد عني ياغالية.. أنا مبقاش طرف في حكاية و ××× زي دي

ونهض عن جلستهِ وهو يتابع :
- أنا ممكن أخلص حسابي معاكي دلوقتي، بس في حد أولى مني هيتبسط أوي لو قدمتك ليه هدية

ارتعدت من كلماتهِ التي يوحي بها لها، وسألت بتخوف :
- أنت هتقوله؟

فـ ابتسم "جاسر" ساخرًا من تفكيرها المحدود :
- هي دي عايزة سؤال؟ ده إبن الغالي.. يعني لو في خدمة هقدمها وانا مغمض

سار نحو الباب وهو يستطرد :
- الحقيقة أنا عارف اللي ممكن يونس يعمله معاكي، عشان كده هسيبه هو ياخد حقه.. أنا برا الليلة دي

والتفت ليختتم حديثهِ بـ :
- أحمدي ربنا إنك ست، دي الحاجه الوحيدة اللي شفعت لك عندي.. هسيبك بقى للي مش هيعرف شفاعة بعد عملتك السودة

وبنظرة واحدة منه تجمع رجالهِ ليخرجون من خلفهِ بعدما تركوا "بِشر".. وصفقوا الباب من خلفهم لـ يرتجف بدنها وهي تقول متلعثمة :
- لازم نسيب الشالية يابشر، جهز كل حاجه بسرعة

وأوفضت تصعد لغرفتها كي تتجهز لترك المكان على الفور بعدما تأكدت أن أمرها قد انكشف.. الآن لن يكون هناك مجال لـ شك "يونس" في "معتصم"، ومخططها لإلصاق الإتهام في شخص غيرها بات صريع الفشل.. لم يبقى أمامها سوى اللعب بـ أيادي مكشوفة، ولكن بعدما تغادر من هنا وتختبئ جيدًا.
...........................................................................
بمساعدة السكرتيرة الحالية كانت "نغم" تُجهز مكتبها الجديد ليستقبلها ابتداء من الغد، حتى أن السكرتيرة الحالية بدأت تُطلعها على بعض المهام الرئيسية والهامة والنقاط التي لا يجب إغفالها أثناء العمل مع "يزيد" گمدير مباشر جديد لها وليس "يونس".
دققت "نغم" في أبسط التفاصيل حتى تُتاح لها الفرصة لتقديم عملها بشكل أفضل يجعله ألا يندم يومًا بـ اتخاذها موظفة في مكان گهذا منذ البداية وهي مُتعهدة أن تليق به.
تركت السكرتيرة صندوق صغير يحمل أشيائها بعيدًا عن المكتب، ثم عادت لـ "نغم" وهي تردف بـ :
- كمان في مكتبة جديدة هتوصل آخر اليوم عشانك، تستخدميها گأرشيف زي ماانتي عايزة.. مش هوصيكي تخلي بالك من الحاجات اللي قولتلك عليها

أومأت "نغم" برأسها متفهمة و :
- تمام

انفتح باب مكتب "يزيد" وخرج منه، ثم دخل للمكتب الخاص بـ السكرتارية ليجد حالة من الفوضى تغلبت على المكان.. فـ كان مُراعيًا ولم يغضب عليهن ولكنه أضاف محذرًا :
- مش عايز أشوف المنظر ده بكرة!

فـ أومأت "نغم" برأسها متفهمة و :
- كل حاجه هتخلص النهاردة

نظر "يزيد" بـ اتجاه السكرتيرة السابقة الخاصة به و :
- في شيك بأسمك ابقي استلميه من الحسابات

فـ رمقتهُ بـ امتنان و :
- شكرًا جدًا على زؤك يامستر يزيد

فـ لم تتغير تعابير وجهه وهو يتابع :
- مبروك، ربنا يتمم لك على خير
- الله يبارك فيك يارب، بس لازم تحضر الفرح ان شاء الله.. أنا سيبت لحضرتك دعوة مع نغم

فـ انتقلت أنظاره نحو "نغم" وهو يقول :
- إن شاء الله، أنا خارج يانغم.. أي حاجه تحصل رقمي معاكي بلغيني

فـ أومأت برأسها متفهمة بينما كان يتابع :
- متنسيش تاخدي الإيميل الجديد اللي هتشتغلي بيه
- حاضر

وخرج.. بقيت هي بمفردها تستكمل إعداد حوائجها لكي يكون جاهزًا لـ استقبالها في الغد، رغم تحمسها والطاقة الغريبة التي تولّدت بداخلها بعدما تمت موافقته التامة على العمل معه وقام برفض ما بقى من طلبات التوظيف التي تقدمت للشركة، إلا إنها مازالت مترددة بشأن شكل العلاقة بينهما والتي انتوت منذ البداية أن تأخذ شكلًا رسميًا منعًا لجرحها.. من ناحية لم تردّ مطلبهِ وحاجته إليها، ومن ناحية أخرى تحاول أن تصون قلبها من أن يكسره هو.
نظرت نظرة شاملة على الغرفة التي ستبقى لها، ثم سحبت الملف الذي سيتطلع إليه "يزيد" في الغد ودخلت لغرفته كي تضعه على سطح مكتبهِ.. حينها علقت أنظارها على مقعدهِ الجلدي الوثير، وتذكرت تلك الكلمات التي قالها لها بعدما تم الإتفاق بينهما.

(التعامل بينا مش هيكون زي الأول، دلوقتي أنا هكون مديرك المباشر.. عارف إني بكون صعب أحيانًا في أي حاجه تخص الشغل، كل المطلوب منك عشان تتجاوزي المرحلة دي إنك تتبعي نظام ريح تستريح.. يعني خليكي في صفي وورايا حتى لو غلط، ده هيسهل عليكي ويمنع أي فرصة تصادم بينا في البداية.)

زفرت "نغم" وهي تلتفت لتغادر غرفة مكتبهِ غير متأكدة من إنها ستفعل ما نصحها به، فـ هي غالبًا تفعل ما يروق لها وما تراه صحيحًا وليس العكس.. لذلك هي تفطن بكمّ المواجهات السخيفة والتعنتات من كلاهما في بداية الأمر حتى تستقر الأوضاع.. ولهذا كانت في حالة استعداد لما هي مُقبلة عليه استعدادًا تامًا وأردفت بـ :
- أما نشوف بكرة هيحصل إيه!
.........................................................................
أوقف "يونس" سيارتهِ قبالة المتجر الخاص بـ "إبراهيم" رحمة الله عليه والذي تملكه "ملك" حاليًا.. ثم التفت برأسهِ ينظر إليها وهو يقول :
- ليه أصريتي تيجي هنا؟

شعرت بالحنين الجارف وقد طغى على كل مشاعرها لمجرد مكان فيه عبق والدها الذي حُرمت منه مبكرًا، والدها التي ظنت إنه سيعيش حتى يُصلح خطئهِ في حقها ولكنه غادر قبيل أن ترى أيامًا سعيدة معه.
تنهدت "ملك" وهي تحس بألمٍ كأن جرحها طازجًا وليد اللحظة ولم يمر عليه قرابة الشهر، وأردفت بـ :
- عايزة أشوف المحل بتاعه، ومكتبه، والمكان اللي كان بيحب يقعد فيه.. كل حته

فتحت السيارة وترجلت منها لاحقًا "يونس" بها، ونظرت مليًا للمفاتيح التي تمسك بها قبل أن تهمّ بفتح الباب المعدني الضخم للمتجر.. وعاونها "يونس" في رفعهِ حتى تتمكن من فتح الباب الزجاجي الداخلي.
فتحت إضاءة المكان وراحت عيناها تتجول في كل زاوية وقد طغت رائحة "إبراهيم" على المكان بالفعل، أو هكذا خُيِّل لها.
خطت نحو المكتب الصغير القابع بالداخل وجلست في مكانهِ، أطبقت جفونها ولاحت ابتسامة على ثغرها بينّت قوة الذكريات الغابرة التي مرت على عقلها :
- آخر مرة جيت هنا كنت بشتكي لبابا من محمد، كنت بقوله إني مش قادرة أتنفس.. وإني عايشة في حكم الميتة

وفتحت عيناها وهي تتابع بدون توقف :
- قالي معندناش بنات تطلق وده جوزك وحقه عليكي الطاعة.. ساعتها حسيت إني ماليش حد، الدنيا ضاقت عليا ومبقاش في مكان يكفي واحدة ضعيفة زيي

جلس "يونس" أمامها منزعجًا من أجلها وهو يستمع لإحدى الذكريات المؤلمة التي مرّت بها.. وحاول أن يخفف عن عمهِ قليلًا أمامها :
- أي أب مش هيتمنى الطلاق لبنته، مش معنى كده إنه اتخلى عنك أو......
- يونس

قاطعته منادية فـ صمت كي يستمع إليها :
- متخافش أنا مسمحاه، بس حسيت إني عايزة أتكلم

مسحت على وجهها وهي تستعيد لحظات القوة التي بقيت ظلًا لها بالفترة السابقة، وزفرت أنفاسها بقوة وقد عادت نبرتها تأخذ الصوت الطبيعي لها :
- لكن مفيش لزوم

نظرت من حولها جيدًا متأملة المكان وقالت :
- أنا مش هبيع المحل ده

لفظت بما كان يخشاه، كان يشعر إنها ستتمرد على الوضع بكل تأكيد وتحتفظ بالشئ الوحيد الذي بقى بين يديها من أثر والدها وها هو يتحقق له ما تنبأ به سابقـًا.
أجفل جفونهِ مُخبئًا عنها عدم رضاه عن قرارها، بعد كل مجهوداتهِ المُضنية في زجّ الماضي بعيدًا عنها تتشبث هي ببقاياه ليكون مستقبلًا لها.. نهض "يونس" عن جلستهِ ونظر حوله للمساحة الشاسعة التي يحتلها المتجر وقال :
- مش هتفهمي في شغل الملابس ولا هتقدري تتعاملي مع تجار ياملك، أنا مش مقتنع بفكرة تمسكك بيه الحقيقة

ولكنها لم تعدل عن قرارها المحسوم هذه المرة و :
- مش هشغله في الملابس، ممكن أشغله في حاجه تانية

هذه الفكرة التي راودتها جعلت رأسهِ تشتعل، ثمة سخونة تسربت متدفقة في سائر جسدهِ رافضًا ذلك وبـ إصرار :
- أنا مش موافق !

كانت متوقعة ذلك بعد حديثها مع "كريمان" والتي مهدت لها فيه بأن "يونس" سيرفض فكرتها رفضـًا قاطعًا.. ولكنها تصنعت الإندهاش من رد فعله مستنكرة عليه ذلك :
- ليه؟؟

فـ لم يماطلها وقطع الحوار هنا بدون رغبة في التحدث عن الأمر أكثر :
- كده، أنا دماغي كده.. مش موافق ومش هوافق

والتفت ليخرج من هنا، فـ لحقت به على الفور و :
- يونس، أحنا لسه بنتكلم

فـ توقف واستدار إليها وقد لاحظت تغيير تعابير وجهه بشكل جذري :
- مش عايز أتكلم في الموضوع ده، ياريت نقفله خالص

فـ تعنتت "ملك" رافضة تحكمه الغير مُبرر في أمرٍ مهم گهذا :
- بس انا مش ناوية أستغنى عن المحل

فـ احتدم صوتهِ وهو يرد عليها بلغة جديدة كليًا ترفض حتى النقاش :
- أسمعي ياملك، معنديش مشكلة أبدًا تمارسي شخصيتك الجديدة حتى عليا.. بس في مواضيع منصحكيش تتعاملي فيها معايا بالعند، أنسي إني هسيبك تشغلي المحل وده آخر كلام عندي، عايزاه ذكرى ليكي عايزاه يتباع مش مشكلتي.. إنما شغل والكلام الفاضي ده أمسحيه من دماغك خالص، اتفقنا!

فـ عقدت ذراعيها أمام صدرها بغير رضا و :
- لأ متفقناش
- والله دي حاجه ترجعلك، أنا بالنسبالي الكلام خلص هنا واللي قولته هو اللي هيحصل

وأشار نحو السيارة آمرًا إياها :
- أركبي عشان نمشي من هنا وأنا هقفل المحل

وعاد ليوصد المتجر بنفسهِ ويغلق إضاءتهِ وقد تعكر مزاجهِ.. بينما جلست هي في السيارة وقد تملكها الإمتعاض من تصرفهِ ومازال بداخلها إصرار على تنفيذ ما فكرت به، أخرجت هاتفها وكادت تتصل بـ "كاريمان" إلا إنها رأته يُقبل عليها بعدما أنهى كل شئ في أقل من الدقيقة.. فـ أعادت الهاتف مكانه وأشاحت بوجهها ليرتكز بصرها ناحية الزجاج، متجاهلة وجودهِ كما تجاهل هو وجودها ولم ينبث بكلمة واحدة طوال الطريق، متعمدًا ألا يُحدث توترًا بينهما أكثر من ذلك.
.............................................................................
قبل الوصول للمزرعة بمسافة قريبة، كان "يزيد" يرى أمامهِ سيارة أخيهِ وهي تُسابق الطريق بسرعتها.. فـ حاول اللحاق به وقد ضاعف من سرعته شاعرًا بـ وجود شئٍ ما في شقيقهِ وتبين ذلك خلال قيادتهِ للسيارة.
وعندما اقتربت المسافة بينهما بدأ "يزيد" يتلاعب بـ إضاءة السيارة الأمامية كي يلفت انتباهه.. فـ بادله "يونس" الإشارة معلنًا عن علمهِ بـ إنه هو الذي يسير من خلفهِ، وظل الوضع بينهما هكذا حتى وصل كلاهما في نفس التوقيت أمام البوابة ودلف عبرها "يونس" أولًا حتى وصل لنهاية الرواق.. ترجلت "ملك" عن السيارة أولًا وأوفضت نحو الداخل بخطوات مستوفضة متحاشية أي مواجهة معه الآن.
لمحها "يزيد" وهي تسير متشنجة بهذا الشكل، فـ أيقن وجود شئ ما بينهما.. ولا سيما أن "يونس" ما زال قابعًا بسيارتهِ ولم يترجل منها بأي شكل.
فـ خطى "يزيد" واستقر بداخل سيارة أخيه وبجواره وهو يسأل بفضول :
- في إيه يايونس؟؟ مالها ملك؟

فـ أجاب بـ اقتضابٍ ممتعض :
- مفيش، مشكلة صغيرة وهتتحل

فـ استهجن "يزيد" عدم بوح شقيقهِ له و :
- واضح على وشك إنها صغيرة! خليك كده مدلعها على الآخر

نفخ "يونس" بـ انزعاج شديد وهو يقول بسلاسة راضية :
- ما تدلع ياعم براحتها إيه اللي مزعلك!.. وبعدين أنا اللي كنت حاد معاها، مش عارف إيه اللي جرالي الفترة الأخيرة

ثم نظر لـ أخيهِ وهو يرمي إليه بالكلام المقصود :
- ومش عارف مين السبب !

ابتسم "يزيد" بسخافة عندما أحس بـ أخيه يُشبّه نفسه به، ثم قال بتفاخر زائد :
- وماله، هنبقى توأم حقيقي وقتها

ثم عبس مجددًا وهو يتسائل :
- جاسر كلمك؟؟

تنهد "يونس" وقد فاض به الكيل ولكنه ما زال يكافح ذلك الشعور :
- لأ

أُضيئت شاشة الهاتف وانبثقت منها اللوحة المُعلنة عن إتصال هاتفي وارد.. فـ ضحك "يونس" بسخرية مستخفًا بما يحدث من صُدف وأشار نحو الهاتف وهو يقول :
- أهو، جيبت سيرته راح أسمه نط على شاشة التليفون

فـ تلهف "يزيد" لمعرفة الأخبار وكان ذلك جليًا عليه :
- طب رد شوف وصل لأيه

لم يجب "يونس" عن المكالمة مفتقدًا الشعور برغبتهِ في الإجابة، فـ رمقهُ "يزيد" مندهشًا و :
- ما ترد يايونس!

فـ بدا "يونس" غير مكترث بالرد وهو يقول بفتور شديد :
- ماليش نفس، شوية كده وأكلمه
- ياعم خلينا نخلص ونعرف

فـ انفعل "يونس" في هذه اللحظة وكأنه انتظر أن يحكّ له أحدهم أنفهِ لـ يهبّ فيه بعصبية :
- ما تاخد تكلمه انت؟؟ هو أنا أبوكوا !؟ خلفتكم ونسيتكم ودلوقتي بكفر عن غلطي!!

وترجل عن السيارة وسط ذهول "يزيد" الذي ترجل هو الآخر متعجبًا من هذه الحالة التي أصابت أخيهِ فجأة، بينما "يونس" كان يتابع بعصبية هوجاء :
- من ساعة ما نزلت القاهرة والمصايب على دماغي نازلة ترف، والمصيبة إني شايل همومكم لوحدي!!.. أنت شوية وملك شوية ونينة شوية، هو في إيه!!

فـ أشار له "يزيد" كي يهدأ قليلًا وقد تفهم المعاناة والضغط النفسي الذي تعرض له شقيقه بالفترة الأخيرة :
- طيب خلاص حقك عليا، عايزني أعمل إيه وانا هعمله !

فـ انتزع "يونس" سترتهِ بـ انفعال وهو يصيح بـ اهتياج زادت حدتهِ :
- أتخلوا عني ياأخي، أنسوني شوية!.. أنا ناقص أطمن عليكوا متغطيين وانتوا نايمين ولا لأ، دي مبقتش عيشة!

قذف سترتهِ بداخل السيارة وعاد يستقر في مكانه من جديد وشغل المُحرك.. ابتعد "يزيد" عنه تمامًا وبدأ "يونس" يعود بالسيارة للوراء مستعدًا للرحيل من هنا، فقد تعبأ داخله بالكثير من المشاعر السلبية التي يجب عليه التخلص منها نهائيًا بين جعبة المشاكل التي لا تنتهي مجرد أن ينهي أمرًا يجد حديثًا ينتظره.. واقفًا صامدًا وهو الذي بداخله مفتتًا يحتاج للترميم.
نظر "يزيد" لـ أثرهِ متفاجئًا من هذا التحول الذي كان لابد من حدوثهِ، وإلا كان فقد "يونس" عقلهِ بالكامل.
.............................................................................
انتظر "يونس" لوقتٍ ليس بقليل أن يحضر "جاسر" للمقهى المُتفق عليه.. لكن الأخير تأخر وكان هذا لصالح "يونس" الذي حبذ أن يختلي قليلًا بنفسهِ قبيل أن يقابله ويتحدث معه للمرة الثانية على التوالي.
وضع "يونس" فنجان القهوة الثاني على الطاولة فارغـًا، ودعس السيجارة التي وصلت لنهايتها وبدأ يُشعل غيرها بعدما أشار للنادل وحضر بين يديه فورًا :
- تحب حاجه تانيه؟
- قهوة فرنساوي

انصرف النادل فـ ظهر "جاسر" الذي كان يقف خلفهِ مباشرة، بقيت نظرات "يونس" متعلقة به وهو واقف لثوانٍ قبيل أن يجلس قائلًا :
- ليه اتقابلنا هنا؟

فأجابهُ بصراحة مُطلقة :
- مش عايز أدخل بيتك مرة تانية

ابتسم "جاسر" بسخرية وكأنه يمدحهُ، وتجاوز هذا الحديث متسائلًا بجدية عكست الحزمّ الذي تجلّى عليه :
- أنت شاكك في مين؟

فـ تجاهل "يونس" سؤاله محافظًا على خصوصية الموضوع :
- قولي لقيت إيه خلاك تطلب أجيلك

فـ اقتصر "جاسر" الطريق ليُبعد عن رأسهِ الشخص الذي دارت الشكوك حولهِ :
- مش معتصم

فـ اعتدل "يونس" بجلستهِ وقد تحفزت حواسهِ، واستند بمرفقيه على سطح الطاولة بدون أن يندهش لتوصل "جاسر" إلى مثل تلك المعلومة :
- أمال مين؟

لمح له "جاسر" مستمتعًا بتلك اللهفة التي لا يريد إرضائها بسرعة :
- واحدة ست

قطب جبينهِ ولم يخطر بـ ذهنهِ أي مُرشح قد يجرؤ على فعل ذلك، اعتصر عقلهِ محاولًا التوصل لتلك الأفعى الرقطاء التي تحوم حولهم ولكنه مازال عاجزًا عن إيجادها :
- ست!! ست مين؟ مين دي اللي اتجرأت وعملت كل ده وعايزة تنهي يزيد بأي شكل

مطّ "جاسر" شفتيهِ وهو يعطيه طرف خيط يساعده :
- في الأصل هي مش عايزة يزيد، هي عايزاك انت.. يعني عايزة توجعك في اللي حواليك

اتسعت عيناه جاحظة عن آخرها وقد غيمت سحابة ممتلئة بالحنق والغضب فوق رأسهِ وهو يردف :
- أنا! ست عايزة تـ......

وإذ بـ صورتها تنبثق أمام عيناه في تلك اللحظة لينقطع صوتهِ هنيهه قبل أن ينطق بـ إسمها وقد تصاعدت النيران في صدرهِ حتى بلغت وجههِ الذي اصطبغ بـ حُمرة ممتعضة مُرعبة :
- غـاليـة!!!
يتبع.....
لقراءة الفصل التاسع والخمسون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات