القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم ياسمين عادل

أُحب دلالهُ لي وكأني ابنتهُ، وحُبهِ كأنه اختزل كُل العشق لأجلي."
_________________________________________
طاقة هائلة من الغضب المكتوم بين أضلعهِ، يرغب بشدة أن يفتك بها لتدفع ثمن الألاعيب الوضيعة التي حاكتها من خلف ظهرهِ.. لقد انكشف له الطرف الثالث الذي احتار وهو يبحث عنه بدون أن تخطر هي على ذهنهِ لحظة واحدة، وكيف يفكر بها وهو الذي لم يصدق إنها ستتجاوز كل حدودها بهذا الشكل الجرئ.
حاولت في مرة قتله، وفي الثانية حبسهِ لسنين طويلة، لقد استهلكت كل صبرهِ عليها ولم يعد هناك داعٍ لأن يتركها بدون حساب.. هذه المرة لن يمنعه حتى ذكرى زوجتهِ المتوفاه، إن كانت حيّة الآن لقررت الثأر بنفسها بعد كل ذلك العبث الرخيص منها.
گالقدر المحموم غلى صدرهِ وهو يبحث في عقلهِ عن الرد القوي والمناسب على كل ما فعلتهُ، ويفكر كيف يُحصن نفسهِ وكل من حولهِ من أي مخطط داهي منها.. وأول ما سأل عنه :
- هي فين؟؟

فكان جواب "جاسر" مُبسط ولكنه حمل بين أحرفهِ سببًا كافيًا لأن يهتاج "يونس" وتثور ثائرتهِ :
- هربت
- نـــعـم !!

قالها وهو يضرب بكفهِ سطح الطاولة، فـ فسر له "جاسر" بشكلٍ أوضح :
- بعد ما واجهتها هربت من الشاليه بتاعها، أكيد أنا مش مجبر أكتفها وأجيبهالك في شوال.. أنت كفيل بيها

وقف "جاسر" فـ نهض "يونس" وهو يحذرهِ بلهجة حازمة :
- لو اكتشفت إنك خبيتها ياجاسر!!

فـ قاطعه "جاسر" بحزمٍ :
- الوليه دي متلزمنيش، ولولا إن الموضوع يخصك كنت أدخلت بدالك

فـ تدخل "يونس" بمنتصف كلامهِ و :
- مش محتاج مساعدة من حد، زي ما قولت أنا كفيل بيها هي وكل اللي وراها.. أنا كنت عايز معلومة بس وأخدتها منك

وتناول هاتفه ومفاتيحه متابعًا :
- يعني مش هنتقابل تاني

وترك "يونس" ورقة نقدية فئة مائتان جنيه على الطاولة وهمّ ليخرج من هنا، بينما الإنتظار للحظات كان من نصيب "جاسر" الذي تعمد الخروج بعدما ينصرف "يونس" ببضع لحظات، هو أتم مهمتهِ معتبرًا ذلك تلافي لخطأ وجود أسمهِ في أمر گهذا.. ولأنه لم ينسى أبدًا "حسن الجبالي".. ذلك الرجل الذي اهتم به وبأمثالهِ من الأيتام ومجهولي النسب وتولى رعايتهم والإنفاق عليهم في دور الرعاية وزياراتهِ المستديمة لهم، لهذا هو يكنّ له تقديِرًا واحترامًا حتى الآن، ولم يترك أبناءهِ يسقطون في الفخ بـ سببهِ.
...........................................................................
ترك "يونس" هاتفهِ بعدما أنهى مكالمة غاية في الأهمية مع "عيسى" وأراح ظهرهٍ للخلف مستندًا على الوسائد الوثيرة المفترشة على الأريكة.. مسح شفتهِ السُفلى بلسانهِ وقد نهم الغيظ منه نهمًا، فرك صدغهِ ومازال عقلهِ يعمل عملًا دؤوبًا للوصول إلى فكرة حول ما عليه فعله معها، لم يهتم بـ إرهاقهِ وبقى هاجدًا طوال الليل في منزله بمفردهِ بعدما قرر ألا يذهب إلى المزرعة على الأقل الأيام المُقبلة، وسـ يصب جام تركيزهِ على هذا الأمر حتى يُنهي "غالية" تمامًا، فقد أصبحت تُشكل خطرًا واضحًا وليس عليه هو فقط.. بل على المحيطين به بشكل أكبر.
نفخ "يونس" أنفاسهِ المضطربة وغمغم بصوتِ منخفض :
- بقى تطلعي انتي ورا كل ده!.. عيني غفلت عنك شوية تروحي تضربيني وتضربي اللي حواليا في ضهرهم!، إيه كل السم اللي جواكي ده!

اعتدل "يونس" في جلستهِ وسحب سيجارة من علبتهِ، ثم نهض عن جلستهِ وسار نحو النافذة وهو يتوعد وعيدًا حارقًا :
- ورحمة هانيا ما هسيبك، ورحمة الغالية اللي ماتت بأيدك مكاني لـ أكون نهايتك ياغالية!.
...........................................................................
كان صباحًا حارًا يُودع به الجميع آواخر أيام الصيف ليبدأ الخريف بـ رطوبتهِ ونسيمهِ المُنعش الجميل.
وصل "يزيد" مبكرًا عن موعد وصولهِ بـ عشر دقائق تقريبًا متأهبًا لمهام اليوم البالغة الأهمية.. وقف بمنتصف الطريق حيث ظهر "سيف" أمامهِ ليقول :
- صباح الخير يامستر يزيد، حاولت أتواصل مع مستر يونس الصبح لكن تليفونه مغلق

فـ تنهد "يزيد" وأومأ برأسهِ وهو يقول :
- عارف، أبقى أتصل بيا لو في حاجه مش لازم تزعجه
- مفهوم، في اجتماع من سيادتك للمستثمرين الجُدد في قاعة مؤتمرات فُندق (*****) بكرة الساعة ١٠ الصبح
- كويس، أبعتلي ميل بالكلام ده
- حالًا

وعاد "يزيد" يشق طريقه نحو مكتبه.. مرّ من أمام مكتب "نغم" فـ إذ بتلك الرائحة التي لا تُقاوم تتسلل إلى أنفهِ مُحدثة زلزال في معدتهِ، فـ تحرك نحو غرفتها حيث كانت تجلس على مكتبها وترتشف قهوة الصباح بالحليب وبجانبها ماكينة صُنع القهوة.. تنغض جبينه بينما رفعت هي رأسها عندما أحست بخيالهِ الواقف أمام الباب و :
- صباح الخير يامستر يزيد

فـ أومأ "يزيد" مُصابًا ببعض التقلص في خطوط وجهه وهو يقول :
- إيه ده يانغم ؟؟ فاكرة نفسك رجعتي البوفيه ولا إيه!

فـ أجابت بهدوء مُصطنع على سخريتهِ التي أحستها تُقلل من شأنها :
- ده كورنر قهوة، مش بحب أشرب حاجه غير من إيدي أنا.. عشان كده قررت مش هتعب عامل البوفيه معايا ومش هقوم كل شوية وأسيب مكتبي عشان أعمل القهوة!

فـ استنكر تفكيرها الذي اتجه صوب الرفاهية أولًا و :
- إيه الراحة دي ! إحنا مش في رحلة عشان كل ده؟ ممكن تشربي قهوتك في البيت قبل ما تيجي، إنما تعمليلي المكتب بوفيه!

نهضت "نغم" عن مكانها وتركت الفنجان خاصتها وهي تقول :
- أنا مش شايفة حاجه تستاهل كل ده، عشان أشتغل كويس لازم تكون دماغي صافية ومرتاحة وبالتالي دي الوسيلة الوحيدة

فـ بتر حواره الذي لن يُجدي نفعًا معها آمرًا إياها :
- مش عايز أشوف البتاع ده هنا تاني

فـ أردفت قبيل أن ينصرف :
- بسيطة، هنقلها الناحية التانية بعيد عن مكتبي

اشتدت بشرتهِ للوراء غير راضي عن مناقشتها له في أمرٍ تافه گهذا :
- أستغفر الله العظيم

وابتعد ليدخل إلى غرفتهِ أثناء النظر في ساعة اليد، دخلت "نغم" من خلفهِ ممسكة بالملف الأزرق اللون.. وقبل أن تبادر كان يقول :
- في بكرة اجتماع آ.....

فـ استكملت هي ما يود إخبارها به :
- مع المستثمرين الجدد في الفندق الساعة ١٠ صباحًا، عندي خبر

جلس على مقعده وفتح الحاسوب وهو يقول :
- كويس، عايزك تكوني هناك من ٩ ونص
- تمام
- ومتنسيش يكون معاكي كل الأوراق اللي تخص المشروعات اللي هنعرضها عليهم

تقدمت من مكتبه ووضعت الملف وهي تقول :
- كلها جاهزة، وهنا في نسخة من العقود اللي هتتعرض عليهم
- سيبيه وانا هبص عليه

ثم نظر نحوها بعدما ترك النظر لشاشة الحاسوب و :
- هتلاقي في الـ index رقم محل الورد اللي بنتعامل معاه، اتصلي واطلبي منهم بوكيه ورد أبيض وييجي على مكتبي هنا قبل العصر

فـ لم تُبدي أي رد فعل أو تعبير وجهي وأومأت برأسها فورًا :
- حالًا

فـ عاد ينظر للحاسوب بـ اهتمام شديد و :
- خلاص اتفضلي انتي

التفتت وانصرفت من هنا وعقلها مرتكزًا على هذا الأمر الذي أثار حفيظتها، لمن سـ يُهدي باقة الورد هذه؟؟.
ولماذا يُطلعها على أمرٍ خاص گهذا ؟؟ هل اعتاد على ذلك من السكرتيرة السابقة له وكانت تفعل كل ذلك نيابة عنه! أم أن الأمر خاص بها!؟.
عدة تساؤلات شغلت بالها بعد أن تعهدت ألا تفكر سوى بالعمل، ولكنها گالعادة لم تستطع ضبط نفسها أمام صراع قلبها الذي يميل له دائمًا بدون مراعاة لتوجيهها له.
.............................................................................
رفضت "ملك" تناول الإفطار وقد مرّ يومين منذ لقائها الأخير به ولم ترهُ أو تسمع عنه شيئًا، ولم يحضر إلى هنا من أجلها گعادة كل يوم.
ألهذا الحد أزعجتهُ ولم يتحمل دلالها هذه المرة؟؟.. أم إنه سئم منها؟.. التفكير بشأن الأمر والتخمينات التي تجول بخاطرها مرعبة، فـ قررت أن تحاول تجاهل الأمر، ولكنها فشلت في ذلك أيضًا.
ارتدت "ملك" ملابسها السوداء كاملة، ورغم قتامة هيئتها إلا إنها كانت راقية أنيقة.. استعدت لتغادر المزرعة وتذهب إليه بعدما علمت من "عيسى" إنه يسكن منزله بالقاهرة.
دخلت "كاريمان" عليها وقد كانت مؤيدة لما ستقوم به، وتأملت حالتها وهي تقول :
- Çok güzel. "جميلة جدًا"
عرفتي هتعملي إيه؟؟

فـ أومأت "ملك" وهي تنحني لترتدي حذائها :
- آه، مش هسيبه غير لما أصالحه.. هو جه على نفسه كتير عشاني وانا كمان لازم أعمل كده

فـ ابتسمت "كاريمان" لتفكيرها المراعي بشأن "يونس" وأيدتها بشدة :
- شاطرة ، بعدين بقى نبقى نتناقش في موضوع المحل ده

اضطربت "ملك" خوفًا من رفض "عيسى" أن يصحبها معه للقاهرة و :
- أنا خايفة عيسى يرفض ياخدني معاه!
- متقلقيش، أنا اللي هكلمه

وخرجت "كاريمان" في أعقابها "ملك".
كان" عيسى" مستعدًا بالفعل لمغادرة المزرعة بعد أن قضى أغلب حاجات القصر هنا وجلب بعض المستلزمات التي سيحتاجها "مهدي" من أجل الخيول.
وقبل أن يحرك سيارتهِ وجد "كاريمان" تشير إليه، فـ ترجل مجددًا قاطبًا جبينه وهو يرى "ملك" مستعدة بهذا الشكل.. دنى منهن و :
- أؤمري ياهانم

فـ قالت برسمية كي يأخذ الأمر على محمل الجدية :
- خد ملك معاك، وصلها عند يونس

فـ رفض "عيسى" فعل ذلك لئلا يضطر لتقديم تبريرات لن يقبلها "يونس" نفسه :
- آسف ياهانم مقدرش، لو اتصرفت في حاجه تخص الهانم من غير ما أرجع للباشا هيبقى فيها قطع عيشي

فـ طمأنتهُ "كاريمان" وضمنت له ألا يحدث ذلك :
- Korkma. "لا تخاف"
أنا اللي قولتلك تعمل ده يعني ميقدرش يكسر كلامي

فـ لم يرضخ "عيسى" لأمرها متذكرًا ما طاله بالمرة الأخيرة حينما تصرف من تلقاء نفسهِ :
- مقدرش، المرة اللي فاتت يونس باشا بهدل الدنيا.. مش هقدر أعمل كده المرة دي صدقيني
...............................................................................
انتظرت "نغم" بداخل سيارة الأجرة التي استقلتها بعد أن يخرج من مقر الشركة بعدما انتهى وقت الدوام، هي تعهدت لنفسها أن لا تجعل من علاقتهم مُسمى سوى علاقة عمل بين مدير وموظفة لديه.. ولكنها لا تستطيع الوقوف أمام قرارها، وإذ بـ قلبها وعواطفها تحركها من جديد لتخطو نحوهِ وهي غير شاعرة، دفعها فضولها لأن تعرف إلى أين سيأخذ تلك الباقة التي أحضرتها له بيدها، بل الأحرى أن الذي دفعها هو غيرتها الشديدة التي لم تقوَ على كبح جماحها.
ضغطت "نغم" على رأسها موضع الألم الذي أُصيبت به جانبي رأسها، وقالت بصوتٍ خفيض :
- إيه اللي انا بعمله ده بس!

أحضر أحد موظفي الأمن سيارة "يزيد" أمام البوابة مباشرة وترجل منها، فـ أخفضت "نغم" رأسها قليلًا بعدما استشعرت إنه على وشك الخروج.. وبالفعل كان يخرج حاملًا الباقة بيده والأخرى ممسكة بهاتفهِ الذي يتحدث فيه، ثم جلس بداخل سيارتهِ، وبعد لحظات كان يتحرك بها.. لـ تشير "نغم" للسائق و :
- خلينا ورا العربية الزرقا دي لو سمحت

فـ بدأ السائق بالقيادة الفعلية مراقبًا لـ "يزيد" مراقبة حريصة كي لا يُلاحظهُ الأخير.. بينما عقل "نغم" يراقب الطريق ويراقب السيارة في آنٍ.. تحاول التوصل بـ عقلها للمكان الذي ينتقل هو نحوه.
هاجمها شعورًا لم تحبذهُ قط، وتمنتّ لو إنه خاطئًا، هي تعرف هذا الطريق جيدًا وحضرت معه ذات مرة.. طريق يؤدي للمقابر.
ازدردت ريقها وفركت أصابعها معًا بتوتر وهي تنتظر أن يعدل عن فكرة زيارة القبور، ولكنه كان بالفعل قد انحرف عن الطريق العمومي وبدأ يسلك أحد الشوارع الفرعية الساكنة التي تعتبر بداية الطريق للمقابر.. انقبض قلبها أكثر وهي تعلم إنه ذاهبًا إليها، لـ زوجتهِ السابقة التي لم ينساها بأي شكل وقد حطّ الذنب على عنقهِ حطّ السكين.
لم تتحمل "نغم" أكثر من ذلك وأشارت بيدها للسائق ليتراجع عن اللحاق به :
- خلاص ياسطى، خلينا نرجع

فـ توقف السائق بالفعل وبدأ يخترق أحد الشوارع الجانبية التي ستؤدي به للشارع العمومي من جديد، وهي في حالةٍ تحاول بشتّى الطرق التغلب عليها.. إن كانت قد قبلت التواجد بجانبهِ، فـ ستقبل أيضًا حقيقة إنها ليست سوى موظفة لديه.. ولن تحاول أن تحوز على مكانة غير تلك.

ترجل "يزيد" من سيارتهِ أمام المدفن الخاص بـ آل "الجبـالي" ونظر حوله لـ هيبة المكان الساكن، والخاوي من أي معالم الحياة.. ثم دنى من المدفن وبدأ يفتح الأقفال للدخول.
دلف ووضع الزهور على القبر "إبراهيم الجبالي" ثم رفع يديه وبدأ بقراءة الفاتحة و :
- آمين.

تنهد وهو يحني رأسه بتهذيب وقال :
- الله يرحمك ياعمي، ملحقتش آخد عزاك وانت اللي عشت طول عمرك تقولي إني إبنك اللي مخلفتوش

وغلبت نبرة حزينة على صوتهِ متابعًا :
- اللي حواليا خلاني اتلهي عنك، بدل ما كنت الحقك وأسفرك برا، حتى لو غصب عنك.. كنت بتفرج عليك وانت بتموت، وفي الآخر مودعتكش الوداع الأخير حتى، سامحني

لاحظ جفاف التربة التي زُرع فيها الصبار، فـ راح يتناول دلو الماء ويسقي الأرض وما حولها، بـ حزن خيم على تعابير وجهه.. لم يفيق بالكامل مما حدث له وما زال يحدث، وإذ بالحزن يُشكل عليه ضغط زائد أيضًا.
ترك الدلو وانتهى من زيارة قبر عمهِ، فـ خرج ونظر لنهاية الطريق، حيث مدفن "رغدة" الذي لم يزوره منذ آخر مرة.. فكر في الذهاب إليها ولكنه تردد، في النهاية لم يستطع منع نفسه.. وسار مترجلًا حتى وصل إليها، قرأ الفاتحة وأطبق جفونهِ متحكمًا في مشاعرهِ التي يرفضها، وفتح عيناه وهو يردف بخفوت :
- ياريت كان في حاجه أكفّر بيها عن ذنبي، بس للأسف مفيش.. انتي دفعتي التمن لوحدك، وسيبتيني هنا مع معتصم عشان حد فينا يخلص على التاني

نفخ "يزيد" بحنقٍ بلغ أقصاه و :
- زيارة الست اللي ماتت وهي على ذمة عدوي متليقش بيا يارغدة، حتى لو كانت فادتني بحياتها.. هفضل فاكرك ومش هنسى أبدًا اللي عملتيه عشاني، لكن مبقاش ينفع آجي هنا تاني

وأشار لها بيده يودعها وداعًا أخيرًا :
- سـلام يارغدة، سلام لحد ما نتقابل في عالم تاني

والتفت لكي يغادر من هنا وقد انتوى أن لا يأتي مجددًا لزيارتها، لن ينساها.. ولكن طاقتهِ لم تعد كافية لتحمل هذا الذنب العظيم الذي كلفهُ كثيرًا، لذلك سيجبر نفسهِ وإن كان صعبًا عليه أن ينسى.
.............................................................................
كان "يونس" يستعد ليغادر منزلهِ.. أرتدى قميص أسود وكان يُغلق أزرارهِ أمام المرآه وتفكيرهِ مُنصب في أمرٍ ما، حتى استمع لصوت باب ينفتح، فـ قطب جبينهِ مدهوشًا وخرج متعجلًا، لـ يصطدم برؤيتها أمامهِ مباشرةً.. اتسعت عيناه بتحمسٍ زائد وعاد عقلهِ لرأسه بعدما شده قليلًا ليسأل مذهولًا :
- إزاي جيتي لحد هنا!!

فـ تركت "ملك" حقيبتها وأجابت حينئذٍ :
- عيسى هو اللي جابني

فـ قست ملامح وجهه وذمّ شفتيه بغضبٍ بيّن بينما كانت "ملك" تحاول الدفاع عن "عيسى" لئلا يكون مُدانًا أمامهِ :
- نينة هي اللي أجبرته يجيبني، لولاها مكنش وافق أبدًا

فـ كتم "يونس" انفعالهِ كما كان معتادًا من قبل وقال بزيفٍ هادئ :
- برضو مكنش المفروض يتحرك بيكي من هناك من غير ما يقولي

فـ ابتسمت في وجهه عاكسة سعادتها الجليّة لرؤيتهِ وهي تقول :
- معلش المرة دي، عشان خاطري

فلم يستطع ردّها وأجفل يقول :
- ماشي

دنت منه وهي تتسائل :
- لابس أسود ليه! مش قولتلك اللون الأبيض أحلى فيك؟

فـ نظر نحو قميصهِ غير منتبه إنها تقطع المسافات بينهما لتكون أمامهِ وعلى مسافة قريبة للغاية :
- عادي، بحب الأسود

ورفع بصرهِ نحوها ليتفاجأ بقربها الشديد منه وهي تقول :
- تؤ، مش عادي

ومرت من جوارهِ وقد لامس كتفها ذراعهِ، فـ أفلت توازنهِ واضطرب عقلهِ وهو يكرر :
- تـؤ!!

التفت إليها ليجدها تعبث في خزانتهِ، ثم سحبت قميص أبيض ناصع اللون وحررتهُ من شماعتهِ الخشبية، واقتربت منه وهي تقول :
- ده أحلى، ممكن تقلع؟

ارتفع حاجبيه عقب كلمتها الأخيرة و :
- إيه!!

فـ أشارت نحو القميص وهي تضحك :
- القميص، أقلع القميص

فـ بدأ يحلّ أزرارهِ لتنكشف ملابسهِ الداخلية وترك القميص الأسود جانبًا، مدّ يده ليتناول القميص منها، ولكنها بدأت تُلبسهُ إياه بنفسها.. أستدار وهو يضع ذراعهِ اليُسرى وقد اعتلت ابتسامة سعيدة ثغرهِ ولكن سرعان ما تلاشت مُدعيًا الثبات، وقبل أن يبدأ بـ إغلاق الأزرار كانت تُديرهُ نحوها وتغلقها هي بنفسها.
ثم تركته وراحت تلتقط السُترة بينما كان يضع هو القميص بداخل البنطال.. ثم سار نحو منضدة الزينة ليُمشط شعرهِ أولًا وهو يسألها :
- إيه الحاجه المستعجلة اللي خلتك تيجي لحد هنا؟

فـ لم تتردد لتجيبهِ بـ :
- أنت

فـ نظر عليها عبر المرآه بعدما ترك فرشاتهِ، لتتابع هي :
- حتى لو هُنت عليك أفضل زعلانة يومين أنت مهونتش عليا أسيبك زعلان مني

فـ التفت إليها وهو يوضح لها :
- ملك، أنا مش زعلان منك.. ومقدرش أزعل أساسًا، لكن عايزك تفهمي وتصدقي إني مش عايز أتحكم فيكي ولا بفكر في كده.. كل محاولاتي كانت عشان راحتك وبس

ودنى منها متابعًا :
- يعني لو قلتلك لأ مش هتشغلي المحل يبقى ده عشانك وعشان مصلحتك، مش عشان أنا غاوي أوامر

فـ أومأت برأسها متفهمة ذلك و :
- عارفه، لكن المحل ده آ....

فلم يوليها الفرصة كي تناقش أمرٍ گهذا مجددًا و :
- قولتلك احتفظي بيه طالما عايزة كده مع إن ده مش هيفيدك، الذكريات في القلب مش في الأماكن.. لكن تشغليه ده مش هيحصل

زفرت بضيق وقد جثم الأمر على صدرها مجددًا و :
- أنا مش جاية عشان نتكلم تاني عن المحل ونتخانق هنا كمان

فـ دس يداه في جيوب البنطال ودقق بصرهِ فيها متسائلًا :
- أمال جيتي ليه من المزرعة لحد هنا؟

فـ اندفعت قائلة بدون تروّي أو تفكير :
- عشان وحـشتني

لحظة واحدة كانت كفيلة لكي ينسى كل شئ ويتذكر فقط إنها معه الآن.. قفز قلبهِ من بين أضلعهِ متحركًا صوبها، وخطى هو حتى قطع كل المسافات حتى وقف أمامها وتسائل بصوتٍ دغدغ مشاعرها المُتيقظة :
- وحشـتك بجد ؟

فـ هزت رأسها وهي تُحيد ببصرها عن نظراتهِ المتربصة لـ ابتسامة منها، وأسبلت أهدابها الكثيف لتغطي عيناها المُستحية وهي تهمس بـ :
- بجد

رفعت بصرها إليه وأردفت بـ :
- متبعدش عني، أنا مبقاش ليا حد غيرك

فـ وضع كلتا يداه على خصرها وسحبها برفقٍ حتى استندت ذراعيها على صدرهِ وهو يردف مُختختًا :
- مش هبعد أبدًا، وعد

ثم سأل وهو يُلصق جبهتهِ بـ جبهتها :
- مش هتردي على سؤالي بقى؟

وكأن في عينيها حيرة لم تفهم بعد إلام يرمي، حتى أعاد سؤالهِ على مسامعها من جديد :
- تتـجوزيني !؟

فـ ضحكت بسرورٍ شديد وقد اقشعر بدنها كلهِ أثر تلك الكلمة الجذابة التي يستمر مفعولها لوقتٍ طويل، بينما أعاد هو صياغة كلمتهِ بمعنى أدق وأقوى :
- تقبلي تشاركيني حياتي؟

فـ هزت رأسها بـ اضطراب شعوري اعتراها عدة مرات، وقالت بصوت سعيد في الأخير :
- أقـبل

وألصقت شفاهها بـ وجنتهِ تُقبله بسعادة لم تعيش مثيلها من قبل، حينما ضمّها هو إلى صدرهِ مستشعرًا سخونة جسدها، ثم وثبت على أطراف أصابعها وتعلقت في رقبتهِ وكأن الدنيا لم تُسعد اليوم أحدًا سواها...
يتبع.....
لقراءة الفصل الستون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات