القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والسادس عشر 116 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والسادس عشر 116 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والسادس عشر 116 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والسادس عشر 116 بقلم ياسمين عادل

وكيف لا أبالي بها، وهي تسكن الفؤاد بتشعبٍ، وكُل القلب لها."
_________________________________________
حاولت مرارًا وتكرارًا أن تسمح للنوم بإختلال جفونها، لكن إستعادة المشهد في ذهنها لآلاف المرات بشكل متوالي عثّر عليها ذلك، وكأن قلبها لم يفرح هكذا من قبل، ولا يتسع لتلك السعادة. بدلت ثيابها بأخرى جديدة من تلك التي اختارها لها بنفسه، ووضعت الكثير من عِطرها، ثم تفننت في استخدام قليل من أدوات الزينة، كل ذلك كان تعبير عن مشاعر الفرحة التي تعيشها. عادت تجلس على الفراش، وتناولت هاتفها بحماسةٍ مفرطة، فتحت حسابها الشخصي واستعدت لنشر حالة عاطفية رقيقة، لكنها اصطدمت بالعنوان الرئيسي الذي رأته في مقدمة ڤيديو منشور عبر أحد المجموعات الشهيرة بـ موقع "فيسبوك"، حيث ظهرت في الڤيديو بجانب "يزيد" وهو يعرض عليها الزواج أمام العامّة. انقبض قلبها وهي ترى ذلك الرقم القياسي الذي حققه الڤيديو من مشاهدات عالية، بجانب الكثير من التعليقات التي تأرجحت ما بين مؤيد ومعجب، وبين مُعارضٍ ونافر، ولم تخلو التعليقات من بعض الكلمات البذيئة لبعض الأشخاص وبعض الشتائم من أشخاص آخرون. تطلعت "نغم" لكل ذلك بشدوهٍ مصدوم، غير مصدقة تلك النائبة التي حطت عليها الآن. اخترق صوت الجرس الرنان مسامعها، فـ نهضت ممسكة بهاتفها وأمارات الذهول المذعور تغلف وجهها، وفتحت بغتةً لتراه واقفًا أمامها، فـ أفضت بصياحٍ مفاجئ :
- شوفت اللي انت عملته!.
كانت مفاجئة بالنسبة له، خاصة وأن مزاجه كان جيدًا للغاية قبل ثانية من الآن. قطب جبينه بإستغراب، ومنحها نظرةٍ متضايقة وهو يسأل بفتور :
- إيـه تاني ؟.
ناولته الهاتف بعدما فتحت المشهد أمام ناظريهِ، فـ سلط كامل وعيه على مشاهدة الڤيديو بعدما دلف للداخل وأقفلت هي الباب، تابع وكأنه غير مصدق ما حدث ، حينما رأى نصب عينيه كيف كان مجنونًا بهذه اللحظة. ظنتّهُ سيثور، سيهتاج، سيفقد أعصابه گالمعتاد. لكنها ذُهلت به يضحك بشكل هيستيري، ولم يتوقف عن الضحك دقيقة كاملة. ثم أعاد مشاهدة الڤيديو لمرة أخرى، مما أثار "نغم" أكثر حياله، وجعلها تندفع لخطف الهاتف من بين يديه، وهي تصيح فيه بإنفعال :
- إنت بتضحك على إيـه؟.
ضبط أنفاسه المتسارعة، وبدأ يخمد قليلًا ليجيب بعقلانية :
- شوفت تعليق فصلني بصراحة، بس عجبني.. الڤيديو كله عجبني.
- عـجبك ؟.
غير قادرة على استيعاب سرّ قبوله لشئ گهذا، لكنه برر لها على الفور :
- جدًا، ده احنا بكرة الصبح هنبقى تريند.. إيه المشكلة.
استهجنت هدوءهِ المريب، وعدم اهتمامه بما يخص وضعها :
- تريند إيه وزفت إيه، دي فضيحة!.
انعقد حاجبيه بغير رضا :
- فضيحة إيه!!.. إنتي بكرة هتكوني مراتي، يعني محدش يقدر يفتح بوقه بكلمة، ثم إني مش بعمل فعل فاضح في الطريق العام.
ونهض عن جلسته وهو يتابع :
- ده انا خرجت عن شكلي وهيئتي وتصرفاتي وطباعي وطلبت منك الجواز في الشارع قدام الناس.
ثم لكزها بشئ من العنف وهو يستكمل :
- صحيح إنك معندكيش إحساس، هي دي الرومانسية اللي قرفاني بيها!.
فـ ردّت إليه الضربة أثنين بقوتها الخائرة :
- بس متضربش!.
جذب طرف منامتها لتقترب خطوة، وحذرها إنذاك :
- بس ياماما صوتك ميعلاش، روحي إلبسي حاجه عشان نازلين.
خلصت نفسها من يده وهي ترفض ذلك بشدة :
- مش هاجي معاك في حته، هي إيه.. سايبة!! تعالي هنا آجي روحي هناك أروح!!
فـ ابتسم بتحدٍ وهو يسألها بمرونة لا تعتاد عليها من شخص مثله :
- إنتي شايفة كده ياحببتي؟.
لم تتخلى عن إصرارها، بل تضاعف وهي تجيب بثباتٍ لم يهتز :
- أكـيد.
****************************************
تطلع إليها وهي تتناول الإفطار معه أمام المسبح كما رغبت، أو الأحرى إنها كانت تدّعي إنها تأكل. ترك السكين جانبًا، وامتدت يده حتى أصبحت على كفها، وخرج صوته الرزين الهادئ وهو يسألها :
- مالك يا نغم؟.
كأنها أتت للتو من طريق بعيد، سافرت إليه بعقلها المغيب منذ الصباح ، فـ أبعدت أنظارها عنه ونظرت نحو طعامها، وأردفت بنبرة تبيّن فيها الحزن :
- إزاي تبقى مسافر بالليل ومتقوليش غير النهاردة!.
فأجاب بمنطقية شديدة :
- عشان عارف هتعملي إيه لو عرفتي، محبتش أخليهم يومين عِند ونكد.. أنا ما صدقت عرفت أجيبك هنا بالليل، وكمان كنت مستني أستلم البيت الجديد عشان أسيبلك مفتاحه قبل ما أمشي.

نهضت عن الطاولة، ووقفت أمام المسبح لتشرد من جديد، فـ لحق بها "يزيد"، ووضع كلتا يديه على ذراعيها، وقبل أن يتفوه كلمة كانت تردف هي بـ :
- مش عايزه مفاتيح ولا هاخد حاجه.
جذبها برفق حتى أصبحت قبالته، رفع رأسها إليه ليقول :
- هتاخديه، وهتجهزي كل حاجه فيه على زؤك انتي.. عايز أرجع ألاقي البيت خلصان وجاهز لإستقبالنا.
رفع كفها إلى فمهِ ليُقبله، وابتسامته الجميلة تصاعدت على محياه فورًا :
- مجرد ما أرجع هنعمل الفرح على طول.. مش عايز أستنى أكتر من كده.
ثم أفاض بصراحة :
- نغم أنا مش عايز أستهلك من الوقت أكتر من كده ، إحنا أولى بكل ده.. عايز تبقى في بيتي.. حببتي.. مراتي.. وكل حاجه ليا.
شاطرتهُ رغبته بإعلانها رغبتها هي أيضًا :
- أنا كمان عايزة كده، بس كان نفسي تكون معايا في كل حاجه بنعملها لبيتنا.
- هعوضك عن ده.. أوعدك.
جذب رأسها ليضعها بجوار قلبه، فـ استمعت بهدوء لضرباتهِ المنتظمة، والتي بدأت تضطرب مع قربها الشديد منه، وتابع :
- شهر هيعدي عليا كأنه سنين ، بس غصب عني لازم أسافر السفرية دي، المشروع ده هينقلنا في مكان تاني خالص.. مستقبل تاني لشركتنا، ولولا تعب ملك وحالتها كان زمان يونس مسافر معايا.
مسح على شعرها وتابع حديثه بمطلب :
- كل اللي هطلبه منك تكوني مع يونس ، تحت رعايته ونفس الوقت تتابعي شغلي وتبلغيني كل حاجه أول بأول.

كانت "ملك" تشاهدهم من الأعلى، وكلّ دعائها أن يتمم الله سعادة رفيقتها للنهاية، فهي تستحق ذلك. ابتسمت وهي تراه يلاطفها ويمتص عنها حزنها، حتى استشعرت وجود "يونس" من خلفها وهو يردف بـ :
- دول بقوا ترند فعلًا، الڤيديو بتاعهم عامل ضجة.
ضحكت "ملك" حينما تذكرت كيف عرض "يزيد" الزواج عليها :
- مجنون.
تطلع "يونس" إليهم من الأعلى وهو يعترف بـ :
- الأتنين أجنّ من بعض.. بس كويس إنه أقنعها تيجي هنا لحد ما هو يرجع بالسلامة.
فتسائلت "ملك" بفضول :
- إيه حكاية السفرية المفاجئة دي؟.
- مش مفاجئة ، لكن يزيد حب ميكلمش عنها دلوقتي، موضوع لو نجح هنبقى حققنا إنجاز كبير جدًا في مجالنا.
ثم جلس جوارها بينما كانت تردف :
- عايزة أسألك سؤال ملهوش علاقة بكلامنا.
كاد يُشعل سيجارة وضعها بين شفتيه، لكنها بادرت بـ اختطافها من فمه وقذفتها من الشرفة وهي تقول :
- كفاية سجاير على الصبح.
ابتسم وهو يترك قداحته جانبًا :
- أسألي ياملاك.
ترددت قبل أن تسأل، وتابعت بدقة تعابير وجهه :
- ربيع فين؟.
أصاب وجهه بعض الجمود، وتغيرت نبرته قليلًا للحد الذي استشعرته هي :
- نفذت وعدي ليكي ومأذتوش، اكتفيت بتحذيره على طريقتي بس، ودي الحاجه الوحيدة اللي أقدر أقولهالك.
مدّ يده متلمسًّا بطنها، أراد بذلك إنهاء أي نقاش يخص الأمور التي تزعجه، وابتسم بحبور وهو يردف بـ :
- معالي يحيى باشا بيه، صباح الخير يافندم.. النهاردة رايحين للدكتور عشان نطمن على سيادتك.
ضحكت "ملك" وهي تضغط بخفة على يده :
- إنت بتحب الأطفال أوي كده؟.
اتسعت ابتسامته حتى كادت تصل لآذانهِ مجيبًا :
- جدًا ، وانتي ؟.
عبّرت "ملك" عما تكنّه بصراحة مطلقة وبدون أدنى تزييف :
- بخاف منهم، بخاف أكون مش قد المسؤولية أو مقدرش أكون أم مثالية ليهم.
وأجفلت جفونها مختتمة عبارتها بـ :
- أنا أصلًا معرفتش يعني إيه أمومة عشان أكون أم.
وأرادت أن تفصح عن ذلك وتطرد ذلك السُم من جوفها :
- عشان كده كنت باخد برشام منع الحمل في جوازي الأولاني.
وسرعان ما تداركت الأمر، واعتذرت عما بدر منها من حديث لا يجوز لها التفوه به خاصة مع زوجها :
- آسـفه يا يونس، مقصدتش.
فـ أزال عنها الحرج بدون أن يُظهر امتعاضه من ذكر زواجها الأول :
- بتعتذري ليه، معايا من حقك تقولي اللي عايزاه وقت ما تحبي وزي ماانتي حاسه بيه بالظبط.. متخبيش عني أي شعور حستيه أو حاجه نفسك تقوليها.
فتح لها يديهِ، فـ وضعت كفيها بينهما، ليضغط عليهما قائلًا :
- أنا بحب أسمعك، زعلانة فرحانه مخنوقة مبسوطة مضايقة، في كل حالاتك هتلاقيني جمبك وسندك وسامعك وحاسك ، اتفقنا ؟.
كأنها ارتاحت كثيرًا لسماع ذلك منه، تخلصت من زفيرًا ثقيلًا على صدرها، وهتفت بـ :
- اتفقنـا.
قليلون جدًا، أولئك الذين تجد فيهم نفسك، قلبك وروحك وميولك وطباعك وحتى عقلك ينسجم معهم، إن حزنت كان حزنهم، وإن فرحت كأن السعادة لهم. تألفهم ويألفونك، تحس بهم ويشعرونك. إن وجدتهم لا تُفقد نفسك فرصة التواجد معهم، حتى لا يعيش الندم بين أحضانك ما حييّت، وحتى الندم لن يفيد حينها.
***************************************
تأبطت ذراعه، غير راضية تركه بأي شكل، وكأنها بذلك ترجوه ألا يتركها ويسافر. أعلن المطار عن موعد استعداد الرحلة القادمة، فـ نظر "يزيد" إليها مستصعبًا بشدة تركها، ثم وعدها بـ :
- هكلمك على طول، هتلاقيني كل شوية بتصل بيكي مش هسيبك أبدًا.
تماسكت بصعوبة لكي لا تُهطل الدموع من بين جفونها، ولم تكتفي بذلك القدر أبدًا :
- مش كفاية.. بس مفيش قدامي غير إني أرضى وأسكت.
فرك أصابعه بأصابعها مولدًا فيها سخونة عاطفية لطيفة، ونظر لخاتمهِ المُزين ليدها وهو يهتف بـ :
- متقلقيش المرة الجاية نكون مسافرين سوا.. بس عقبال ما أرجعلك لازم تعملي اللي قولتلك عليه ، أنا مش عايز أخسر أي وقت.
أومأت برأسها :
- حاضر، هعمل زي ما قولتلي بالظبط.
ضحك "يزيد" مازحًا معها، لإضافة بعض اللطافة إلى الأجواء المتوترة :
- سبحان الله زي القمر وانتي مطيعة وهادية كده.
تجهم وجهها وهي تسأله :
- قصدك إيه!.
فـ تدارك الأمر سريعًا :
- مقصديش أي حاجه خالص.. خليني أسافر وإحنا كويسين مع بعض على الأقل.. أنا لازم أتحرك عشان ألحق الطيارة.
ترك بصمة لأول قُبلة على رأسها، ومسح بإبهامهِ على وجنتها وهو ينهي لقائهم بـ :
- هتوحشيني أوي.
أصرت أن يرى ابتسامتها الوديعة قبل أن يغادر، وأن تكون آخر ما أعطتهُ له :
- وانت كمان هتوحشني جدًا.. لا إله إلا الله.
- مُحمدًا رسول الله.
*****************************************
طالت غيبته، وتحول الشهر إلى غياب أكثر من سبعون يومًا. أيامًا مديدة وهي تنتظر بلهفةٍ عودتهِ، وقد صاحبها شعور الوحدة المميتة خلال غيابه، رغم إلهائها لنفسها بالكثير من الأشياء. من ناحية العمل، وناحية أخرى تجهيز منزل الزوجية الذي سيستقبلهم فور عودته، كل ذلك لم يكفِ لأن تنسى أو تتجاهل كم هي مفتقدة لتواجده جوارها. واليوم.. وبعدما أتمّ شهرين ونصف خارج البلاد ، قد تحدد موعد عودتهِ الليلة، بعدما أنهى كافة الأعمال التي ستسبب إنتقالة تاريخية لهم.

فتحت "ملك" عيناها على أثر صوت هاتفها الذي يرن بإستمرار جوار أذنها. تحركت بثقلٍ من نومتها ، وتناولته لتجيب - بصوتها الناعس - على زوجها الذي أمطرها إتصالًا منذ الصباح :
- ألو.
- إيه ياحببتي كل ده نوم! بكلمك من بدري.
نظرت إلى ساعة الحائط لتجدها تجاوزت الرابعة عصرًا، وتثائبت قبل أن تجيبه :
- معلش ياحبيبي محستش بنفسي ، حاسه إني تعبانة شوية.
- طب قومي أجهزي عقبال ما أرجع عشان هنروح نجيب يزيد من المطار.
رفعت عنها الغطاء وهي تنهي حديثها معه :
- حاضر، هقوم أهو.
أغلقت هاتفها وتركته، أحست ببعض الآلام التي تجاهلتها في بداية الأمر، ووخزات اعتبرتها أمر طبيعي، ولكن مع محاولات نهوضها عن الفراش أحست بالألم يتضاعف عليها، فـ نادت بصوتها الضعيف :
- آه، ديـچـا!!..
تحاملت على نفسها لكي تنهض عن الفراش، ممسكة ببطنها التي انتفخت بعض الشئ، وسارت ببطءٍ وهي تردف بـ :
- إيه الوجع الغريب ده!.. آه.
تسربت سخونة من بين ساقيها، فـ أخفضت نظرها لتجد خيوط رفيعة من الدماء تسيل على جلدها. دبّ الرعب داخلها، وارتعد قلبها منتفضًا بين أضلعها بتخوفٍ شديد، أحست وإنها على حافة الخسارة العظيمة، والتي بها ستنتهي حياتها تمامًا. لن تتحمل هذه المرة، ولن يكون لسقوطها قيام من جديد، وكأنها المرة الفاصلة، التي بها سيتحدد مستقبل كامل لـ "ملك".
صرخت بفزعٍ تمكنّ منها، وضغطت بكلتا يديها على بطنها وهي تصرخ مذعورة :
- إبنـــي..

لا يدري كيف وصل بهذه السرعة إلى المشفى التي تم نقل "ملك" بها في الحال، كادت أنفاسه تنقطع عنه وهو يركض ركضًا مندفعًا سريعًا، وعيناه تجوب الأروقة والردهات بنظرات خاطفة حتى يتوصل للطابق المنشود. لمح "كاريمان" تقف أمام الباب بجوار" خديجة" مستندة على عصاها، باديًا عليها الخوف والقلق الشديدين، أسرع يركض إليها مناديًا بدون وعي :
- نينــة!..
وصل إليها وهو يلهث لهثًا، وسأل بصوتٍ متقطع اختلط بأنفاسه المتسارعة :
- إيه اللي حصلها؟.
ونظر حوله بتلهفٍ :
- هي فين؟.
أشارت" كاريمان" بأسف نحو الغرفة، وأجابت بنبرة تبين فيها الحزن :
- جوه معاها الدكتور، المسعفين بيقولو جالها نزيف.
جنّ جنونه، وعاش لحظات عصيبة للغاية في الذعر والخوف عليها :
- من إيه بس؟؟؟ كانت كويسة امبارح وانا كلمتها النهاردة الصبح كانت زي الفل!.
تنهدت "خديجة" وهي تُسبل جفونها قائلة :
- لوحدها كده يابني، فجأة سمعنا صوت صريخ وعياط، دخلت عليها لقيتها على الأرض والدم نازل منها.
ارتعشت أنامله وسرى الخوف في كل بدنهِ گالڤيروس القاتل، تفشّت معالم القلق على وجهه، ولم يقوَ على إخفاء أيًا من مشاعرهِ المضطربة تلك، حتى انفتح الباب، فـ هرع نحوه هاتفًا :
- هـا ؟.
فسألته الممرضة :
- حضرتك أستاذ يونس ؟.
- آه.
فأفسحت الطريق أمامه ليدخل :
- اتفضل.
أسرع بالدخول. كانت غرفة منقسمة لقسمين من أجل الكشف النسائي، تردد حول عبور ذلك الساتر الزجاجي، فـ وجهتهُ الممرضة بالدخول :
- اتفضل من هنا.
فـ لم ينتظر ثانية واحدة، دلف بسرعة البرق، ليراها ممدة على الفراش غارقة في دموعها. فـ قطع المسافات بينهما وأوفض يضمها إليه محتويًا إياها أولًا، قبيل أن يسأل حول أي شئ آخر، وهتف بصوتٍ قلق :
- أهدي ياحببتي ، أهدي وكله هيعدي.
صوت شهقاتها المتقطعة آذاه، لكنه تركها تفيض بكل ما تحمله، ثم ابتعد قليلًا ونظر نحو الطبيب الذي كان يتابع جهاز الكشف المرئي، ليسأل بإهتمام مرتبك :
- في إيه يادكتور؟؟ إيه اللي حصل ده!.
فسر له الطبيب الوضع بكلمات موجزة :
- مش عايزك تقلق خالص، الوضع بقى طبيعي زي ماانت شايف والمدام بخير الحمد لله، واللي حصل ده بيتكرر مع حالات مشابهه إثناء الحمل، ممكن يكون مجهود زيادة أو ضغط نفسي زائد، لكن هي بخير متقلقش.. إحنا محتاجين الفترة الجاية راحة تامة وممنوع عنها أي مجهود، ومن الشهر الجاي هنبدأ تطبيق حقن التثبيت عشان نحافظ على الحمل.
التفت "يونس" ينظر نحوها ليبعث إليها بعض الطمأنينة بعد ما عاشته من ذعر :
- خلاص متقلقيش أوي كده ياملك، إن شاء الله تكوني بخير إنتي وهو.
تمسكت بيدهِ جيدًا، وأطبقت جفونها وهي تهمس بوهنٍ شديد :
- يـارب.
فتدخل الطبيب بدوره :
- مين قالكم إن "هو" مش "هي" ؟.
حدق "يونس" قليلًا، كأنه استصعب إدراك تلك المعلومة بعد التأقلم مع فكرة أن الجنين ذكر :
- لأ متهزرش!!.. إحنا كنا خلاص شوية وهنطلع شهادة الميلاد!.
ابتسم الطبيب وهو ينظر للشاشة مراقبًا حال الجنين وهتف بـ :
- هو مش ولد خالص.
انبعجت شفتيها بذهولٍ سعيد وهي تسأل بفضول متحمس :
- بـنت !؟.
- لأ برضو.
تأفف "يونس" غير قادر على تحمل أي مراوغات الآن، حتى وإن كان هدفها المزاح والتخفيف عنهم، وهتف بشئ من العصبية :
- أكيد مش حامل في قنفد!!.. ما تقول يا دكتور.
فـ أشار الطبيب للشاشة، وأردف بـ :
- دول بنتين مش بنت واحدة.
ارتفع حاجبيه مذهولًا، وحطت الصدمة على رأسه گالحجر الذي اصطدم برأس صاحبه :
- إيـه!.. بنتيـن؟؟؟.
يتبع.....
لقراءة الفصل المائة والسابع عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات