القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والخامس عشر 115 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والخامس عشر 115 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والخامس عشر 115 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والخامس عشر 115 بقلم ياسمين عادل

كُل شئ معك مختلف، حتى ضحكتي."
_________________________________________
لوهله أحست بإنها تحلُم، تلك الصدمة المفاجئة لا يمكن أن تكون من صُنع الواقع أبدًا، نفضت رأسها بحركة مباغتة، ونظرت حولها لتتفاجأ بالجموع الواقفين من حولهم والذين يجلسون داخل ركابهم (سياراتهم)، يتطلعون للموقف ويشاهدونه، وحرصنّ بعض الفتيات على إلتقاط مشاهد مُصورة لهم لتدوالها - گأغرب طريقة لطلب الزواج - على مواقع التواصل الإجتماعي. ارتجف قلبها، وعادت تنظر إليه وما زالت يداه عالقة بالهواء أمامها. تعرقت من فرط حماستها، ولم تتوقف دقات قلبها المندفعة بقوة، حتى أتاها صوت ضابط المرور، والذي انتشلها من أوّج ما تعيشه :
- ما توافقي عشان نخلص من العطلة السودا دي بقى ياأستاذة .!
فـ اندفع "يزيد" بدون تروٍ ليقول :
- انجزي ، تتجوزيني ولا لأ؟
حدقت عيناها به لتلك الطريقة المنفعلة حتى في وضعٍ گهذا، ولم تمنع عصبيتها من الرد الحازم عليه :
- دي طريقة تطلب مني بيها الجواز!!.
فـ أشار للوسط من حولهم ليُنوه عن وضعهم والمكان المحيط بهم :
- لو مش واخدة بالك إحنا واقفين في إشارة!.. الناس كلها بتبص علينا دلوقتي.
فـ ابتسمت بسماجةٍ مفرطة :
- لو مش واخد بالك انت السبب في الوضع والمكان اللي بتكلم عنهم مش انا.
- إنتي الكلام بالزوء مينفعش معاكي.
وتناول يدها عنوة، بعدما أخرج الخاتم وألقى بالعُلبة الفارغة، وألبسها إياه في غضون ثانيتين، ثم أشار للضابط قائلًا :
- كنا بنقول إيه؟.
*****************************************
مضى معه يسيران سويًا في الطريق، فـ منذ فترة لم ينعم أيًا منهما بصحبة الآخر. ألقى "يونس" صبابة سيجارته على الأرض، حينما سأل :
- وبعدين ياعيسى؟؟.
تنهد "عيسى" مستشعرًا إختناق شديد يجثم على صدره، وكأن كاهلهِ يحمل الدنيا كلها، وأجاب بصوتٍ تجلّى فيه حزنهِ :
- مقدرتش أكمل قساوة، الولد ميقدرش يعيش من غير أمه مهما كفيته بحناني ورعايتي، هيفضل دايمًا محتاجها في حياته.. كنت عايز أردّ ليها القلم قلمين.
سحب شهيقًا كأنما يسحب لصدرهِ مزيد من القوة، ثم تابع بصوتٍ اختلف عن سابقه :
- بس لما شوفت حالتها إتأكدت إني فعلًا رديت لها اللي عملته، كانت فترة كافية أوصلها فيها كل اللي حسيت بيه السنين اللي فاتت.
غرز "يونس" كفيهِ في جيوب بنطاله متابعًا الحديث بحرص، ثم سأله بإهتمام :
- وصلتوا لإيه في النهاية؟.
- هنطلق بهدوء، بس الولد هيفضل بيني وبينها بعدل ربنا.
استصعب "يونس" تلك الفكرة القاسية، وأجرى محاولة قصيرة لإعداله عن قراره :
- مازن محتاج وجودكم انتوا الأتنين يا عيسى، مهما كنتوا متحضرين ومتفاهمين بعد الطلاق.. ده مش كفاية.
فـ برر "عيسى" السبب الأساسي المتحكم في قراره :
- حسيتها مش هتقدر ياباشا، الست اللي تبعد بإرادتها عن بيتها وحضن جوزها ٣ سنين عمرها ما ترجع زي الأول، أنا كده اختصرت الطريق.
نفخ "عيسى" نفخة مندفعة من جوفه، وقام بتبديل مسار الحديث فجأة :
- مدام ملك عاملة إيه دلوقتي؟.
ابتسم مع ذكر إسمها تلقائيًا، وكأنه كافيًا لـ يبعث على نفسه السرور :
- الحمد لله بتتحسن، كلمت الدكتور بتاعها الصبح وقالي لازم تباشر معاه جمب دكتور النسا عشان ميحصلش أي إنتكاسة تخص الكلى.. وأنا هاخدها للكشف بكرة.
وضع "عيسى" يده على كتف "يونس"، وشدد عليه قائلًا :
- إنت نجحت ياباشا، مدام ملك مش بس تجاوزت مرحلة قاسية في حياتها، دي بتتغير مع الوقت كأنها بتتبني من جديد.
فرح "يونس" بحديثه، كأنه الثمار التي نتجت عن مجهوداتهِ بالشهور الماضية، وعقب بـ :
- ملك عاشت حياة مش من اختيارها، كل اللي حصل كان نتايج اختيارات غيرها.. أنا هوصفها زي ما هي قالت، هي كانت عروسة حلوة، اتحركت طول الوقت بين إيد صاحبها.
توقف عن السير، والتفت يواجه "عيسى" مباشرة :
- بس كانت عروسة كلها حُب، اللي حصل مقدرش يموت جواها رغبتها إنها تعيش زي ما هي عايزة.. وأنا معملتش حاجه غير إني فتحت ليها المساحة اللي تحرك فيها الحب اللي جواها بكل سهولة.
فأشار له "عيسى" وعقبّ :
- إنت كمان اتغيرت معاها، حياتك دخلها ألوان جديدة، مش واخد بالك؟.
ضحك "يونس" وهو ينظر لـ قميصهِ الأرجواني القاتم الجديد، واعترف بـ :
- ده فعلًا زؤها، باين أوي كده؟.
- أوي.
ابتسم "يونس" وهو يخرج هاتفهِ من جيب بنطاله، وفتح المحادثات الخاصة بهم، ليكتب إليها رسالة مشتاقة :
- (وحشتيني أوي ❤️❤️❤️❤️
الوقت اللي بيعدي من غيرك صعب. ❤️❤️❤️❤️❤️)
وبعث رسالتهِ التي امتلأت بالإشارات الرمزية والقلوب الحمراء، وأعاد الهاتف بمكانهِ وهو يهتف بإنتشاء :
- ها، عملت إيه لما سافرت انت ومازن؟.
****************************************
منذ الصباح وهي في صدمة لم تتجاوزها بعد، صدمة أفقدتها حتى القدرة على مواصلة اليوم بشكل طبيعي. ما حدث لم يكن في مخيلتها قطّ، كما أن الظروف المحيطة - من تواجدهم بإشارة مرورية - شكّلت ضغط شديد عليها. مددت على الفراش آمله أن تتخلص من تفكيرها الذي لم يتوقف على مدار اليوم، ونظرت لأصبعها الذي حمل خاتمهِ، أول مرة تنظر للخاتم بتمعنٍ دقيق هكذا، رقيق جدًا، ناعم، وخاطف الأنظار. تلقائيًا صعدت إبتسامة حيّة على ثغرها، وأحست كأن قلبها يتراقص فرحًا بين أضلعها لتلك النقطة الفاصلة التي تحولت إليها علاقتهم بين ليلة وضحاها، رغم بعض القلق الذي يشوبها، إلا أن شعور السعادة انتصر في النهاية وسيطر على ملامحها. أُضيئت شاشة هاتفها فجأة مُعلنة إتصال هاتفي وارد، لينبثق إسمه على الشاشة بعدها، اعتدلت في جلستها فورًا ونظرت للشاشة بترددٍ محتار، عضت على شفتها السفلى محاولة إتخاذ القرار بسرعة، ثم نطقت بـ :
- مش هرد، خليه كده على نار، ياكش يتربى شوية ويبطل يتعصب عليا على الفاضي والمليان.
وتركت الهاتف بعدما فعّلت وضعية الصامت، وعادت تشرد من جديد وهي تمرر أصابعها على خاتمها الجميل، مستعيدة في ذاكرتها تفاصيل ما حدث بالصباح.
~على جانب آخر~
أغلق "يزيد" هاتفه ورفع أنظاره المتقدة نحو شقيقهِ وهو يردف بـ :
- مرتين أهو ومرديتش عليا ، عشان لما اتعصب مترجعش تلومني.
- عادي يا يزيد، يمكن بتعمل حاجه!.. ده مش مبرر، إسمعها وبعدين اتعصب.
لمح "يزيد" تلك الضحكة على ثغر أخيه، فتسائل بتعابير وجهٍ مكفهر :
- إنت بتضحك على إيه!!.
- أصلك كنت اتريقت عليا قبل كده وقولت إني مجنون عشان اتجوزت ملك بعد نص الليل وإحنا لابسين بيچامات النوم، أتاريك أجنّ مني.
وضحك ضحكة عالية قبل أن يستطرد :
- روحت طلبت الجواز منها وسط الناس وفي إشارة مرور، إيه الرومانسية الجامدة دي يابني ما شاء الله عليك !.
- أهي جت كده بقى.
ثم نظر حوله قبل أن يسأل :
- هي نينة فين مش طالع لها صوت ليه؟.
فأجابه بـ :
- خرجت مع ملك يجيبوا حاجات وراجعين على طول.
تنغض جبينه بفضول :
- وإنت مروحتش ليه؟؟.
فبرر له "يونس" وكأنه يرمي لشئ آخر :
- مش لازم أبقى على نفسها طول الوقت، لازم يبقى ليها وقتها الخاص اللي تعمل فيه كل اللي هي عايزاه بـ حرية.
لكن "يزيد" لم يكن من مؤيدي ذلك الرأي كثيرًا :
- آه، هو انت منهم!.. لأ براحتك خالص.
نهض عن جلسته مستكملًا :
- أنا هروح أحسن.
فسأله "يونس" بشئ من العبث :
- هتروح بيتك ولا هتبات في البيت التاني.. جمبها.
لم يبدي "يزيد" مضايقته بتاتًا، ليجيب ببعض المرح :
- رايح جمبها، عايز مني حاجه؟؟.
غمز له "يونس" :
- تـؤ، سلامتك.
تركه ينصرف، وهو على دراية تامة أن شقيقه لن يهنأ وبن يترك الليلة تمضي بدون أن يراها ويتحدث إليها، سيذهب إليها رغم مخاطر وضعهم - القريب - في تلك المنطقة الشعبية ويغامر بذلك من جديد، وأي نصحٍ لن يفيد معه، سيفعل ما يأتي في مخيلته دون حسبان.
****************************************
ترك المأذون قلمه، ووزع نظراته الآسفه على كلاهما، قبل أن يقدم نصيحته المعتادة في مثل تلك الأمور :
- طبعًا ده كلام بتسمعوه في كل مكان، لكن واجبي أعيده تاني عليكم، لعل المرة دي تنفع بحاجه.. ربنا حلل الطلاق شرعًا بين أي زوجين استحالت العشرة بينهم، لكن مع ذلك الطلاق هو أبغض الحلال لربنا، ولما بيحصل لازم تكون ظروفه تعسفية والوصول للحلول شبه معدوم ، فكروا تاني لو حابين.
انتظر "عيسى" حتى أنهى الشيخ حديثه، ثم قال بنبرةٍ مهذبة :
- جزاك الله خير ياشيخ، بس خلاص إحنا متفقين على كل حاجه.. توكل على الله.
فتح الشيخ دفترهُ الضخم، وتناول قلمهِ من جديد، ثم نظر إليه قائلًا :
- أرمي عليها يمين الطلاق ياأستاذ عيسى.
كانت عيناه تشعّ بالحزن، وكأن حياتهم مرت بكل تفاصيلها في ذهنهِ الآن، حتى صورة "مازن"، طفله الوحيد الذي عاش محرومًا منه لسنوات، انبثقت أمام عينيهِ لتزيد من قساوة مشاعره المضطربة التي يعيشها الآن. واصل الضغط العصبي على نفسه، وأجبر بقايا قلبه على التماسك، لينطق بتلك الكلمة المهيبة العظيمة التي يهتز بها عرش الرحمٰن :
- إنتـي طـالـق ياسـهر.
يتبع.....
لقراءة الفصل المائة والسادس عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات