القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وثمانية 108 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وثمانية 108 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وثمانية 108 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وثمانية 108 بقلم ياسمين عادل


"ومازالت روحي تُقاوم، بينما بداخلي كل هذا الخراب."
________________________________________
ظلت منتظرة أي رد فعل منه سوى هذا الصمت، لكنه كان مذهولًا بشكل لا يُصدق، كأن ما حدث كان بعيدًا كل البعد عن ذهنه. توقفت مداركهِ عن العمل، وبات الإستيعاب شئ في منتهى الصعوبة. تدحرجت نظراته نحو بطنها، وتهدجت أنفاسهِ وهو يهتف بصوتٍ ضعيف :
- بتهزري؟.
بدأت ترتاب من رد فعله الغير مفهوم، ورغم ذلك بقيت متمسكة بهدوئها :
- لأ ، أنا حامل في ٣ أسابيع، الدكتور أكدلي لما كنت في المستشفى.. بس انا حبيت أبلغك بنفسي.
انفجرت منه ضحكة مصدومة بعد صمتٍ طويل، حتى اغرورقت عيناه بالدموع، نهض عن جلستهِ فجأة فلم يشعر بنفسه إلا وقد سقط على ظهرهِ وأصبح طريح الأرضية. تعلقت عيناه على السقف وما زال الضحك مسيطرًا عليه وهو يردف بخفوت :
- بقيت بابا، بابا يونس.
وتابع ضحكه الهيستيري بدون توقف، حينما كانت عينا "ملك" مُرابطة عليه. تحس مزيجًا من السعادة والخوف، الفرحة والقلق، الأمل والألم؛ لكن رؤيتها لـ "يونس" في حالته تلك أدخل الحبور على صدرها الضيق فـ شرحهُ وأبهجهُ.
*****************************************
- يعني إيه حامل!؟.
كان مندفعًا في حديثه، تصرفاته، وحتى حركاته. يتحدث بتلقائية مفرطة وعلامات البهجة والسرور يملئان تعابيره. اتسعت ضحكته وهو يستند بظهره للخلف بأريحية مفرطة، وأجاب :
- أنا قولت كده في الأول برضو، يعني إيه!.. الصدمة خلتني مش في وعيي.
ونهض عن جلسته متابعًا :
- بس حصل، معجزة وجت في وقتها بالظبط.
فرك يديه بتحمسٍ وتابع :
- مش قادر أصبر ٩ شهور بحالهم عشان أخده في حضني وأشم ريحته.
مازال "يزيد" مشدوهًا بشكل ملحوظ، ولم يخفي أيًا من تعبيرات وجهه تلك، تحركت عيناه مع حركة أخيه يمينًا ويسارًا، وفي الأخير هتف :
- أيوة يعني إزاي برضو!!. أمتى وفين!.
كأنه انتشله من أوج سعادته، فـ التزمت تعابير "يونس" بالجدية وهو يجيبه :
- هو إيه اللي إزاي يابني آدم، ملك مراتي على سنة الله ورسوله بقالنا شهر ونص.
مسح "يزيد" على شعرهِ أثناء تفكيره في توابع الأمر :
- متهيألي دي حاجه هتشغل ملك شوية وتخليها تتأقلم مع الوضع الجديد، ولا إيه!.
تنفس "يونس" بصوت مسموع، ولم يتراجع عن الفكرة التي فكر بها :
- شوية ، بس مش هسيب حاجه للإحتمالات، ملك لازم تتابع مع طبيب نفسي.. أنا كلمت حد ثقة وهو وافق يساعدني.. صحيح هي رفضت في البداية بس مع الوقت هتتعود.
ذمّ "يونس" على شفتيه قبل أن يستكمل :
- المهم إني مش عارف أقول لنينة إزاي!.
- نينة دي أكتر واحدة هتزقطط وتفرح، ماانت عارف إنت بالنسبالها إيه.
ونهض مستعدًا للإنصراف، فـ استوقفه "يونس" بقوله :
- رايح فين في موضوع عايز أقولك عليه.
وكأنه بات شخص آخر غير ما كان عليه منذ لحظات، تبدل وجهه وحتى نظراته، وخيّمت تعابير حانقة على وجهه وهو يقول :
- عندنا مشوار مهم بالليل، عشان نخلص الحدوتة السخيفة دي.. للأبد.
تحفز "يزيد" گالذي استنبط مقصد شقيقهِ توًا، وسأل بفضول :
- قولي عايز تعمل إيه، وأنا مـعاك.
*****************************************
نظرت لهيئتها في المرآة بعدما أرتدت منامتها الناعمة، خُيّل إليها إنها ترى بطنها وقد امتدت أمامها، واستشعرت الثقل الذي ستحمله في أحشائها بعد شهور قليلة، فـ غزت ابتسامة طفيفة محياها الباهت، وأردفت بـ :
- أيوة قولتله، وحسيت إنه أسعد إنسان في الدنيا بالخبر ده.. فضل قاعد يضحك ويكلم نفسه على الأرض أكتر من ربع ساعة، وفي الآخر قام قعد جمبي وفضل يبوس في دماغي وأيدي.
وتحسست كفها الذي حمل آثار قُبلات حبيبها متابعة :
- حسيت إن ده هوّن عليا شوية، وشال كتير من على كتفي.
ربتت "نغم" على ذراعها لتدعمها و:
- مينفعش تسجني نفسك في الماضي ياملك، اللي حصل حصل وانتي مالكيش ذنب فيه.
ابتسمت بمرارةٍ، شاعرة بشئ يُنقص سعادتها :
- ولما انا ماليش ذنب، شيلت شيله مش بتاعتي ليه؟.. ليه كان الحل الأسهل بنسباله يظلمني.
خفت صوتها متعمدة بذلك التأثير عليها :
- لازم تسامحيه، هو بشر برضو ومقدرش يتحمل اللي حصل.. ومامتك مش ملاك ولا ضحية.
التفتت "ملك" ترنو إليها بنظرات غريبة، فـ تراجعت "نغم" على الفور عن ذكر ذلك الأمر :
- آسفه مقصدش، أقصد يعني....
قاطعتها "ملك" لترفع عنها ذلك الحرج الذي قرأته على وجهها :
- متعتذريش.. انتي مش غلطانة.
وسارت نحو الفراش كي تمدد عليه جسدها قليلًا، وتابعت إنذاك :
- أنا هسعى بكل جهدي مفكرش غير في إبني اللي جاي، ويونس اللي ميستحقش غير حياة مستقرة وسعيدة.. إحنا لازم نبدأ عهد جديد.
ترددت "نغم" قبل سؤالها :
- طب و.... الفرح، مش هتعمليه؟.
فـ أتى جواب "ملك" سريعًا وعنيفًا ومنفعلًا، وهي تنهض فجأة عن جلستها :
- لأ، أفراح تاني لأ.. مش عايزة ولا فرح ولا حاجه أبدًا.
- خلاص خلاص، أهدي.
تنفست "ملك" بمعدل سريع وهي تجلس من جديد، وأردفت بـ :
- ده كأنه نحس مسك الفرح، خلاص مش عايزاه.. أنا كده هبقى كويسة.. يكفيني مفيش حاجه تانية تحصل.
جمعت "ملك" شعرها للخلف، وأتت الفكرة على رأسها بغتة، فـ أثارت حفيظتها :
- نينة، أنا مقولتش لنينة.
*****************************************
سردت عليه تفاصيل ما حدث حينما كان يحتسي قهوته في المقهى، لم يُحيد نظراته المهتمة عنها، وكله شغف في السماع إلى حديثها - وإن كان غير مهمًا -. كانت تحكي بإستفاضة، وكأنها اشتاقت للحديث معه رغم تواجدهم أغلب الوقت سويًا، شعرت بدفءٍ يعمّ الأجواء من حولهم بعد يومين عصيبين مروّا عليهما، لذلك ختمت حكائتها سريعًا لتلتفت إليه :
- بس كده، أونكل قاسم هيكون ليه حق الإنتفاع بالأرض وهيديني نصيبي كل موسم، زي ما كان عمي بيمشيها، بس المرة دي بما يرضي الله.. أهي الأرض تبقى في أمان وأنا أبقى بعيد خالص عنهم.
ترك "يزيد" فنجان القهوة خاصته و :
- وإيه كمان؟.
- بس كده.
لاحظت تلك النظرات التي تثير خجلها، فأجفلت جفونها وهي تسأل :
- ساكت ليه؟.
أسند ذقنه على كفهِ وأجاب :
- بسمعك.. وحشني رغيك.
ارتفع حاحبيها من نعتهِ الغريب، وتسائلت في ترقبٍ :
- أنا رغاية ؟.
فـ ضحك مستنكرًا :
- يعني سيبتي كلمة وحشني وقفشتي في الرغي!.
ثم نظر لكوبها الفارغ وسأل :
- شكل الليمون بالنعناع بتاعهم عجبك، أطلبلك تاني؟.
- لأ.
تعلق بصره بعيناها، وفتح لها كفهِ متسائلًا :
- وأخرتها معاكي إيه؟.
نظرت لكفه قبل أن تضع يدها عليه، وحررت ابتسامة وديعة من بين شفتيها قائلة :
- أنا عملت إيه ؟.
بدا صوتهِ أكثر هدوءًا، بشكلٍ سرب الطمأنينة المفرطة إلى نفسها :
- المشكلة إنك معملتيش حاجه، بدون أي جهد منك بتجذبيني شوية بشوية، كأنك مسكن بيتحط على الجرح يخفف وجعه، وأول ما يختفي الوجع يرجع أعظم من الأول.
انتقلت أنظارها لتشابك أصابعهم، وسألت بمكرٍ نسائي :
- يعني أنا شعور مؤقت؟.
فلم يخفى عليه ما وراء سؤالها من خبثٍ دفين، وأجاب بدهاءٍ يضاعفها :
- بالعكس، طول ماانتي موجودة أنا مرتاح ومبسوط، لما بتغيبي بترجعي شعور الوحدة والألم ليا من تاني.
وضمّ أصابعه على يدها :
- عشان كده متبعديش أبدًا، خليكي موجودة دايمًا، طول ماانتي معايا أنا بخير.
أخيرًا تنفست بإرتياحٍ شديد، واقتحمت السعادة فؤادها الحيران منذ فترة، تركت نفسها گالعصفور الذي غادر للتو محبسه فـ حلق بعيدًا، وانساق قلبها وراء حُبٍ لطالما سعت إليه ونشدتهُ، وها هي تفوز به في نهاية المطاف، بعد رحلة طويلة من الخوف والحيرة والألم.
*************************************
بين عتمات الليل، وأروقة الحواري الشعبية الضيقة، سار "ربيع" نحو دراجتهِ الشبه هالكة، وهو يدفع من صدرهِ بقايا تبغ السيجارة خاصته. قذف صبابتها على الأرضية وكاد يعتلي دراجته، لولا كفّ "يونس" الذي أخذ موضعه على كتفه صائحًا :
- على فين ياابو ربيع؟.. دي السهرة لسه صباحي.
التفتت رأس "ربيع" فجأة، وقد شحب وجهه وتهدجت أنفاسه في قلق وهو يردف :
- إنت؟؟.. عايز إيه السعادي؟.
زجره "يونس" بنظرةٍ صارمة، وهتف بإنفعالٍ بدأ يظهر :
- هعوز إيه من ×××× زيك.
واجتذبه بعيدًا عن الدراجة ليقذف به بعيدًا، ليسقط "ربيع" أمام ساقي "يزيد"، فرفع الأخير بصرهِ المرتعب نحو الواقف أمامه و :
- أنتوا عايزين إيه مني!!.
جذب "يزيد" ياقته ورفعه ليقف على ساقيه أولًا، ثم زأر بهدوء مريب :
- ولا حاجه ياغالي، إحنا بس هنسألك في حاجه كده.
اجتذبه "يونس" لتنتقل أنظاره إليه، وسأله بصوتٍ بزغ فيه الغضب :
- مش قولتلك أبعد عن ملك ياربيع؟؟ مش قولتلك أشتري عمرك إنت والحرباية أمك وابعدوا عنها نهائي! ؟.
فحاول الأخير تبرير موقفه، وقد خرج صوته من جوفه متلعثمًا :
- أنا معملتش حاجه، المباحث هي اللي حققت و....
تناوله "يزيد" من بين قبضتي أخيه، وهتف فيه بصياح :
- وهي المباحث اللي جت لحد باب الڤيلا وشرشحت زي النسوان برضو!.. ده انت جيت لقضاك يا ×××××.
وفاجئهُ بضربة في ناصية رأسه، أعقبها أخرى أسفل بطنه، جعلته ينطرح أرضًا يصرخ ويصيح مستغيثًا، فـ رفعه "يونس" عن الأرضية ليتبادل الأدوار ما شقيقه :
- ما قولتلك بلاش ياابو ربيع، قولتلك أقصر الشر ومتلعبش لعبة إنت مش قدها.. بشوقك بقى.
حاول "ربيع" صدّ العدوان الثنائي عنه، ببضع كلمات تبرر فعلته الدنيئة :
- والله يايزيد باشا أنا كان غرضي آ....
قاطعه "يونس" بدون السماع لـ مهاتراتهِ :
- تؤ تؤ، يـونـس.. إنت بتكلم يونس.
ولكمهُ بعدها لكمة، جعلت فكيهِ يصطدمان بعضهما ببعض، قبل أن يسقط من جديد، وصوتهِ يأن في خفوت مكتوم، لينحني عليه "يزيد" هاتفًا :
- لما تقابل خالتك في جهنم ابعتلها سلامي.
خرج صوتهِ الضعيف بصعوبة، من بين شفتيهِ المجروحتين :
- سماح المرة دي يايونس باشا..
ضرب "يزيد" على رأسه صائحًا :
- ما قالك هو يونس، أنت بتنسى كتير وبتعصبني ليه؟!.
رفعوه رفعة واحدة عن الأرض، وبصوتٍ هامسٍ وشرير، أردف "يونس" بنبرة أرعبته :
- أتشاهد ياابو ربيع، ياكش ربنا يقبلها منك.
يتبع.....
لقراءة الفصل المائة وتسعة : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات