القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وسبعة 107 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وسبعة 107 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وسبعة 107 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وسبعة 107 بقلم ياسمين عادل


"عطيّة من عطايا الله، أتت فـ رتقت قلبي، وطهّرت ندوبًا لوثها الماضي."
________________________________________
لم تكفّ عن معاتبة نفسها، لأنها تركتها في هذا الحال وذهبت معه، كان عليها أن تلبي مقتضيات صداقتهم، وتُآزرها في محنتها المتعسرة. لم تتحمل "نغم" المكوث بمكانها دون الخطو خطوة للبحث عنها، ولكنها بقيت مجبرة على ذلك. وزعت نظراتها الحانقة بين الشقيقين، قبل أن تردف بإستنكارٍ بيّن :
- وبعدين!.
لم يلتفت إليها "يونس"، واهتم بالرد على هاتفه بعجلٍ متلهف :
- ها طمني، في حاجه عرفتها؟
زفر "يونس" بإختناقٍ شديد، عندما أومأ رأسه إيماءه متفهمة :
- تمام، مستنيك.
وأغلق المكالمة قائلًا :
- موصلوش لحاجه!.. أنا هتجنن.
ولجت "كاريمان" عليهم، وعصاها تضرب الأرض ضربًا مغتاظًا، وهتفت بعصبية مفرطة :
- أنت السبب يايونس، مكنش ينفع أبدًا تشوفها ماشية وتسيبها.
لكزتهُ بعصاها في ساقه متابعة توبيخه :
- هي دي الإمانة اللي هتحافظ عليها!.
لم يكن متحملًا أي ضغط، هو بالفعل يحمل نفسه المسؤولية كاملة، لكن سماع ذلك من "كاريمان" ضاعف من شعوره بالذنب حيالها. ابتعد عنها خطوتين ليتجاوز نظراتها التي تمزقه :
- سيبيني دلوقتي يانينة أنا مش ناقص، سيبيني بفكر ممكن ألاقيها فين.
فـ صاحت به دون تراجع :
- طبعًا مش مستحمل كلامي عشان عارف إنه صح.
رنّ هاتفه برقم غير مُسجل، فأجاب دون انتظار :
- ألـو..
وكأن الروح دبت فيه من جديد وهو يصيح بإنفعال :
- مـلك!! انتي فـين من امـبارح؟!.
في لحظة واحدة تجمع الجميع من حوله بتلهفٍ شديد، حينما تابع هو بنبرة مفزوعة :
- مستشفى إيه؟.
فصاحت "نغم" تسأل بصوتٍ مرتعب :
- إيه اللي حصلها؟.
لم يسمع "يونس" أيًا من تساؤلاتهم، واهتم فقط للإنصات إليها :
- طيب أنا جايلك حالًا، حـالًا أهو.
هرع "يونس" راكضًا ومن خلفه "يزيد، نغم" للحاق بها، بينما عجزت "كاريمان" عن اللحاق بهم، ظلت بمحلها تدعو وتتضرع بقلقٍ متملك منها أن تكون سالمة، هي لا تستحق أيًا مما تعيشه الآن، لا يستحق قلبها اليتيم الذي لم يعش تفاصيل الفرح أن يُقهر هكذا.
******************************************
نسى تمامًا إغلاق سيارته التي ترجل منها أمام المشفى بعجلٍ مذعور، ولاحظ ذلك "يزيد" الذي كان يسير بسيارته من خلفه. فـ أناب عنه مهمة إغلاق السيارة ريثما يدخل أخيه ويطمئن عليها.
وقف "يونس" أمام الإستقبال يسأل عن غرفتها، ثم ركض نحو المصعد وقلبه يكاد يتوقف عن العمل من فرط الضغط عليه. أفاقت جراحهِ التي اعتقد إنها شُفيت تمامًا، وبدأ الألم يوخز جانبهِ بضراوةٍ، وگعادته تجاهل ذلك تمامًا في سبيل الوصول إليها ورؤيتها، لعل نفسه الثائرة تهدأ قليلًا.

ما زالت غير مصدقة، أثرت عليها الصدمة للحد الذي جعلها نست كيف يكون الشعور بالأشياء المفرحة، لا تشعر بأي شئ تمامًا. تحسست بطنها التي تحمل روحًا، فـ سرت قشعريره بسائر بدنها، كأنها تحسهُ يتحرك رغم عدم حدوث ذلك. تنهدت مطبقة جفونها محاولة ألا تترك نفسها لذلك التيار الحزين الذي سُجنت فيه، على الأقل ليأتي "يونس" ويراها بخير، فالمؤكد إنه عاش ليلة لن ينساها. انفتح الباب بغتة وبشكلٍ جعلها تفزع، إلى أن رأتهُ قبالتها يصيح بأسمها :
- مـلك انتي كـويسة؟؟.
والتهم الخطوات ركضًا إليها، حتى باتت بين ذراعيه مُطبقًا عليها بأقصى قوة لديه، ولم ينسى عتابه اللطيف الذي حمل شيئًا من الحزم :
- إزاي تعملي كده معايا ياملك ؟؟.
شددت يدها عليه وتركت وجهها يلتصق ببشرة وجهه وهي تبرر :
- مكنتش أقصد، فجأة فقدت الوعي ومحستش بنفسي غير الصبح.
ابتعد قليلًا وتفحص وجهها الذي اعتراه بعض الشحوب وتلمسّه :
- إيه اللي حصل، كنتي فين؟.
برقت عيناها حين تذكرت ذلك المكان الذي زارتهُ في أواخر الليل، كأن رياحهِ قد هبّت من جديد وشعرت نفسها ما زالت هناك. أجفلت جفونها تخفي عنه ذلك الضيق، وهتفت بخفوت :
- كنت في المكان اللي ادفنت فيه.. ماما.
دلفت "نغم" وهي تلتقط شهيقًا متقطعًا لصدرها، وهتفت بـ :
- ملك، طمنيني عليكي ياملك.
وأسرعت نحوها :
- إيه اللي حصل وجيتي إزاي هنا!.
أسندت "ملك" ظهرها للخلف و :
- معرفش، الممرضة قالت إن في حد جابني هنا.
ثم التفتت لـ "يونس" :
- أنا عايزة أمشي يايونس ، خدني من هنا.
أومأ رأسه بإستجابة لمطلبها، ونهض عن مكانه قائلًا :
- هخلص إجراءات الخروج وأرجعلك حالًا.. خليكي معاها يانغم.
أومأت رأسها حينما خرج "يونس"، بينما نظرت "نغم" بنظراتٍ مرتابة إليها، وأحست بوجود الكثير من الأمور التي لم تتحدث "ملك" بشأنها :
- في إيه ياملك؟ أحكيلي.
رجفت جفونها بترددٍ، وهبطت نظراتها تلقائيًا بإتجاه الضيف المُنتظر الذي سيأتى إلى حياتها في غضون بضعة أشهر :
- أنا حامل.
****************************************
خرج "يونس" ليجد "يزيد" بالخارج، وكأنه لا يرغب في مواجهتها مجددًا الآن. نفخ "يونس" بدون أن يضيف شيئًا حول هروبه من مواجهة "ملك"، وأردف بـ :
- الحمد لله بخير.
تنهد "يزيد" كأن ثقلًا قد انزاح عن صدره :
- الحمد لله.
- أنا هروح أشوف إجراءات الخروج عشان آخدها البيت.
وقبل أن يتحرك كان "ريان" يقف قبالتهِ :
- صباح الخير.
ثم أشار نحو الغرفة مستكملًا :
- أنا اللي جيبت المدام هنا بالليل.
فـ بادر "يونس" بمصافحتهِ وهو يشكره ممتنًا :
- أهلًا يافندم، مش عارف أشكرك إزاي.
فـ ابتسم "ريان" برسمية :
- لا شكر على واجب، المهم إنها بقت بخير.
ثم ناوله الأقراص العلاجية التي وجدها بحوزة "ملك" ولفت انتباهه قائلًا :
- البرشام ده كان معاها لما وقعت، أعتقد إنها مش مريضة ولا حاجه وكان ليها هدف تاني.
تفهم "يونس" مقصده على الفور، فـ تضرج وجهه بحُمرة غاضبة امتزجت بالقلق، وأردف بتفهم :
- فهمت، شكرًا على تعبك.
- عن أذنكم.
واستدار منصرفًا، حينما كان "يونس" يفحص الدواء التي كادت تتعطاه بكميات وفيرة كي تتخلص من معاناتها نهائيًا، تلك هي الطريقة التي رأتها مُثلى للهروب تلك المرة. فرك "يونس" وجهه مستشعرًا حرارة حارقة تنبعث من داخله، أحس به "يزيد"، فـ ضغط على كتفه گنوع من الدعم :
- أنت الوحيد اللي هتخرجها من الحالة دي، أنا واثق فيك.
سار "يونس" خطوتين مترددًا من تلك الخطوة المصيرية، وذمّ على شفتيه وهو يفحص قائمة الهاتف خاصته، ثم بدأ يتواصل مع إحداهن :
- ألو، أزيك ياهانيا.. أنا محتاجلك أوي ، أيوة ضروري جدًا.
*****************************************
الجميع من حولها، وتعابير وجههم تنمّ عن صدق خوفهم عليها؛ لكنها لم تنظر أو تهتم، فـ ما تحمله بين ثناياتها المنطوية يكفيها. مسحت "كاريمان" على شعرها برفقٍ حاني، ثم نهضت ببطء وهي تهتف :
- إحنا هنسيبك ترتاحي شوية.
تمسكت "ملك" بيدّ زوجها الذي كان جانبها، فـ أردف "يونس" قائلًا :
- اتفضلوا انتوا، أنا هفضل معاها.
فـ تطوعت "نغم" قائلة :
- أنا هفضل تحت لو محتاجه حاجه ياملك.
ثم غمزت لها مشيرة بنظراتها نحو "يونس" وتابعت :
- متنسيش اللي قولته ليكي.
أومأت "ملك" بتفهم في حين خرجنّ جميعًا. كانت تكبح كمّا هائلًا من الدموع الغير مبررة، فقط تحس برغبة عارمة في البكاء. لمحها "يونس" في عينيها، فـ حاوطها وضغط على ذراعها يحثها على إفراغ كل ما بداخلها :
- مترميش حاجه جواكي ياملك.
فـ تنهدت قائلة بنبرة باكية :
- تعبت أوي، مش عارفه أعمل إيه.. حاسه الدنيا كلها مش مكفياني، مش لاقيه مكان فيها ليا. كل الناس بقت مخيفة بالنسبالي، وبكرة اللي مش عارفه مخبي إيه مبقتش عايزاه ييجي.
وفي أوّج استسلامها لسيل الدموع المنهمر من بين أهدابها، وضعت وبتلقائية رأسها على كتفه وخبأت أنفاسها في عنقهِ تشكو حياتها التي كانت گـ كومة من المرارة، فـ طوقّها بذراعيهِ الإثنين بـ حنانٍ صادق؛ وقال بهمسٍ تخلل روحها بيسر من فرط نقاءهِ :
- كتفي سند ليكي وقلبي أءمن مكان تستخبي فيه من كُل الناس.. أنا جمبك.
ومسح بأصابعه دموعها وهو يعرض عليها الأمر :
- انتي لازم تشوفي دكتور نفسي ياملك، مش هقدر أسيبك كده.
رفعت بصرها المشدوه نحوه، فأكد "يونس" على قوله :
- أيوة زي ما سمعتي، لازم حد متخصص يساعدنا نتخطى المرحلة دي.
مدت أطراف أصابعها تلمس وجهه، وهتفت بـ :
- بس انت موجود.. انت الوحيد اللي قدرت تعالج حاجات كتير فيا، ولا تعبت مني؟.
نفى ذلك فورًا، وأكد رغبته الشديدة في متابعة دعمها :
- أبدًا، عمري ما أتعب منك أبدًا.. أنا خايف أفشل ومكنش كفاية إني أخرجك منها.
تعلقت برقبته، وتشبثت فيه وهي تهمس بـ :
- هتقدر.
سحبت شهيقًا عميقًا حبسته بصدرها لحظات، واستجمعت شجاعتها المهدرة لتقول بغتة :
- هتقدر عشاني وعشان ابننا.
قطب جبينه، وبدون أن يبتعد عن أحضانها تسائل :
- ابننا؟.
شعر بها تحرك رأسها الملتصقة به بالإيجاب وهي تؤكد :
- أيوة ابننا.
ابتعد عنها قليلاً، وارتكزت أنظاره عليها حينما كانت تقول :
- أنا حامل يا يونس.
ارتفع حاجبيه، وتدلى فكهِ ببلاهه وهو يسأل بدون استيعاب :
- يعني إيه؟.
كان سؤاله مفاجئًا، فلم تجد سوى تكرار نفس الإجابة التي لا تحمل أكثر من معنى :
- يعني أنا حـامل.
يتبع.....
لقراءة الفصل المائة وثمانية : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات