القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وتسعة 109 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وتسعة 109 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وتسعة 109 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وتسعة 109 بقلم ياسمين عادل


"ودربًا نحيا فيه معًا."
________________________________________
تسلل خِلسةً لغرفتهم بالنصف الأخير من الليل، وذلك السواد الكاحل يغطي بغموضهِ المكان كله. سار ببطءٍ وتروّي نحو الستار، أزاحه قليلًا ليُضفي ضوء القمر قليلًا من زهوتهِ، ودنى من الفراش حتى بلغهُ. جاورها نومتها حتى أصبحت جبهته ملتصقة بها، وزحفت أصابعه نحو بطنها، لمسها كأنما يلمس جزءًا منه، فـ دبّت الحياة في صدرهِ المرتجف، وتفشتّ البهجة داخله. إذا كان حاله الآن هكذا، ماذا إن لمسهُ وضمّهُ إلى أحضانهِ !؟.
أطبق جفنيه وشرد بخيالهِ إلى البعيد، فـ تبسّم محياه، واستشعر يدها التي ضغطت على كفه، تُبلغه إنها تعلم بوجوده، وذراعها قد إلتفّ حول عنقهِ، فـ بقيت أنفها قيد إلتصاق بشرتهِ، وعادت تغوص في النوم، متأثرة ببوادر آثار الحمل عليها، بينما بقى هو ساهرًا، يُفكر في مستقبلهم الذي بدا يخطو نحو منحنى آخر، سَيُغير بمسارهِ كل شئ.
****************************************
لم تتوقف عن الحركة منذ الصباح، وقد أندفع الأدرينالين في عروقها مُنشطًا كل عضلاتها. راقبت "ملك" كل ما تقوم به "كاريمان"، كانت تجمع الأشياء من هنا وهناك بداخل صندوق ضخم، وتبحث عن أشياء أخرى بين حوائجها الخاصة. استندت على عكازها وهي تسير نحو الأريكة، فـ ساندتها "ملك" حتى جلست بالقرب منها :
- خليكي انتي مرتاحة ياملاك، أقعدي.
تنفست بإرتياح وهي تنظر للصندوق :
- الصندوق ده فيه كنز ياملاك.
تناولت حذاء رمادي صغير للغاية، لم يبدو عليه القِدم أبدًا، نظرت إليه بُحبٍ هكذا، قبل أن تمدّ به يدها لـ "ملك" قائلة :
- الجزمة دي بتاعة يونس، أنا جيبتهاله في أول عيد ميلاد له.
تأملتها "ملك" بتمعن وهي تبتسم بسعادة طغت على تعابيرها، بينما تابعت "كاريمان" :
- دي هتكون لـ يحيى.
قطبت "ملك" جبينها بإستغراب متسائلة :
- يحيى!!.
فـ اتسعت إبتسامة "كاريمان" :
- آه، يحيى يونس حسن الجبالي.
أحست "كاريمان" بتماديها قليلًا، فـ أعربت عن أسفها بلطافة بالغة :
- Özür dilerim "بعتذر"
ده مجرد إقتراح ليكوا.
فـ أيدت "ملك" اقتراحها بشدة :
- بالعكس ده حلو جدًا.. عجبني.
بدأت "كاريمان" تسحب شيئًا فـ شيئًا :
- ودي حاجات محتفظة بيها من هدومه.
وضحكت ممسكة بقميص صغير انفصل ذراعهِ عن بقيته :
- القميص ده كان فيه منه أتنين، واحد ليونس والتاني ليزيد، لما يزيد قطع بتاعه وقعد يعيط راح يونس قص قميصه هو كمان بالمقص.. قال يعني تضامنًا مع أخوه عشان ميزعلش.
وانفجرن كلاهنّ بالضحك. لم تتوقف "كاريمان" عن متابعة السرد، لمواقف وذكريات أخرى متعددة تخص طفولة "يونس"، فـ أمسكت ببنطال صغير، به رُقعة دائرية مقطوعة، وأشارت لتلك الرقعة وهي تحكي :
- البنطلون ده كان لابسه يونس أول مرة ركب فيها خيل، كان مبسوط أوي بأول خيل جابه له حسن هدية، من سوء حظه وقع من عليه والبنطلون أتقطع، يونس وقتها زعل أوي أوي، مش عشان البنطلون، لكن عشان عمره ما حب الخسارة، طول عمره بيحب يبقى كسبان، ومن وقتها أحتفظ بالبنطلون ده ودربّ نفسه كويس جدًا لحد ما بقى أحسن واحد يركب خيل.
تحسستهُ "ملك" وهي تفحصه جيدًا، لتجد عليه آثار الدماء المتجلطة، فـ ابتسمت بوداعةٍ ونظرت بإمتنان نحوها، لتلمح "كاريمان" بوضوح تلك اللمعة الحزينة التي لم تفارق "ملك" حتى الآن. ربتت على ساقها، ولانت نبرتها وهي تهتف بـ :
- عارفه إن اللي مريتي بيه مش سهل ملك، لكن ربنا أراد يشيل عنك كل ده ويهديكي هدية، لازم تحتضنيها.
أطرقت "ملك" رأسها، وأحست بشعور الخزي وهي تقول :
- كل ما افتكر إنها آ....
فقاطعتها "كاريمان" :
- مش صح، مش صح تسيبي نفسك تفتكري، اللي فات راح ومات، لازم تكوني متقبلة ده وتعيشي حياتك من هنا ورايح.
فـ شرحت "ملك" نفسها بكلمة واحدة :
- خـايفة..
شددت "كاريمان" على كفها تدعمها :
- متخافيش، أنا جمبك، كلنا جمبك ياملك.
تزحزحت "ملك" قليلًا حتى اقتربت منها بشدة، وعلى حين غُرة ألقت بنفسها بين أحضان "كاريمان". طردت زفيرًا ثقيلًا حاملًا همومها، لتطير خارج سياج صدرها، وهتفت بـ :
- نينة، إنتي إنسانة عظيمة.
مسحت "كاريمان" على شعرها بحنوٍ عاطفي :
- tatlım "حلوتي".
*****************************************
نظر "يونس" للأعلى حيث شرفتها، ثم التفت للطبيبة النفسية متابعًا :
- ده كل اللي حصل.
تجلّت تعابير الأسف على وجه "هانيا"، تضامنًا مع حالة "ملك" ، وأردفت بـ :
- فعلًا وضع صعب، بس كله هيعدي.. متقلقش يايونس.
فـ شدد "يونس" تحذيره عليها بقوله :
- أنا مقولتش إنك صاحبة هانيا الله يرحمها، وياريت انتي كمان متجيبيش سيرة، عشان الحساسية بس.. يعني نعتبره مجرد تشابه أسماء.
فما كان منها إلا تقديرًا لموقفه :
- حاضر.
صاحبها "يونس" للداخل، ليرى زوجته تهبط الدرج ببطء وهي تنظر نحوهم بتفحصٍ متسائل، ليجيب "يونس" فورًا دون أن تسأل :
- دي دكتور هانيا يا ملك، هتتابع معاكي المرحلة الجاية.
أومأت "ملك" رأسها وهنّ يتبادلن المصافحة، دون أن تبدي إعتراضها على الفور :
- أهلًا.
فـ ابتسمت "هانيا" ببشاشة لاقت بوجهها :
- أهلًا بيكي ياملك، النهاردة هنتعرف ببعض بس، بعدين هنتكلم مع بعض كتير جدًا.. أن أخدت رقمك الشخصي من أستاذ يونس وهنحدد سوا الوقت اللي يناسبك، okey؟.
وزعت "ملك" أنظارها بينهم :
- أتفقنا.
- أنا همشي دلوقتي ، عن أذنكم.
سار "يونس" من خلفها حتى بلغ بها الباب، ثم صحبها للخارج حتى انصرفت نهائيًا، وعندما عاد إليها بعجلٍ وجدها قد صعدت لغرفتها، فـ لحق بها. شغلت أشيائهِ وذكرياته الطفولية عقلها، فـ جلست تفحص كل شئ بإهتمام شديد، حتى إنها أحيّت في نفسه شوق غريب للماضي المريح الهادئ. اتسع ثغرهِ ببسمة أملٍ وهو يرى أشيائهِ بين يديها، وهرع إليها قائلًا :
- إيه ده!! معقول نينة أفرجت عن الحاجات دي!.
ضحكت مجيبة :
- أها، كله عشان عيون يحيى.
ارتفع حاجبيه مذهولًا، وهتف بـ :
- كمان اخترتوا الأسم سوا!!.
وعبس قليلًا وهو يتابع :
- من غيري! ؟.
فـ قبّلت صدغه گنوع من الإسترضاء، لتفسر له فورًا :
- نينة اختارت وأنا وافقت.
تخللت أصابعهِ فواصل يديها، وأعلن موافقته وترحابه بالأسم المُختار :
- عجبني، خلاص موافق.. بس ليه مقتنعين إنه ولد؟.
تحسست "ملك" تلك المنطقة التي تحمل نطفتها، وأردفت بنبرة بدت عاطفية متأثرة :
- حاسة بيه، ولد ان شاء الله.. هنربي سوا راجل يشبهلك.
وتركت وجهها يلتصق بوجهه، بينما شفتاه تزحف بقُبلاتها الرقيقة على بشرتها بلطفٍ ونعومة :
- إن شاء الله ياخد منك كل حاجه.
بنظرةٍ أودع فيها كُل معاني الحُب والألفة والود، نظر إليها. وبإشراقةٍ تغللت إلى تعابيره إبتسم، فـ باغتتهُ بطلبها :
- يونس، أنا مش عايزة دكاترة.
واحتضنت وجهه متابعة بصوتٍ مؤثر :
- إنت ويحيى علاجي.
وختمت عبارتها بقُبلة، حطت على يمين شفتيهِ، جعلته ينهض ببطء ليحملها عن جلستها، وقطع الطريق إلى الفراش خلال لحظات، ليقضي معها أطول وقت ممكن، يُزيل به الشوق، وينحر به الحرمان، وليقضي على بقايا شقائها نهائيـًا.
*****************************************
هزل جسدها، وأكل الحزن من ملامحها أكلًا. لوعة الإنتظار آلمت روحها بشكلٍ لا يُصدق، وقد ترسخ في ذهنها إنه لن يعود، سرق ابنهما ولن يريها إياه من جديد. استمعت لصوت رنين الجرس، لكنها لم تحرك ساكنًا، فقد مات شغفها حتى بمعرفة من جاء إليها. ألح الزائر في الضغط على الجرس، حتى دفعها للنهوض فجأة والإندفاع نحو الباب، منتوية الشجار المحتدم مع من أتاها الآن وبهذا الشكل المزعج. فتحت "سهر" الباب بعنف، وقبل أن تصيح في وجه زائرها، جمدت محلها حين وقعت عيناها عليه، وبدأ جسدها يتخدر كليًا من قوة الصدمة، حينما نطقت أسمه :
- عيسى!.
ونظرت من حوله بتلهفٍ، لتجده بمفرده تمامًا، فـ ارتعبت أكثر ودارت الهواجس المخيفة برأسها وهي تسأل :
- إبني فين ياعيسى !؟.
يتبع.....
لقراءة الفصل المائة وعشرة : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات