القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثامن والتسعون 98 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثامن والتسعون 98 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثامن والتسعون 98 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثامن والتسعون 98 بقلم ياسمين عادل


"تذوب العيون أينما تراكِ، بينما عيناكِ تنصهر حزنًا."
________________________________________
تطايرت البقايا الرمادية للسيجارة الموجودة بين أصبعيه في الهواء، فـ تلوت شفتيهِ حانقًا قبيل أن يلقيها بداخل المنفضة، غير عابئًا بنتاج ذلك من توابع كارثية قد تحدث. زجرهُ" بهجت" بنظراتٍ صارمة، قبل أن يندفع بعصبية قائلًا :
- هتولع فينا يحرق اللي خلفوك! .
صفق "سعد" كفيه بعضهما ببعض، والغيظ والضيق ينبثقان من وجهه. شملهم بنظرة خاطفة يتطلع لما تحمله تعابيرهم، وصاح إنذاك :
- خلاص هنفضل قاعدين حاطين إيدنا على خدنا هنا وسايبين حالنا ومحتالنا بسبب الـ ××××× دي!.
علق تفكيره العدواني على كيفية إيذائها بأي شكل، ردًا على فعلتها الأخيرة، وتجلّى ذلك في إنفعالهِ :
- لو أطول أخدها في شوال وأرجع بيها قنا كنت عملتها، بس محدش حايشني غيركم.
تأفف "شريف" منزعجًا من تكرار نفس ذات الحديث في كل مرة؛ لكنه رغم ذلك أعادها على مسامع أخيهِ :
- ١٠٠ مرة أقولك ده حالنا ومحتالنا، أرضنا ومش هنفرط فيها عشان بنت الـ ××××.
هبّ "سعد" واقفًا بإندفاع، ولم يتمالك نفسه الهائجة، إذ تعالى صياحهِ الغاضب :
- يبقى نخلص من الندل التاني اللي ميل راسها ووسخ سمعتنا.
فـ ذكرهُ "بهجت" بالفشل الذريع الذي وقعا فيه بالمرة السابقة، والذي أسفر عن وضعهم المتأزم حاليًا :
- مااحنا جربنا ناخد روحه قبل كده، ولا نسيت.
شمر "بهجت" عن ساعدهِ قبل أن يمتد بجسده لتناول كوب الشاي، وتمتم بسخطٍ بيّن :
- البت حشرتنا في النص!.. دي لازم لها تفكير تاني خالص.
صوت قرع الجرس الذي رنّ بإستمرار دون توقف - كان كافيًا لإستثارة الجميع -، فتسابق الأخوين بعصبية أيهما يفتح الباب، حتى وصل إليه "شريف" أولًا وفتحه فجأة صائحًا :
- إيـــــه! الدنيـا طـارت!.
تصلبّ "شريف" محله گمن يحاول تجاوز واحدة من أعظم صدمات حياته، تحجر لسانه بعجزٍ، وبذل جهدًا مضاعفًا ليحاول التحدث بكلمة واحدة :
- قاسم باشا!.
رؤيته هنا، والآن بالأخص، كان محط ريبة شديدة من "سعد"، فضحتهُ نظراتهِ القلقة، وتوترهِ الملحوظ الذي حاول أن يخفيه :
- أهلًا ياباشا.
لم يقل "سعد" شدوهًا عنه، وتلاعبت الظنون برأسه، تلك الزيارة المباغتة من شخص مثله لا تنم عن الخير أبدًا. أتاهم صوت "بهجت" بسؤاله :
- مين ياولاد؟.
فأجاب "شريف" وهو يفسح الطريق :
- قاسم باشا رسلان يابا.
وأشار له :
- أتفضل.
هرول "بهجت" بسرعة غريبة حتى بلغ الباب، حيث تفاجأ بوقوف "قاسم" خارج الباب، اتسعت ابتسامته المُرحبة وأظهر - زيفًا - شدة الإشتياق لرؤيته :
- ياألف أهلًا وسهلًا، ياألف أهلًا.. أتفضل واقف برا ليه ياباشا.
خطى "قاسم" خطوة واحدة ملأتها الثقة والغرور، وحافظ على جمود تعابيره الغامضة، التي لم يتبين منها أيًا منهم سبب زيارته المفاجئة. جلس على طرف أقرب مقعد قابله، ومن حوله جلس كلٍ في مكانه، ليبادر "بهجت" قائلًا :
- تشرب إيه ياباشا؟.
أخيرًا خرج "قاسم" عن صمته، ليقول بشكل مختصر :
- ولا أي حاجه، أنا جاي في موضوع وماشي على طول.
شدد "شريف" على ضرورة إستضافته إستضافة تليق بمقامهِ الرفيع، وبالغ في أداءهِ بشكلٍ استرعى تذمر "قاسم" :
- ودي تيجي برضو، ده احنا لينا زمن مشوفناش بعض وعمرك ما جيتلنا بنفسك، لازم تشرب حاجه الأول قبل أي حاجه.
كان رد "قاسم" مقتضبًا قصيرًا :
- مش لازم، خلينا في المهم.
وانتقلت عيناه لـ "بهجت"، ليقول مباشرة وبدون مراوغة :
- أنا أشتريت الأرض البحرية بتاعتكم يابهجت، وبكرة الصبح هكون في الشهر العقاري عشان توثيق العقد.. حبيت أبلغك بنفسي عشان متعرفش من حد غريب.
بُـهتوا جـميعًا. تحولت تعابيرهم لمزيج من الصدمة الشديدة والرغبة العارمة في صدّ ذلك الخبر الذي اعتبروه بمثابة - عدوانًا - عليهم. ارتسمت معالم الذهول الغاضبة على وجوههم، وكأن الهواء الذي تخلل صدرهم مسمومًا، فـ أطبق بقوة على أنفاسهم التي انحسرت.
***************************************
عيناها التائهتين تتجولان على الشوارع عبر النافذة المغلقة، وبدت في حالةٍ مريبة من السكون الغير مبشر. تابع "يزيد" قيادة السيارة بعقلٍ منشغل، وقد اعتراه القلق حول تلك الحالة التي أصابتها بغتة، فلم يتحمل ذلك الصمت وراح يسألها :
- مالك يانغم؟.
ويداه أخذت موضعها على كفها، فـ سحبت يدها بهدوء شديد وهي تجيب برزانة غير معتادة منها :
- مفيش.
- لأ في.
مهد لصفّ السيارة جانبًا، وأضاء الإنارة الداخلية للسيارة لينظر إليها مليًا، تزايد الشك في نفسه حينما لمح تلك اللمعة الحزينة في عيناها، وسرعان ما تسرب إليه الإضطراب، ليسأل في لهفةٍ :
- إيه اللي قلب حالك كده؟.. في حاجه حصلت ومش عايزة تقوليلي عليها؟.
ظلت بعيدة بعيناها عن النظر إليه، خشية إنفضاح أمرها أكثر من ذلك، وأجابت بهدوء :
- قولتلك مفيش، خليني أروح لملك وأطمن عليها.
أجبرها على النظر إليه بتوجيه وجهها نحوه، وتفرسّ بعيناه في تفاصيل وجهها، دارت تخمينات عدة في رأسه لم يستطع أن يتبين صحة أيًا منهم، فـ ألحّ مجددًا لتفيض بما تكنّه :
- ده الموضوع شكله كبير أوي!.
أبعدت وجهها ونظرت عبر النافذة :
- هو كبير فعلًا، عشان كده هتعرفه في وقته.
عاد يُشغل سيارته من جديد :
- زي ما تحبي، لولا يونس أنا مكنتش اتحركت خطوة من هنا قبل ما أعرف الحكاية.. بس ماشي.. المرة دي تعدي.
تحسست معطفها وضمتهُ جيدًا لصدرها، كأنها أحست بلفحة من البرد تقسو عليها؛ لكنها لم تسلبها تلك السخونة الشديدة المنبعثة من صدرها المُلتهب، أطبقت جفونها بإستسلام ، وداخلها دعاء واحد فقط، أن تتخلص من هذا الحُب الذي استهلك روحها، واستنزف بقوتهِ قلبها.
*****************************************
ارتجفت أصابعه وهو يقبض بقوة مغتاظة على عصاه، ولم يقوَ على التحكم في تعابير وجهه المتجهمة العصبية وهو يهتف :
- لموأخذة يعني ياباشا، بس مش كنت شورت عليا قبل ما تشتري أرضنا! .
رماه "قاسم" بنظرةٍ قللت من شأنه، كأنه يخبره بأن الأمر لا يعنيه، بل وقالها صراحةً بدون ذرة واحدة من التردد :
- وانت يخصك في إيه يابهجت!.. الأرض بتاعة بنت أخوك ، وأنا جيت أعرفك عشان يبقى عداني العيب.
لم يتحمل "سعد" كتمان لمشاعرهِ المهتاجة أكثر من ذلك، وصاح بسخرية :
- كان هيبقى عداك العيب لو جيت لنا الأول ياباشا، أنت عارف كويس إن الأرض إحنا اللي زارعينها وشغالين فيها.
- عادي، هسيبلكم مدة عشان تسوية الأرض وهستلمها منكم خلصانة.
تدحرج السؤال من فم "بهجت" فجأة، بدون أن يحسب حسابه أو توابعه :
- تاخد كام وتسيب الأرض دي ياباشا؟.
حتى غضبهِ كان متعقلًا، فقط تشنجت عروق عنقه وهو يزجره بنظراتٍ حامية، ليقول بعدها :
- هي هربت منك ولا إيه يابهجت!! أنت بتسألني أنا سؤال زي ده ؟؟ ده أنا أوزنك أنت وأهلك وعيالك وبلدك كلها فلوس.
ونهض عن جلسته متابعًا :
- أنا قولت اللي عندي والكلام خلص.. الأرض دي مبقتش تخصكم، واللي ييجي عليها يبقى جه على حاجه تخصني أنا.
وقبل أن يلتفت منصرفًا، كان يشدد على تحذيره الأخير :
- على فكرة، نغم في حمايتي، اللي يمس شعره منها يبقى جه عليا.
وفجأة التمعت عيناه بنذيرٍ متوعد وهو يتابع :
- وانا اللي ييجي عليا معروف مصيره إيـه.. بنصحكم تشيلوا الموضوع من دماغكم وترجعوا بلدكم، عشان القعدة هنا هتعطلكم على الفاضي.
وشملهم بنظرة واحدة مختتمًا حديثه الحازم :
- ده يعني لو عايزين ترجعوا أنتوا التلاتة بألف سلامة.
وقبل أن يندفع "سعد" بأي كلمة قد تؤذي جميعهم، كان "شريف" يمنعه عن ذلك منهيًا ذلك اللقاء السخيف :
- اللي تشوفه ياباشا.
أومأ "قاسم" برأسه :
- شاطر ، انت كده فهمتني ياشريف.. فهم أخوك وأبوك بقى.. عشان محدش يزعل مني في الآخر.
غادر، مغادرة وقورة مهيبة دائمًا ما لاقت به. ليترك أثر لقاءهم القصير في نفوسهم المتأذية، وقد وصلت رسالته الصريحة - شديدة اللهجة - إليهم وصولًا بليغًا، وصولًا سيبدد آمالهم وطموحاتهم في خطو خطوة واحدة ضد "نغم".
يتبع.....
لقراءة الفصل التاسع والتسعون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات