القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والخمسون 56 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والخمسون 56 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والخمسون 56 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والخمسون 56 بقلم ياسمين عادل

بعض الدفء؛ هل تمنيت شيئًا كثيرًا !."
_________________________________________
حقًا اعتراه الفضول حينما علم بأن الموضوع يمس طرفهِ، ما الذي قد يجمعه مع شخص گ "يونس" في أمر واحد؟!.
أصرف الجميع وحتى ترك الكلاب خاصتهِ وسار معه حول حديقة قصرهِ الفسيحة ليبدأ "يونس" حديثهِ مستندًا للعينة التي حصل عليها من الطبيب الشرعي.. حيث أعطاه إياها وهو يقول بجدية ثابتة :
- الكيس ده خرج من عندك

تناوله "جاسر" وتفحص محتواه عن طريق الملمس، حيث فركها بأصبعيهِ الإبهام والسبابة وأردف بـ :
- صح، بس انا مش شغال قطاعي ياابن الجبالي

وضاقت المساحة ما بين حاجبيهِ الكثيفين وهو يسخر منه قائلًا :
- لو قلتلي إنك ليك في المزاج كنت ظبطك

فـ احتدت نبرة "يونس" وهو يُلزمه حدهِ :
- جـاسـر! شكلك نسيت انت بتكلم مع مين.. أنا مش واحد من العربجية اللي تعرفهم

فـ مطّ "جاسر" شفتيهِ للأمام قبل أن يتحدث بفتور :
- متاخدش الكلام على قلبك أوي كده عارف إنها مش سكتك.. بس إزاي الصنف ده وصلك؟؟ أنا مش بخرجه لأي حد!
- ده اللي جاي عشانه

وأشار نحو الكيس الصغير وهو يقول بنبرة ممتعضة :
- اللي في إيدك ده كان هيودي أخويا في داهية.. في حد دسه في عربيته وانا عايز أعرف مين اللي عمل كده

ذُهل "جاسر" مما وقع على مسمعهِ وبالأحرى إنه انزعج كثيرًا بعدما سمع بما حلّ لـ "يزيد" :
- أنا مبخرجش تذاكر (عينة صغيرة) يايونس

فـ ضحك "يونس" ساخرًا وهو يردف بـ :
- دي مجرد عينة اتسربت ليا عشان أجيلك بيها، الكمية اللي اتمسكت مع يزيد كانت أكتر من كيلو ونص

نظر "جاسر" بنظرات غامضة للكيس الصغير وكأنه يبحث في خبايا عقلهِ عن المتسبب في ذلك و :
- سيبني أشوف الموضوع وهرد عليك

وأضاف "جاسر" على كلامه متعمدًا الإشارة بإنه سيفعل ذلك ليس لأجلهِ :
- وده مش عشانك، ده عشان الحج حسن الله يرحمه

فـ انزوت شفتي "يونس" مستخفًا و :
- الحج لو كان شاف اللي بتعمله دلوقتي مكنش هيبص في وشك

أشاح "جاسر" بوجهه وكأنه لم يتأثر بما قيل و :
- الله يرحمه

وأراد أن يضيف بعض البهارات على حديثهِ كأنه رغب في إزعاجهِ بعد حادثة رفض دخوله لـ عزاء "حسن الجبالي" :
- دنيا غريبة!.. أديك لفيت وجيت تطلب مني المساعدة في الآخر

فـ لم يرضخ "يونس" لنزعة الغضب التي تكونت بداخله و ردّ على حديثهِ مشيرًا لمكانتهِ المُشينة :
- أنا عمري ما هحط إيدي في إيد تاجر مخدرات ياجاسر، مجيتي النهاردة أنت السبب فيها.. ودي مش مساعدة، ده تصليح وضع غلط

فـ تباهى "جاسر" بمكانتهِ وقال :
- ماانا عارف إني تاجر مخدرات، حد قالك انت جاي تحط إيدك في إيد شيخ جامع؟!.. ثم إن الغلطة اللي بتكلم عنها مش غلطتي، دي غلطة الناس اللي حواليك، على الأقل أنا تاجر مخدرات ومعترف بده مش راجل بوشين وبنصب مكايد للناس
- رقمي في الكارت اللي مع الراجل بتاعك أبقى كلمني

قالها "يونس" وهو يخطو بظهرهِ للخلف لينصرف مسرعًا، ضجر "يونس" من تلك المناقشة التي لن تجدي نفعًا، بل إنها تستنفذ من مخزون صبرهِ ويحس كأنه سيطبق على عنق "جاسر" حتى يلفظ أنفاسهِ في يده، هكذا حولهُ غضبهِ وتراكم كل الأشياء على رأسهِ.. حولّه إلى التفكير العدواني أولًا، وهذا ما كان يميزه عن شقيقهِ، إنه صبور طويل البال هادئ الطبع ورزين التصرفات، على النقيض "يزيد" الذي اتسم بالتهور وسرعة الغضب وشدة الإنفعال، لا يقوَ على ضبط ردود أفعالهِ بإي شئ يخصهُ.. إن كانت الأوضاع متعاكسة الآن لـ كان "يزيد" أشهر سلاحهِ أولًا على رأس "جاسر" ولم يتمهل ليحصل على ما يريد.
غادر "يونس" متأكدًا إنه سيحصل على ما يريد في أسرع وقت ممكن، لا ينكر بأن "جاسر" شخصية جسورة بالفعل، وهو الوحيد القادر على الوصول لمعلومة سرية جدًا گتلك.. لذلك تنازل مُجبرًا وذهب إليه رغم اعتراضهِ الشديد على ما يقوم به من أعمال مُنافية للأخلاق والشرع والمبادئ أولًا وللقانون ثانيًا.
.........................................................................
منذ البكور وهو متيقظ ومنتظر على أحرّ من الجمر خروج "يزيد" من تلك البوابة الكئيبة سالمًا ومتعديًا تلك الأزمة العصيبة.. نفخ بتذمرٍ من صعوبة مرور الوقت، حتى إنه لم ينتبه لـ صوت رنين هاتفهِ لولا أن "سيف" الذي لفت انتباهه :
- تليفونك يامستر يونس !

فـ أخرجه "يونس" من جيبه وأجاب :
- أيوة يانينة، آه خد إخلاء سبيل وفاضل شوية إجراءات بس المحامي بيخلصها عشان يتم الإفراج عنه.. أكيد هخليكي تشوفيه متقلقيش

وسأل عن حالها وسط تلك الجلبة بعدما تذكر كيف تركته أمس وكيف أحزنها :
- ملك عامله إيه ياكاريمان؟

فـ أخبرته "كاريمان" بتغيرها منذ الأمس حينما عادت مع "عيسى" وسألته حول ما حدث بينهما :
- مش عايزة تتكلم في حاجه من امبارح، أنتوا اتخانقتوا مع بعض؟

فلم يواري "يونس" سوء تصرفهِ تجاهها :
- كنت ناشف شوية معاها، لما آجي هبقى أراضيها

فـ لفتت "كاريمان" انتباهه لـ حساسية "ملك" بهذه الفترة الصعبة التي تعيشها و :
- ملك حساسة الفترة دي يايونس، اتحملها شوية

فـ تنغض جبين "يونس" مستنكرًا كلمة جدتهِ الأخيرة :
- أتحملها شوية!! تقريبًا انتي مش ملاحظة إني متحمل كتير يانينة، هتيجي عليا عشان ملك ولا إيه؟؟

فـ عادت تُشعره بتأييدها الدائم له و :
- حبيبي Biliyorum. "عارفه" وشايفة بنفسي، بس حاول تتصل بيها على الأقل لحد ما تيجي

فـ أومأ برأسهِ و :
- حاضر، هقفل معاكي وأكلمها على طول

—على جانب آخر—
لم يزل غضبها منه بعد، بل إنه تفاقم أكثر لتجاهله لها ولما فعلهُ معها بدون أن تذنب أيّ ذنب، هي فقط نقلت فكرة صحيحة نشأت عليها وإن كان ذلك منافي لقانون الطبيعة المجبرين على العيش معه.
شغلت وقتها بالعبث في خيوط الصوف لحياكة أشياءٍ ما ولكنها لم تُنتج شيئًا واحدًا حتى الآن ، هي فقط تحاول أن تمضي الوقت بدون أن تفكر فيما حدث ولكن هيهات لم تستطع.
تركت كرات الصوف بعدما ضجرت وتناولت شطيرة اللحم المشوي التي صنعتها "خديجة" بنفسها بها وهي تغمغم بـ انزعاج :
- أنا زهقت بقا

قضمت قضمة واحدة وإذ بها تستمع لصوت هاتفها من أسفل كرات الصوف، فـ تلهفت على الإمساك به ونظرت للشاشة لترى أسم "يونس" ، تلوى ثغرها وهي تتمطق بالطعام ثم أردفت ساخرة :
- لسه فاكر تتصل؟

أسكتت صوت الهاتف وتركته لا مبالية به وتابعت تناول طعامها بدون أن تكترث لشئ يُحزنها، فـ أعاد "يونس" الإتصال مجددًا علها لم تستمع لهاتفها.. ولكنها رفضت المكالمة هذه المرة وقالت مستمتعة بـ إلحاحهِ في الإتصال بها :
- خليك كده ياكش تحس باللي عملته

حتى إنها فكرت في طريقة لـ معاقبتهِ لئلا يكون قاسيًا عليها بهذا الشكل المفاجئ.. حتى وإن كانت مذنبة، فوجدت السبيل الذي سـ يزعجه بالفعل.
نهضت "ملك" عن مكانها وتركت الطعام وهي تردف بـ :
- والله لـ أقول لنينة وهي تتصرف معاك، أنت فعلًا مينفعش معاك غير كاريمان

وخرجت من غرفتها باحثة عن "كاريمان" كي تقصّ عليها كل ما حدث حتى توبخهُ وتعنفهِ فـ تتشفى هي فيه، وهكذا تثأر لنفسها ولا تترك حقها بدون ردهِ.
...........................................................................
كان "يونس" يقود السيارة متعجلًا بينما "يزيد" يُبدل ملابسهِ المتسخة والتي تراكم عليها غبار المحبس ورائحتهِ العفنة بملابس أخرى نظيفة بشكل مؤقت حتى يستطيع اللحاق بالشركة وقبيل موعد انصراف الموظفين.. بات "يونس" لا يعرف ما هي أسباب تصرفاتهِ المتعجلة تلك، وحتى "يزيد" لا يبرر شيئًا أو يفسره، كل ما قاله :
- متشغلش بالك بيا يايونس، لو خايف عليا والله العظيم مش هخطي خطوة غير لما نتكلم ونشوف اللي حصل حصل ازاي وليه.. بس انا محتاج اروح الشركة ضروري وهبقى اكلمك

ثم نظر عبر المرآه الأمامية وهو ينظر لـ "سيف" الجالس بالخلف وسأله :
- هي نغم جت الشركة من ساعة ما خرجت؟
- الحقيقة معنديش علم ، أنا طول اليوم كنت مع مستر يونس ومتواصلتش مع حد خالص من الشركة

فـ تفهم "يونس" على الفور سبب رغبة "يزيد" الجامحة في الذهاب لمقر الشركة الرئيسي و :
- آها، فهمت.. انت رايح عشان تعتذر عن اللي حصل!

فـ استنكر "يزيد" تخمين شقيقهِ وحدجه بنظرة مستهجنة تفكيره و :
- أعتذر!! ليه هو انا اللي حطيت السم ده في عريبتي؟! بالعكس أنا فضلت مهتم إني اخرجها بأي شكل حتى لو على حسابي

فـ لم يكترث "يونس" بالأمر ولم يعد يخصهُ بعدما تأكد أن نية أخيه ليست البحث أو التنقيب عن المتسبب في هذا الحادث البغيض، بل السعي وراء تلك التي تسبب فيما عايشته.. على الأقل ارتاح بالهِ قليلًا ولو لبعض الوقت حتى يتدبر هو الأمر.
بالفعل تركهُ "يونس" أمام بوابة الشركة وانصرف بعد أن شدد "يزيد" على رغبته في أن ينفرد بنفسه ويعود لمنزلهِ وحيدًا.
دلف "يزيد" محددًا وجهتهِ، أولًا مرّ على المسؤولة عن مكتبه فـ انتفضت بسعادة لرؤيته متفاجئة بتواجده هنا قبيل موعد إنصراف الموظفين بـ نصف ساعة فقط، وقالت بنبرة غمرها الحبور :
- حـ.. حمدالله على السلامة يامستر يزيد

هز رأسه عدة مرات قبل أن يسألها :
- هي نغم في المكتب بتاعها؟
- لأ

ثم أحنت رأسها نحو المكتب تبحث عن شئ ما وهي تردف :
- بس جت الصبح سابت ظرف أسلمه لمستر يونس

تنغض جبينه وهو يسأل بفضول :
- ظرف إيه؟؟
- الحقيقة مش عارفه، هي دورت على أستاذ سيف لكن ملقتهوش، فـ جت اديتني الظرف وأكدت عليا أسلمه لمستر يونس بنفسه

فـ بسط "يزيد" يده لها و :
- هاتيه

ترددت السكرتيرة قليلًا فتفاجئت بصياح "يزيد" في وجهها :
- إيـه محتاجه أوريكي البطاقة ولا تعرفي إنه أخويا؟؟

تلجلجت وهي تناوله إياه و :
- لأ مقصدتش ، أتفضل

اختطفه من بين يديها ومزق طرفهِ بتعجل غير متحمل الصبر لفتحه وفحص محتواه.. حتى وجد ورقة واحدة نصت على محتوى خطير وصادم جعله يبتعد قليلًا وهو يقرأه عدة مرات كي يُصدق إنها أقدمت على تلك الخطوة، أبعد الورقة عن عيناه وترك زفيرًا من صدره وهو يردف بصوت مكتوم :
- إزاي يعني؟؟؟
...........................................................................
كان يقف أمامها گالتلميذ الذي يُحاسبهُ معلمه، أو گالأبن الذي يوبخهُ والدهِ بشدة بعد فعل شئ خاطئ.. صمت "يونس" طوال تعنيف "كاريمان" له والذي غلب عليه لغتها التركية بالأكثر من شدة عصبيتها عليه :
- Bunu nasıl yapıyorsun? "كيف تفعل ذلك"

تنهد "يونس" وهو يجيبها بثبات لم يضطرب للحظة :
- Büyükanne, kardeşimi kurtarmaya çalışıyorum. "جدتي،أنا أحاول إنقاذ أخي"

فلم تهدأ "كاريمان" بعد جوابه و :
- بجد!! أخوك كان فعلًا هيطلع من غير ما تدي حد رشوة يايونس وتورط نفسك

فـ قرر "يونس" أن يقتصر الطريق ويعتذر منها لإنهاء هذه المهزلة التي يتعرض لها :
- Çok üzgünüm. "أنا آسف"

ودنى منها على حين غرة لـ يُقبّل جبينها وأردف بعدها :
- أنا مقدرش أزعلك، بس انتي كمان مترضيش باللي حصل

هدأت "كاريمان" على الفور متأثرة برصيد محبتهِ المفرطة لديها ولانت نبرتها هي تقول :
- حبيبي لو مكنش في دليل معاك كنت هشجعك تتصرف، لكن طالما اتوجد مفيش لزوم للورطة يايونس Asla "أبدًا"
- حاضر، خلاص حقك عليا بقى

ثم سأل بالرغم من علمهِ الموقن بإنها المتسببة في ذلك :
- بس انتي عرفتي منين؟

فلم تعترف على الفور ورواغته قليلًا :
- مش مهم

فـ ابتسم "يونس" وهو يرى خيال "ملك" الواقفة بالخارج لتستمع إلى توبيخ "كاريمان" له وتتشفى به، وقال إينذاك مُلمحًا لها :
- أكيد العصفورة، مش كده؟؟

فـ ضربت "كاريمان" على كتفهِ وهي تحذرهُ بنبرة رخيمة :
- ملكش دعوة بالعصفورة خالص، كفاية إنك مزعلها من امبارح
- وانا أقدر برضو يانينة!

وغمز لها كي تصمت لثوانٍ، وتحرك نحو الباب ببطء حذِر حتى خرج أمامها فجأة لتُصاب بالذعر وهي تتراجع للخلف خطوة وهي تشهق بينما كان يقول هو :
- مش كده ولا إيه ياعصفورة؟

حاولت إظهار ثباتها وعدم تأثرها أمامه وأبعدت أنظارها عنه محاولة الفكاك من حصارهِ قائلة :
- عن أذنك عديني

فـ وضع ذراعهِ أمامها وأحنى رأسهِ قليلًا نحوها :
- تـــؤ

توترت أكثر وبدأت الحرارة تُضَخ في وجهها كله مسببة احمرار في الوجنتين وأردفت متلعثمة :
- متكلمش معايا أنا مش عايزة أكلمك

نفخ في وجهها فأغمضت عيناها وأهدابها ترتجف، ثم همس بجوار أذنها لـ يوقظ لهفتها عليه ويُخمد غضبها الأهوج :
- مقدرش مكلمش عـروستـي

فتحت عيناها فجأة لتجد وجهه قريب منها لحدٍ مُهلك، لحدٍ يُفقد السيطرة ويبدد الحصون جميعها تبديدًا غير قابل لإعادة البناء.. وبأنفاسها المضطربة الساخنة دغدغت ذقنهِ مخترقة شعيراتها لتصطدم بجلد وجههِ وتُقشعر بدنهِ كله متسائلة بصوتٍ يلوذ لسماع تلك الكلمة مجددًا :
- عـروستك!

فـ ألصق شفاههِ بجبينها يُقبلها بلطفٍ ناعم، وأعاد ترديدها لينشر البهجة في روحها التي انتست كيف تفرح :
- أيوة عروستي
.............................................................................
الآن تشاهد التلفاز في هذه الساعة الليلية بدون شغفٍ گالسابق، كانت تتابع تلك النوعية من المسلسلات التركية الرومانسية بتحمس شديد، ولكنها الآن لا تشعر بذاك الشغف اللذيذ الذي كانت تحبه، تشاهد بدون أي روح وعقلها متغيب عنها تمامًا، حتى إنها لم تستمع لصوت جرس الباب في بادئ الأمر وسرعان ما تداركت الأمر ونهضت لتفتح الباب بعدما وضعت وشاح حريري أسود على أكتافها.
لم تكن رؤيته هنا أمام باب شُقتها شئ متوقع بتاتًا، كأنها تحلم.. جحظت عيناها وهي تنظر إليه .. حتى إنها تأملت هيئتهِ كاملة، طاقم قاتم أنيق للغاية، شعر مصفف لامع وذقن تم تهذيبها حديثًا.. عطرهِ انبثق عليها بمجرد فتح الباب، وكأنه تأنق خصيصًا متجهزًا لمقابلتها.
أجفلت "نغم" بصرها عن عيناه الجريئة التي كانت تدرس تعابير وجهها، وقالت بصوت مبحوح :
- حمدالله على سلامتك

فـ خمن علمها المُسبق ببرائتهِ :
- متهيألي عندك خبر إني خرجت الصبح وإلا كان زمانك متفاجئة أكتر من كده

فـ أومأت برأسها مؤكدة ذلك و :
- أيوة عارفه

وأفسحت له الطريق كي يدخل :
- أتفضل

ولج للداخل وألقى نظرة خاطفة على منزلها البسيط والمُرتب، ثم سألها قبيل أن يجلس :
- أنتي مفيش معاكي حد هنا؟

فـ هزت رأسها بالسلب و :
- لأ أنا عايشة لوحدي

تنغض جبينهِ بـ استغراب و :
- ملكيش أهل بعد مامتك وباباكي يعني؟؟
- لأ ليا، بس في الصعيد كلهم وانا هنا عشان الجامعة ومستقبلي كله هنا

كادت تبتعد عن أنظارهِ مبررة :
- هعملك قهوة

فـ أشار لها كي تتوقف و :
- لأ مش عايز لسه شارب من شوية، أنا جايلك في كلام مهم

وأشار بها كي تجلس على الأقل :
- أقعدي عشان نعرف نتكلم

جلست على المقعد المقابل له وهي تحس نفسها عاجزة عن الشعور، كأنها تبلدت قليلًا أو ما أصابها أوقع عليها فتورًا.. ولكنها مازالت متأثره بحضورهِ الطاغي.
رفعت بصرها لتتواجه مع عيناه التي تتفرس النظر إليها وهو يبدأ حوارهِ بـ :
- أنا آسـف على كل اللي حصل

فـ افترت ثغرها بمجاملة و :
- أنت ملكش ذنب، اللي حصل حصلنا احنا الاتنين.. أنا اللي المفروض اشكرك عشان حاولت بأقصى جهد تخرجني واتخانقت مع الظابط عشاني

فسألها بـ ارتياب :
- يعني مش زعلانة؟؟

هزت رأسها بالسلب وأحنت بصرها عنه، فـ أخرج ذلك الظرف التي تلقاه اليوم بدلًا من "يونس" ووضعه على المنضدة الصغيرة مستنكرًا فعلتها :
- أمال ليه عملتي كده؟؟ ليه قدمتي استقالة ليونس

فـ أعلنت عن هزيمتها المبكرة بـ استسلامٍ لم يعهده من شخصية مثيلتها :
- عشان كان عندك حق، المكان بكل اللي فيه أكبر مني ومن أحلامي الصغيرة.. مش هقدر أكمل في مكان كل اللي بعمله فيه إني بحارب وبتحارب

فـ انبعجت شفتاه ببسمة ساخرة من هذا الوضع وهو يردف :
- مكنتش أعرف إنك هتستسلمي بدري كده!

رفعت بصرها حياله لترى نظرات لم تراها من قبل، نظرات امتزجت بالإحتياج والحزن، بالحيرة.. صمتت ولم تنبث بكلمة واحدة ، في حين تابع هو بصدقٍ نبع من بواطن قلبهِ :
- كنت فاكر إنك هتفضّلي المحاربة وانتي جمبي، عن الإستستلام وانتي بعيدة عني.. اللي حرقت نفسها عشان تبعدني عن رغدة قادرة إنها تكمل للآخر يانغم

اتسعت عيناها بذهول من علمهِ لأمرٍ جلّ خطير گهذا، ارتعش لسانها وتلجلجت بتوتر وهي تحاول تكوين كلمة :
- أنت كنت آ....
- كنت عارف، سمعت كلامك كله مع ملك بالصدفة

فـ أشاحت بوجهها الذي اصطبغ بـ حُمرة الحرج بعيدًا حينما كان يتابع هو :
- نغم، متمشيش

فسألت :
- ليـه ؟

فـ اعترف بجملة واحدة وبدون أن يفكر في حديثهِ :
- لأني مريض بـ قلبي، وانتي الوحيدة اللي هتعالجيني.. متمشيش، خليكي جمبي........
يتبع.....
لقراءة الفصل السابع والخمسون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات