القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الخمسون 50 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الخمسون 50 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الخمسون 50 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الخمسون 50 بقلم ياسمين عادل

"وإن مِتُ،فـ إنكَ تحيا في قلبي"
__________________________________________
بعد مرور ساعتين أو أقل كانت سيارة "يونس" قد وصلت أمام البوابة وقام الحارس بفتحها كي يعبر.. شقّ "يونس" الرواق بسيارتهِ والتف بها حول الحديقة حتى صفّها أمام الباب مباشرة وترجّل منها تاركًا مفاتيحهِ بداخلها، وأوفض للداخل آملًا أن يجدها في حالة من الهدوء على الأقل كي يتحدث معها.
وقبل أن يصعد الدرج كان يتواجه مع "عيسى" بالأسفل فـ سألهُ بـ اهتمام شديد :
- هي فين ياعيسى؟

في البداية كان "عيسى" مرتابًا من رد فعل "يونس" على ما قام به تجاهها كي يُجبرها على البقاء وألا تحاول عبثًا الخروج من هنا ، ولكنه اضطر أن يكون صريحًا كي لا تكون مصيبتهِ اثنان :
- نايمة فوق من ساعتها

تنغض جبين "يونس" متسائلًا بـ استغراب :
- نامت كده على طول!! صوتها في التليفون كان بيقول غير كده! أنا افتكرتها هتعاند

فـ ذمّ "عيسى" شفتيهِ معًا قبيل أن يحلّهم ويقول :
- هي فعلًا عملت كده، فـ أنا اضطريت أنيمها بطريقة تانية

قطب "يونس" جبينهِ وقد حازت كلماتهِ الأخيرة على إثارة حواسهِ، فـ دنى منه خطوة وهو يسأل بـ ريبة :
- يعني إيه طريقة تانية؟ عملت إيه ياعيسى؟؟

صمت "عيسى" لحظات ، فـ فطن "يونس" على الفور ورغم ذلك تشكك في جرأة "عيسى" للإقبال على أمرٍ گهذا :
- أوعى يكون اللي في بالي!

فـ أومأ "عيسى" برأسه وهو يقول بثبات لم يهتز :
- بالظبط كده ياباشا، vegal stimulation

فـ ارتفعت حرارة جسد "يونس" وشعر بـ انقباض أعصاب فكيهِ اللذان التصقا بعضهم ببعض قبل أن يسأل محتقنًا من تصرفهِ :
- وشيلتها ؟
- آه

فـ هدر فيه "يونس" بصياحٍ منفعل خرج منه فجأة :
- أنت اتــــجـننت في دمـاغـك !!

فـ حاول "عيسى" التبرير على الفور قبيل أن يجنّ جنون "يونس" أكثر من ذلك :
- سيادتك قولت أوقفها بأي طريقة

فـ اجتذبهُ "يونس" من ياقتهِ وهو يصيح في وجهه :
- تـقوم تفقدها وعيها وتشيلها لحد فوق، مش كده!

أطبق "يونس" بكلتا يديهِ على ياقتي قميص "عيسى" حتى كاد يخنقهُ، وحشرهُ بينه وبين الحائط وهو يزأر بصوتٍ ممتعض وبنبرة متوعدة :
- لو اتجرأت وفكرت بس تعمل حركة زي دي تاني وتتصرف من دماغك، مش هبقى عليك ولا على العِشرة.. مش بس هصفي شغلك معايا، أنا هيكون ليا تصرف تاني عمره ما هيخطر على بالك

أجفل "عيسى" بصرهِ في اللحظة التي حررهُ فيها "يونس" وأردف بنبرة مُطيعة آسفه :
- أمرك ياباشا

لم يُطيل "يونس" في الحديث معه وراح يصعد إليها متعجلًا معتقدًا إنه سيجدها نائمة كما تركها "عيسى" ما دام الهدوء يسود هكذا.. ستحتاج لـ دعمهِ واحتوائهِ باللحظة التي ستفيق بها كي تتخطى ما بدر من "عيسى" حيالها، فتح الباب بهدوء ونظر نحو الفراش الذي كان فارغًا منها والغطاء الفوضوي أعلاه.. نظر "يونس" حوله باحثًا عنها بـ قلقٍ اعتراه مناديًا :
- ملك ؟؟

تسلل لآذانهِ صوت المياه الذي يأتي من دورة المياه الملحقة بالغرفة.. فـ وقف أمام الباب لحظات بعدما طرق عليه و :
- ملك! سمعاني؟!

صوت هدير المياه فقط ولا يمتشجهُ أي صوت آخر، فـ طرق مرة أخرى بشكل أكثر جدية و :
- مــلك، أنا هفتح الباب لو مردتيش

وبالفعل لم يسمع أي صوت.. فـ أكل الذعر عليها قلبهِ واندفع يفتح الباب كي يطمئن بدلًا من كل هذه المشاعر السيئة التي يعيشها بالخارج.. فـ صُدم برؤيتها تجلس منكمشة بكامل ثيابها بداخل المسبح الصغير والذي امتلأ بالمياه الباردة، هرع نحوها وأغلق صنبور المياه على الفور وهو يصيح :
- أنتي بتعملي إيه؟؟

أغلق المياه فلم يبقى سوى صوت اصطكاك أسنانها وهمهماتها التي تخرج من بين شفتيها المرتعشتين.. فـ ابتعد وهو يبحث عن منشفة حوله وهو يردف :
- في حد يعمل في نفسه كده!

سحب منشفة كبيرة وتقدم منها، رفعها بكلتا يديهِ لتنسال المياه من كل مكان بها.. ثم طوقّها بالمنشفة جيدًا كي تتجفف ثيابها على الأقل حتى يخرج بها، ضمها إلى صدره في محاولة منه لتهدئة ارتجافتها، ثم حثها على التحرك :
- أطلعي، يلا

فـ أردفت بصوتٍ متقطع :
- مش قـ... ـادرة أحـ.. ـ ـر ك رجـلي

فـ تنفس "يونس" مختنقًا وهو ينزع عنهُ سترته، ألقاها بغير اهتمام ثم انحنى كي يحملها من المسبح فـ غرقت ملابسهُ هو أيضًا.. خرج وهو يتشبث بها جيدًا، التصقت رأسها بـ صدغهِ الذي أحس بـ ملمس جلدها البارد حتى وصل بها إلى الفراش ووضعها أعلاه.. ثم دنى منها وهو يسألها بصوتٍ غلبهُ الهدوء رغم كل الأحاسيس المتضاربة التي تتجول بداخلهِ :
- إيه اللي دخلك في البانيو وقعدك في الميا بهدومك كده؟

نظرت إليه بأعينٍ غالبتها الدموع التي تجمعت فيها على الفور وبدون أن تردف بكلمة واحدة حتى أرجفت قلبهِ.. فـ أردف هو :
- بلاش السكوت ده ياملك، نظراتك بتحسسني إني مذنب في حقك وانا كل اللي بعمله بعمله عشانك

فـ خالج صوتها أنين البكاء الذي طفق يظهر مع قولها :
- بابا كمان كان بيقولي كده، عـشانك.. كل حاجه كان بيعملها عشاني والحقيقة إنه كان بيدفني وانا عايشة

ثم تحولت نبرتها لأخرى متسائلة :
- أنت هتعمل زيهم يايونس؟

فـ لم يفهم فورًا، بل أن سؤالها ترك في عقلهِ علامة استفهام كبيرة :
- أعمل إيه؟ مش فاهم؟؟

فـ أفاضت على الفور :
- هتحبسني هنا عشان مصلحتي! هتتحكم فيا وتستغل ضعفي عشان تمشي اللي في دماغك ولا كأن ليا رأي

فـ نفى على الفور تفكيرها وظنونها السيئة حيالهِ و :
- أنا عمري ما هعمل كده، وانتي اللي اختارتي تيجي هنا بنفسك

فـ صرخت في وجهه بعدما نزعت المنشفة التي كبلت جسدها و :
- أمـال بتـعمل معـايا كـده لـيه ؟؟ هــه.. بتخلي الراجل بتاعك يحبسني لــيه أنا مش ضـعيفة عشان تعمل معايا كـده

فـ أدرك إنها بحاجة ماسّة لأن تكون صاحبة قرار كل ما يخصها حتى وإن كان ذلك القرار سيضرها، بحاجة شديدة لأثبات شخصيتها التي مُحيت بالممحاة من قِبل رجالٍ لم يعرفوا سوى قهرها وكبح طموحها ورأيها وحريتها.. لم تعِش ولم تحيا حياةً ترضاها سوى معه هو، والآن بدأ هو يسحب منها السلطة التي أعطاها إياها بنفسهِ، بدأ يفرض عليها قراراتهِ بشأنها.. هي شعرت بذلك ولم تتحمل مجرد فكرة إنها ستصبح دُمية من جديد، وهذا أشعل في رأسها النيران أكثر وأكثر وجعلها تُصر على تنفيذ مطلبها.
تمسك "يونس" بـ قناع الهدوء هذا الذي يرتديه واجتهد كي تقتنع إنه لن يفعل بها أيًا من ذلك مهما كلفهُ الطريق الذي سـ يسلكهُ لإقناعها :
-ملك أنا بـ... أحبك

المفتاح الذي كان سببًا في تسرب بعض الهدوء لنفسها المُلتاعة التي تتضور بتألم.. كلمة واحدة أخمدت براكين كادت تلتهمها في لحظات الغضب التي تمر الآن، ولكنه سيطر على الأمر بمنتهى الحرفية في التعامل، ثم برر بنفس ذات الهدوء :
- عمري ما هكون زي أي حد قابلتيه في حياتك ده وعد مني، أنا بس مكنتش عايزك تروحي لوحدك، وجودي معاكي كان هيهون كتير صدقيني، أنا آسـف

وعانقها.. العناق الأول بعد اعترافهِ الذي انتظرتهُ طويلًا، ضمّها إليه وهو يُدرك جيدًا إنه لن يحيا إلا بها، سيكون كلاهما دواءًا وشفاءًا للآخر.. هذه المشاعر الذي تملكتهُ ولم يحس بها لوقتٍ طويل بل وإنه هاجمها بضراوة في البداية رافضًا تصديقها، الآن لن يستطيع أن يستسلم للصمت.. البوح هو الحل الوحيد لكلاهما، وها هو يخطو أول خطوة في طريقهم.. طريقهم للحياة.
دفنت "ملك" وجهها الذي تشبع بالدموع بين كتفهِ وعنقهِ حيث تركت أنفاسها المضطربة تلامس نحرهِ، وبدأ السكون يعرف طريقهِ إليها بعد ليلة أخرى عصيبة عايشتها وسط أوهامها التي لم تتركها بعد.
...........................................................................

وجود "يزيد" في الشركة بهذه الساعة المبكرة كان سبب في حدوث الفوضى بأكثر من قسم من أقسام الشركة.. بينما كان الجميع يظن إنه في أجازة طويلة حتى يتعافى تمامًا ها هو يطل عليهم بملامحهِ الغامضة وجهه الممتعض الذي لم يرى أي شئ أمامه سوى الطريق الذي يسلكهُ.
عبر "يزيد" من الرواق المؤدي للغرفة التي كانت لـ "نغم".. ثم دخلها وأوصد الباب من خلفهِ، كأنه يشتم رائحة يعرفها جيدًا، حيث لم يتخلص المكان من عبق صاحبتهِ.. نظر حوله فلم يجد أغلب أشيائها والتي جمعتها من قبل، حوائج بسيطة فقط تعود لها والبقية عبارة عن لا شئ.. خطى متأدًا نحو المكتب، جلس على مقعدها وهو ينظر بتدقيق لكل شئ أمامه.. ثم فتح أحد الأدراج وعبث في محتوياتها عسى أن يجد شيئًا عائدًا إليها، ولكن لا يوجد.. جرب البحث في درج آخر فكانت النتيجة گسابقتها، عدا قلم واحد.. قلم حبر أهداها إياه بنفسهِ حينما كان يوثق نصف أسهمه إليها، ومازالت تحتفظ به حتى الآن.. أطبق جفونهِ وأمسك القلم جيدًا وهو يردف بصوتٍ خافت :
- لولايا كان زمانك عايشة دلوقتي، أنا اللي موتك بجشعي.. بس انا مكنتش عايز غير إنك تعيشي الوجع اللي عيشته، مكنش لازم تموتي

انفتح الباب بدون أن يستمع لطرقات عليه، وبينما كان مستعدًا لتلقين درس قاسي لمن تجرأ على ذلك تفاجأ بـ "نغم" أمامه بكل ملامح الحزن التي تكسو وجهها.. فـ أجفل بصره وتهدلت أكتافهِ وهو يضع القلم في جيب سترتهِ.
وقفت "نغم" قبالتهِ وأطرقت رأسها وهي تردف :
- البقاء لله يايزيد

فـ هز رأسهِ كناية عن الرد عليها، جلست وهي تتابع سؤالها القلق بشأنهِ :
- أنت كويس دلوقتي؟؟ أقصد اتحسنت يعني؟

فـ تنهد قبل أن يجيب بصدقٍ نبع من دواخلهِ :
- لأ مش كويس

ثم نظر حولهِ ومازال قلبهِ جريحًا :
- قلبي واجعني أوي

فـ أحست بـ غصة كأنها توقفت في حلقها وهي تراه هكذا ضعيفًا مستسلمًا لحزنهِ :
- كله هيعدي ، الوقت بينسي أي حاجه يايزيد

فـ ابتسم مستخفًا بما قالتهُ و :
- أنتي متعرفيش حاجه عن اللي جوايا، الأحسن متكلمنيش بكل سهولة عن شعور انتي مجربتهوش

ونهض عن مكانهِ فـ نهضت هي أيضًا قائلة :
- لأ عارفه كويس، ومش بستخف بيك أو باللي بتعيشه.. بس أنا أكتر واحدة عارفه إن مفيش حاجه بتفضل على حالها

ثم شبهت الأمر بنفسها :
- أنت بتكلم واحدة خسرت أبوها وأمها في عزا واحد، في يوم وليلة كنت يتيمة الأم والأب.. يعني مدركة كويس معنى كلمة فراق

فـ وقف أمامها وهو يجابه مواقفهم الغير متشابهه قائلًا بـ عصبية :
- بس مش انتي اللي قتلتيهم

بُهتت في لحظة بعد اتهامهِ لـ نفسهِ بإنه هو قاتلها.. بينما تابع هو متحسرًا :
- أنا اللي قتلتها، أنا السبب

تلجلجت محاولة التكلم أو الرد بعد تصريحهِ الذي لبدّ الأجواء من حولها و :
- يزيد آ.. إزاي ، اقصد يعني الكل عارف إن معتصم آ....

فـ بادر هو موضحًا الصورة الحقيقية لها :
- أنا اللي جيبت معتصم، وانا اللي بعتله رسالة بالمكان اللي هنروح له عشان يشوفها معايا

وتدحرجت عبرة من بين جفنهِ متابعًا بـ مرارة :
- أنا كنت السلاح الحقيقي اللي قتل رغدة يانغم، وفي الآخر خدت الرصاصة بدالي

نزح تلك العبرة التي خانتهُ وظهرت على الفور، وقال بنبرة محتدمة صاحبتها نظرات أظلمت فجأة :
- أنا واحد مرعب، معتقدش هتحبي تتعاملي مع راجل زيي

وقبل أن يلتفت لـ ينصرف كانت تستوقفهُ بقلقٍ و :
- أنت رايح فين وانت بالحالة دي؟؟

فـ تعمد إيلامها كي لا تتأمل بشأنه وهو يقول :
- رايح أزور مراتي، السابقة

ثم تابع ساخرًا :
- تحبي تيجي معايا؟؟

لم ينتظر جوابها وتخطاها كي ينصرف تاركًا إياها تتعامل مع صدمتها، ولكن تأثير تلك الصدمة لم يدوم طويلًا، حيث أسرعت تخرج من خلفهِ وهي تردد بعزمٍ شديد :
- مش هسيبك تروح لوحدك وانت كده
............................................................................
كانت تقف أمام النافذة الضخمة التي تطل البحر مباشرة، وقفت تفكر جديًا في الأوضاع المحيطة بها وكيف ستتعامل معها وسط كل تلك الجلبة.
نفخت منزعجة وهي تدخل بعد أن استمعت لصوت الباب و :
- أدخل

دخل "بِشر"، الرجل خاصتها.. وصار نحوها وهو يوافيها بتقريرٍ شامل :
- يزيد نزل الشركة النهاردة ياغالية هانم

فـ مطت شفتيها بـ انزعاج أكبر وهي تردف :
- واضح إننا مضربناش ضربتنا صح يابِشر
- لو تؤمريني أضرب عليه هضرب

فـ رفضت تلك الفكرة و :
- لأ، دلوقتي مش هينفع.. لو كان مات وقتها كنا هنلبس الليلة كلها لـ معتصم واحنا ملناش أي ذنب

ثم جلست على مقعدها وهي تسأل :
- معتصم عامل إيه؟
- في أوضته، وديتله الفطار الصبح وقفلت تاني زي ما أمرتي

ثم تسائل بفضول :
- بس احنا هنعمل إيه معاه ياهانم؟

فـ ابتسمت "غالية" بـ ابتسامة خبيثة وهي تقول :
- عدو عدوي يبقى صاحبي يابِشر.. صحيح معتصم مجنون ومتسرع، لكن مفيش مشكلة لما نروضه ويكون معانا

وبزغ الحقد الذي تدفنهِ بأغوارها وهي تفصح عن نواياها :
- من هنا لحد ما يونس يموت أنا مش هرتاح.. لكن ميرضنيش يموت أي موته، لازم يعيش بوجع كل الناس اللي بيحبهم زي ما انا عيشت بوجع بنتي.. كل اللي حواليه يابِشر، فهمتني؟

فـ أومأ "بِشر" برأسه و :
- فهمت، حتى البنت اللي معاه؟

فـ شددت "غالية" على تصريحها هذا :
- ده بالذات البنت دي، لو اللي في دماغي حقيقي وعايز يجيب البنت دي مكان بنتي اللي ماتت بسببه يبقى هو بنفسه كتب شهادة وفاتها، ومن غير حتى ما افكر هكون حرماه منها للأبــد.
يتبع.....
لقراءة الفصل الحادي والخمسون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات