القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع والاربعون 49 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع والاربعون 49 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع والاربعون 49 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع والاربعون 49 بقلم ياسمين عادل

ما دُمت تجلد ذاتك، تأكد أن قلبك ما زال حيًّا."
_________________________________________
لا يُصدق "يونس" إنه يراه في تلك الحالة المريبة من الهدوء المُرعب والذي يختفي من خلفهِ وجه يعلمه جيدًا.. لم يُصدر "يزيد" آهه واحدة، لم يبكي، لم ينعِها ويرثيها بندمٍ كما تصور، لم يصرخ ويهدم المحيط من حوله كي يُنفث عن حرائق صدرهِ.. وهذا هو الأخطر في الأمر.
يومان وهو على تلك الحالة، حتى إنه خرج من المشفى وما زال بنفس الوضعية.. اصطحبهُ "يونس" بنفسهِ إلى منزله كما أصر "يزيد"، حاول اختلاق أي حديث معه كي يتركه وهو مطمئن على حالتهِ.. ولكنه كان شبه غائب عن الإدراك حتى الآن، كأنه لم يصدق بعد كارثة موتها.
صفّ "يونس" السيارة أمام البناية الراقية والتفت بجلستهِ إليه.. دقق بـ أنظارهِ في تعابير وجه شقيقهِ المُبهمة والمتجهمة، ثم سأل بصوتٍ رخو :
- تعالى معايا ونقعد مع بعض أحسن، مش قادر اسيبك لوحدك

لم يعقب "يزيد" على اقتراحه، بل فتح الباب وبدأ يترجل من سيارة شقيقهِ، فـ أوفض "يونس" كي يلحق به قبيل أن يتحرك نحو المدخل، أوقفه ونظر بداخل عينيهِ مباشرة وهو يقول :
- يزيد أنت بتقلقني أكتر

فـ أردف "يزيد" بنبرة متأثرة حزينة :
- عمي أدفنّ وانا مش موجود ومأخدتش عزاه يايونس، ورغدة فضلت في المشرحة ٤ أيام قبل ما تدفن وبرضو مكنتش موجود

فـ حاول "يونس" أن يُهوّن عليهِ قليلًا :
- مكنش ينفع تأجيل الدفن أكتر من كده لرغدة، حتى عمي عجلت بأجراءات الدفن عشان ملك مكنتش هتتحمل الصبر

أجفل "يزيد" عيناه التي لمعت بها لمعة حزينة، وتجاوز شقيقهِ سيرًا للداخل وكأنه بلا روح.. مجرد جسد عابر مرّ بدون أن يترك أثر.. صعد "يونس" من خلفهِ حتى دخل "يزيد" لـ شُقتهِ، أخرج "يونس" هاتفهِ ليجد مكالمة هاتفية واردة من "نغم".. فـ ذمّ شفتيهِ متضايقًا من نسيانهِ إياها وعلى الفور أبلغ شقيقهِ :
- على فكرة نغم مبطلتش سؤال عنك، كانت عايزة تيجي لكن انا فضلت إنك متشوفش حد اليومين دول

فـ قال "يزيد" ردًا عليه :
- خير ما عملت

ثم ارتمى على الأريكة و :
- روح انت يايونس، أنا خلاص هفضل هنا.. متحاولش تتصل بيا عشان التليفون مقفول ومش ناوي افتحه دلوقتي

فسأله "يونس" متشككًا :
- مش عايز تزور عمي الله يرحمه؟؟ أنا تخيلت إنك هتروح على هناك بمجرد ما تخرج!

فـ أومأ "يزيد" برأسه :
- أكيد، بس مش دلوقتي

فرّت دمعة من طرفهِ لم يتمكن إطلاقًا جمحها كما اعتاد الأيام الماضية وبزغ ضعفهِ الشديد :
- سيبني شوية يايونس، أديني وقتي

فـ دنى منه "يونس" متضايقًا لما أصابه، مسح على ظهرهِ بـ عاطفة أخوية ليسانده قائلًا :
- حقك عليا مقصدتش أضغط عليك

نهض "يزيد" مكافحًا شعور الوجع الذي وخز صدرهِ وسار بخطوات متأدة نحو الردهه التي ستؤدي به لغرفتهِ، استمع "يونس" لصوت إغلاق الباب فـ تراجع عن محاولاتهِ لـ أن يكون معه ، هو بالفعل يحتاج بعض الوقت لـ يسترجع نفسهِ قليلًا.. كي تمر تلك الحالة التي احتبس نفسهِ فيها.
دخل "يونس" المطبخ وفتح المبرد ، فلم يجد بها شيئًا يؤكل.. زفر بـ اختناق وهو يغمغم :
- واحد مقضي حياته برا بيته هستنى منه إيه يعني!

وقرر أن يخرج لـ شراء بعض الحوائج التي تنقصهُ وقد يحتاج لها الفترة القادمة.
في حين كانت حالة "يزيد" قد بدأت تتطور بعد كل ذلك الصبر الذي انتهى بمجرد اختلائه بنفسه في الغرفة التي لطالما جمعتهُ مع زوجته الراحلة.. زوجتهِ التي وهبتهُ الهدية الأخيرة قبيل أن تستقل قطار الموت وتنصرف عن الدنيا.. وهبتهُ روحها وكأنها تُكفر عن أثمها العظيم بعدم تصديقهِ والسماح لـ فخٍ گهذا أن يبتلعهم ويلتهم حكائتهم.. نظر حولهِ بنظرات تائهه تبحث عنها في كل ركن تركت فيه ذكرى ومشهد خالد في عقلهِ، انهمرت الدموع من بين جفونهِ وخرج أنين متحشرج من صدرهِ بعد ثبات كاذب دام ليومين.. تكرر مشهد وقوعها بين ذراعيهِ فاقدة حياتها في أحضانهِ وفداءًا له فـ تضاعف الوجع عليه أكثر.
جلس على المقعد القريب من الفراش، لم يتحمل أن يضع جسدهِ على فراش حملهم معًا.. على الأقل عندما تزوجت رجلًا غيرهِ كان يعلم إنها تعيش وتتنفس حتى وإن كانت بعيدة عنه، ولكنها الآن غادرة بلا رجوع.
تعالت شهقاتهِ التي امتزجت بصوتهِ :
- رغـــدة، لـيه عملتي كـده ليـــــــه !.. ليه تمشي لتاني مرة!

لم يُطيق جلوسًا.. فـ نهض وقد أحس بـ بركان حميم يتصاعد من صدرهِ حتى طفا على سطح وجهه الذي احمرّ فجأة وتوهج معلنًا من بداية هياج عصبي حاد.. رفع المقعد الضخم بـ كلا ذراعيهِ غير مكترث بـ جرح صدرهِ الذي لم يلتئم بعد، وقذفهُ على الحائط وهو يـصرخ شاعرًا بـ الجحيم الذي تحولت إليه حياتهِ :
- لــــــــــــــيـــــــه.!!!

وقذف حينئذ الساعة الموضوعة على الكومود بـ اتجاه اللوح الزجاجي ليسقط متهشمًا وهو يتابع جلد نفسهِ :
- أنا السـبب، أنا اللي قــتلـتـها، أنـــــــا

سقطت الأشياء التي أحضرها "يونس" من يديه وهو يهرع نحو غرفة شقيقهِ بعدما وصل إليه صوتهِ الصارخ.. دلف مسرعًا ليجده على حالتهِ المتدهورة تلك وقد وصل لجذوة الغضب.. هرع "يونس" نحوه ليوقفّ حركاتهِ الغير مدروسة وقد نجم عنها سيلان خيوط الدم من صدرهِ بعدما تأثر جرحه بهذا المجهود العنيف الذي بذلهُ، ولكنه واجه صعوبة في ظل تدفق الأدرينالين في جسد "يزيد" كلهُ حتى أصبحت قواه مُضاعفة.. وصرخ في وجه "يونس" وهو يدفعه عنهُ بعنفٍ غير مقصود :
- أبـعـد عـني يايــونس

وأطاح بـ إطار صورتهم الكبير حتى تهشم هو الآخر وهو يصرخ قائلًا بتوعد صادق :
- هــقـتـلك يامــعتـصــم ، ورحـــمة أبـويا لـ هـــــقـــتـــلك

فلم يجد "يونس" حل آخر سوى بطح رأسهِ برأس "يزيد" كي يخمد حتى وإن تسبب ذلك في ألم له.. وبالفعل وقع "يزيد" على الفراش وهو يتنفس بصعوبة شديدة، بينما أحس "يونس" بـ دوّار شديد ولكنهُ لم يظهر ذلك وهو يصيح فيه قائلًا :
- بدور عـليه ومش هـسيبه يايزيد.. مش هيفلت بعملتهُ سامـعني

ثم هدأ رويدًا رويدًا وتابع :
- هنلاقيه وساعتها هتشوف هيحصله إيه، أوعدك

أطبق "يزيد" جفنيهِ وقد خرج صوتهِ ممزوجًا بالنشيج :
- بسببي، كله بسببي

لم يتمكن "يونس" من التدخل في حالتهِ وتركهُ يُنفث عن نفسهِ قليلًا، لم يقوَ كذلك على المغادرة.. فـ ظل جليسًا له شاهدًا على لحظات الألم الموجع التي يمر بها، والتي عاش هو ضحية لها في السابق.. فـ هو يعلم جيدًا ما شعور هذا الألم.
............................................................................
لم ترهُ "نغم" منذ ذاك الحادث الذي وقع فيهِ، وهذا يجعلها في حالة من الجنون الذي يسيطر على عقلها ليدفعها كي تُفكر في أشياء متهورة.. حتى إنها شعرت برغبة في الذهاب إلى منزله كي تطمئن فقط على حالتهِ.. فقد فضّل "يونس" ألا تراه في تلك الحالة وأصرّ عليها ألا تأتي، لذلك فـ هي مُكبلة الآن غير قادرة على مُآزرتهِ.. اشتدت آلامها ولم تطيب جروح حروقها بسهولة بعد إهمالها لها متأثرة بالأحداث، حتى بعدما علمت بإنه سيخرج اليوم من المشفى.. ظلت مقهورة كونها لا تستطيع رؤيتهِ أو على الأقل التحدث إليه هاتفيًا، وحتى "ملك" لا تعلم عنها شيئًا سوى بعض الأخبار التي تتلقاها من "يونس".
نهضت "نغم" بعد جلوس ممل في الفراش وراحت تنظر لـ باقة الورد التي اعتنت بها جيدًا ، رغم إنها ذبلت قليلًا إلا إنها تحس بـ ابتهاج منطفئ قليلًا، لم تلبث أن تفرح بهذا التغيير اللحظي الذي اعتراه وإذ بهِ يرتطم بواقع مأساوي سيغير كل الموازين.. تحسست الأوراق الملساء ثم انحنت قليلًا لـ تشتم رائحتها التي لم تعد نفاذة گالسابق، ثم تنهدت وهي تبتعد عنها وبحثت عن هاتفها كي تحاول من جديد الوصول إليه.. علها تنجح هذه المرة.
...........................................................................
خرجت "ملك" من غرفتها التي ظلت حبيسة فيها لأيام، متشحة بالسواد والثياب الكاحلة التي أضفت على ملامحها الباهتة انطفاءًا أكبر.. أوفضت ملتهمة الدرج التهامًا كي تصل لباب القصر بالمزرعة وتخرج من هنا حتى نجحت في ذلك.. وسارت بخطى لا تعرف مصيرها وإلى أين تقودها، تائهة بين ضيعات حُزنها وحالة اكتئابها الذي لم ينتهي بعد.
مشت بسرعة كي تنهي الرواق الطويل وأسفل آشعة شمس وقت العصر الحارقة.. لمحها "عيسى" من مسافة بعيدة إلى حدٍ ما وهو يتحدث مع حرس البوابة الرئيسية، فـ قطب جبينهِ مندهشًا لرؤيتها الآن وفي هذه الحالة وهو لا يملك أمرًا يسمح بخروجها أو ما شابه.. فـ مشى نحوها كي يقتصر الطريق وقطع طريقها بتهذيبٍ قائلًا :
- أؤمري ياملك هانم، محتاجة حاجه معينة ؟؟

فـ كانت جامدة گالجدار الذي لا حياة فيه ولا روح وهي تجيب :
- مش عايزة حاجه، أنا خارجة

فـ حافظ على لطافتهِ وهو يمنعها من التفكير في أمر گهذا :
- للأسف مينفعش، الباشا مبلغنيش بـ حاجه زي دي

فـ امتعض وجهها وهي تكتف ذراعيها أمام صدرها و :
- ماليش دعوة بالكلام ده، لو سألته دلوقتي مش هيقولك لأ

فـ أخرج "عيسى" هاتفهِ على الفور كي يتصل بـ "يونس" حتى أجابهُ الأخير :
- أيوة ياباشا، ملك هانم عايزة تخرج

وما أن تلقى الرد حتى أردف وهو يوجه حديثهِ لـ "ملك" :
- الباشا جاي النهاردة وهيوديكي بنفسه مكان ما تحبي

فـ صاحت "ملك" بصوتٍ مرتفع بالكاد استمعه "يونس" و بوضوح :
- أنا مش هستنى هنا، هروح لبابا حالًا دلوقتي

وتحركت كي تتجاوز "عيسى" ولكنه قطع طريقها من جديد :
- آسف، تعليمات الباشا واضحة وصريحة.. ممنوع خروجك من هنا لوحدك من غيره

فـ صرخت في وجهه بـ انفعال طغى على سلوكها :
- وانت مالك انت وبأي حق تمنعني

دسّ "عيسى" هاتفهِ بعد انتهاء المكالمة في جيب سترتهِ الرسمية القاتمة وأجاب :
- دي أوامر وبنفذها

دنى منهم "مهدى" بعدما خرج من القصر على أثر صوتها المرتفع.. ابتهج ما أن رآها قد غادرت مخدعها، ولكنه تعجب لما تقوم به من تصرفات منفعلة غاضبة وحاول التدخل :
- في إيه بس يابنتي اللي معصبك كده؟

فـ أفصحت "ملك" على الفور وهي تشير صوب "عيسى" :
- قوله يوسع من سكتي ياعم مهدي أنا لازم أخرج

فـ نظر "مهدي" نحو "عيسى" الذي برر له رفضهِ على الفور :
- الأوامر ياعم مهدي، مش بأيدي

فـ حاول "مهدي" تهدئة الوضع بينهما ريثما يحضر "يونس" على الأقل :
- طب معلش استني شويتين يكون يونس جه، أنتي عارفه هو هيوديكي مكان ما تحبي إن شالله المريخ

فـ فرّت دمعة من طرفها بضعفٍ اجتاح نفسها الموجوعة من آلام الفراق البشعة وقالت بصوتٍ انكتم في صدرها :
- مش هينفع، أنا مروحتش لبابا ولا مرة وسيباه لوحده بقالي أسبوع يامهدي، بابا محتاجني ولازم يشوفني

ربت "مهدي" على كتفها محاولًا استدراجها للداخل و :
- عارف وحاسس بيكي، رينا يصبرك يارب.. بس انتي عارفه يونس بيخاف عليكي و.....

فـ قاطعتهُ بـ اندفاع وإصرار شديد :
- أنا مش صـغيرة عشان حد يتحكم فيا، أنا حرة وأقدر أعمل اللي عايزاه

وركضت لتتجاوز كلاهما في حركة مفاجأة منها باغتتهم بها.. فـ أوفض "عيسى" نحوها وقد استبق خطاها بالتأكيد وهو ينادي :
- مـلك هـانم ، أرجـوكي

وقف أمامها من جديد فـ دفعتهُ بكلتا يديها الضعيفتين وصاحت :
- وسـع من قـدامي محدش هيقدر يـمنعنـي
- ياهانم مينفعش كده

راحت تتحرك يمينًا ويسارًا كي تتجاوزه ولكنه كان يُحيطها بشكلٍ أعجزها عن الفرار :
- أصبري شوية بس والباشا هييجي

أشار "مهدي" لـ حرس البوابات كي يغلقون البوابة جيدًا ومشى نحوها وهو يتحدث بهدوء :
- يابنتي مش هينفع تخرجي، لو يونس دري بس هيخرب بيتنا

فـ حذرها "عيسى" للمرة الأخيرة :
- من فضلك ياهانم متحطنيش في موقف صعب وتضطريني لمنعك بشكل تاني
- أنت بـتهددنـي!

قالتها ومازالت محاولاتها مستمرة بدون سأم أو ملل غير مستمعة إلا لصوت عقلها، فـ أضطر "عيسى" للإقبال على فعل ما جال بخاطرهِ من أجل إيقافها :
- آسـف، أنتي اللي اضطرتيني لـ ده

وبكلتا يداه كان يضغط بقوة على رقبتها من الناحيتين اليمنى واليسرى على العصب العاشر تحديدًا والذي يسمى (Vagus) مُطبقًا تكنيك (vegal stimulation).
كي يجعلها تفقد وعيها خلال لحظات.. كافحت "ملك" في البداية وهي تحاول خدش يداه ولكنه كان قويًا للحد الذي جعلها تفقد وعيها خلال لحظات.. شهق "مهدي" وهو يرى ما فعلهُ وعنفّهُ قائلًا :
- إيه اللي هببتهُ ده ياعيسى!! ده الباشا هيسود عيشتك

وقبل أن تقع كان يحملها بين ذراعيه ويسير بها للداخل وهو يقول :
- الباشا أمر متخرجش مهما حصل، لو على رقبتي ياعم مهدي

فـ سار "مهدي" من خلفهِ وهو ينظر لوجهها الشاحب و :
- يارب استرها، هي هتفضل كده كتير؟
- مش هتصحى غير لو حد أثار وعيها.. يعني هتفضل كده لحد ما الباشا ييجي

دلف وصعد بها لغرفتها مُطبقًا أوامر "يونس" التي أكددت عليه عدم السماح بخروجها وهي في تلك الحالة.. ولكن ماذا سيحدث لـ "عيسى" جراء الأسلوب الذي اتبعهُ لـ إيقافها! لا يعلم.. حتى إنه لم يتخيل ردّ فعل ربّ عملهِ حينما يعلم بما حدث، هل ستكون لصالحهِ أن ضده؟.
.............................................................................

نهض "يونس" عن جلستهِ وقد أنهى الحوار بشكل مؤقت مع شقيقهِ كي يلحق بـ "ملك" التي استمع لصوتها المنفعل بـ آذانهِ فـ اعتراه القلق عليها.. مؤكد سيواجه الفترة المقبلة عدم اتزان نفسي منها في ظل الظروف المحيطة بها، وعليه أن يكون مستعدًا ليحتويها ويمتص أحزانها.
نظر "يونس" لـ "يزيد" نظرة أخيرة وقال :
- هجيلك الصبح ، عايز أي حاجه؟

لم يجبهُ وشرد مجددًا في عالم آخر غير شاعر بما حوله.. فـ تنهد "يونس" وهو يعيد سؤاله :
- يزيد، مش محتاج مني حاجه؟

هذه المرة أيضًا لم يرد وعيناه عالقة بالفراغ.. فـ خطى "يونس" نحو باب الشُقة وهو يغمغم :
- لا حول ولا قوة إلا بالله

حتى بعد انصراف "يونس" لم يعود لـ إدراكهِ ووعيهِ الكامل، عقلهِ متوقف لدى الحديث القصير الذي تحدث به منذ قليل مع "يونس" والذي استحوذ على تفكيره بالكامل...

—منذ قليل—

تنغض جبين "يزيد" بعدما تلقى تلك المعلومة الخطيرة من أخيه وسأل بـ ارتياب لاحق شعورهِ :
- يعني إيه حد تاني!! مكنش في غيري أنا وهو

وأجفل جفونهِ وهو يقول إسمها بصعوبة :
- ورغدة

فـ أوضح "يونس" مُفصلًا له الأمر أكثر :
- اللي ضربك بالنار كان بعيد عنك بمسافة ١٢ متر، أما الرصاصة اللي ضربت رغدة كانت على بعد ٧ متر بالظبط.. أفتكر كويس يايزيد، ممكن يكون مين؟

فلم يُسعفهُ عقله نهائيًا لـ يُخمن شخص آخر و :
- معرفش يايونس، عيني مشافتش غير الـ ××××× ده

فـ زفر "يونس" وهو يعترف بـ فشل محاولاتهِ في إيجاد "معتصم" كل تلك الأيام الماضية :
- أنا قلبت الدنيا عليه ملقتش أي أثر ليه ، أختفى

فـ ضحك "يزيد" بسخرية وهو يردف :
- مش هتلاقيه، هو مستنيني أنا أدور عليه.. بس متقلقش يايونس، هلاقيه وحق رغدة هيرجع تالت ومتلت

—عودة للوقت الحالي—
نهض "يزيد" عن جلستهِ، ترنح في البداية متأثرًا بالنهوض فجأة ولكنه لم يكترث.. دلف لـ غرفته المبعثرة كليًا وراح يبحث في خزانتهِ عما يريد، حتى إنه ألقى بأغلب ثيابهِ كي يجده، ولكنه لم يجد شيئًا.. التفت يمينًا ويسارًا حتى وجد سترتهِ الملقاه بعيدًا، فـ هرع نحوها وراح يبحث بداخلها حتى وجد مفاتيح خزانتهِ الخاصة.. فـ تناولها وراح يفتح خزينتهِ عبر الرقم السري قبل استخدام المفتاح، سحب سلاحًا من داخلها وبدأ يضع خزانة الرصاص بداخله.. ثم نهض واقفًا ووضعهُ خلف ظهره، عاد يلتقط سترتهِ وخرج من الغرفة نهائيًا كي تبدأ رحلتهِ الإنتقامية التي انتواها.. لن يترك دمها الذي هُدر وأُسفك بدون حساب، لن يترك حقهِ بدون أن يثأر لما طالهُ ثأرًا يُرضيهِ.. بالرغم من إنه لن يرضى في كل الأحوال، فـ حتى الثأر لن يُعيد إليه من مــات.
يتبع.....
لقراءة الفصل الخمسون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات