القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ياسمين عادل

  رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ياسمين عادل
 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ياسمين عادل

فتحت "ملك" عيناها لترى فقط ظله الجالس قرفصاء بجوار الفراش، واستشعرت أصابعه التي احتوت يدها وضغطت عليها تضامنًا وحنانًا..
تنفست بصوت مسموع وكأنها لا تشعر بهذيانها :
- أنت مش حقيقي

فـ مسح بأطراف أنامله على خدها اللين المُبتل ببقايا الدموع و :
- أنا الحقيقة الوحيدة في حياتك ياملك، فوقي وشوفيني كويس

فـ رفضت مجددًا وكأن حالتها النفسية قد ازدادت سوءًا :
- أنا بحلم

صمتت هنيهه و :
- لسه بحلم

فـ اضطر أن ينهض ويفتح ذلك الستار الذي حجب عنها الضوء وجعلها تعيش في هذا الظلام الموحي لها بإنها تحلم.. فتح الستار، فـ انبثقت آشعة الشمس الموشكة على الغروب لـ تتسلط على فراشها مباشرة، وفتح الزجاج كي يتجدد هواء الغرفة.. فـ غطت وجهها بذراعها وهي تبتعد عن الإضاءة، بينما اقترب منها "يونس".. أزاح يدها عن وجهها وأردف ببعض الحزم :
- مـلك

فـ اجتذبت ذراعها منه فجأة وجدحتهُ بنصف نظرة و :
- خلاص يايونس صحيت

وأشاحت بوجهها عنه، فـ أشار لها كي تنهض و :
- قومي طيب، عايز أتكلم معاكي

رفعت طرفها نحوه تسأل بـ ارتياب :
- هتكلم عن موضوع إمبارح؟

وقبل أن توليه فرصة الرد قاطعها و :
- لو هو يبقى مش عايزة أتكلم

دفعت الغطاء عنها ووقفت على قدميها بدون أن تولّي نفسها الفرصة لـ استجماع رأسها.. فـ انتابها الدوار فجأة وعادت ترمي بجسدها الرخو على الفراش قبل أن تسقط، فـ ركض نحوها وقد فزع قلبه و :
- حصل إيه انتي كويسة؟

ملامحها مقتضبة ومطبقة جفونها وهي ممسكة رأسها ولم تجب، فـ ازداد قلقه وأزاح يديها متسائلًا :
- مــلك!
- دوخت، قمت فجأة فـ دوخت

تنفس وهو يعتدل في وقفته، ثم سار نحو الطاولة ليأخذ كوب الحليب.. عاد إليها ومد يده به :
- طب أشربي ده ، أنتي من امبارح مأكلتيش

نظرت ليده، فـ حدقت عيناها و:
- أنا مش بحب اللبن
- معلش

قالها بنفاذ صبر و :
- عشان يهديكي شوية

فـ أبعدت يده عنها وقد بدا عليها الإشمئزاز و :
- مقدرش، بكره ريحته

بدأت أعصابهِ تنفلت منه.. فـ ترك الكوب على الكومود، ثم رفع ساقيها عن الأرضية على حين غرة فـ ارتمى نصف جسدها العلوي على الفراش.. شهقت متفاحئة من رد فعلهِ الغير متوقع، بينما تابع هو ودثرها مجددًا بالغطاء وهو يهتف منفعلًا :
- براحتك متشربيش، بس قسمًا بالله ماانتي خارجة خطوة واحدة من هنا إلا لو الكوباية دي اتشربت

رمقته مذهولة وحاولت استدعاء تلك الشخصية التي حاولت خلقها بفعل نصائحهِ :
- أنت إزاي تعمل معايا كده!!

فـ رمقها بـ حِدة و :
- هو ده اللي عندي

ثم التفت كي يترك الغرفة، وقبل ذلك أعطاها فرصة أخيرة وهو يسأل :
- لآخر مرة هسأل، هتشربي ولا لأ؟

فـ تابعت شجاعتها المزيفة وهي تهتف :
- لأ

فـ خرج وصفع الباب وقد ارتفعت حرارة جسدهِ وغمغم بسخط شديد :
- اللي عملته معاكي هيطلع على دماغي، ماشي ياملك
...........................................................................

رفعت "ملك" كوب اللبن للمرة الأخيرة كي تُنهي ما بقى فيها، ثم تركته وقد بدا وجهها غريبًا كأنها ستتقيأ الآن.. رمقها "يونس" بنظرة راضية بينما كانا يجلسان في حديقة المنزل.. شبك "يونس" أصابع يده سويًا وهو يبتسم قائلًا :
- بألف هنا

تشنجت عضلات وجهها وهي ترد بـ :
- دي آخر مرة تغصبني على حاجه

فـ حلّ وثاق أصابعه المتشابكة وأعلن برائتهِ من اتهامها:
- محصلش، أنا خيرتك وانتي اختارتي

فـ انفعلت وهي تردف بـ :
- عشان خيارك كان صعب، أنا لازم أخرج عشان أروح لبابا النهاردة

فكر "يونس" في رغبتها التي لا تقبل الرفض، وفي رغبته هو في معرفة ما بقى من الحقيقة.. صمتهِ هذا جعل الشكوك تنخر في رأسها، فسألت فورًا :
- أنت هتوديني، صح ؟

فـ هز رأسه بالإيجاب و :
- أكيد

اعتدل في جلستهِ و :
- لسه عايزة تفتحي الموضوع بتاع امبارح ده تاني؟

نظرت للفراغ وقد غيم على عقلها غمامة، فـ بادر "يونس" قائلًا :
- أنا مصدق عمي، مش معقول يعني هيكون في حقيقة غير دي، أنا رأيي متصدقيش أي حاجه من اللي حصلت وتهتمي بوجودك جمب عمي اليومين دول

لم تقتنع بما قالهُ بعدما قضت الليل كلهُ تفكر بشكل منطقي، هناك لغز في الأمر لم تتوصل له وحلهُ فقط لدى "إبراهيم".. ولكنها تعلم جيدًا إنها لن تصل بسهولة لما تريد، نهضت عن جلستها فـ نهض هو الآخر محاولًا إثارة تلك النزعة التي تُثار بسهولة و :
- بتتهربي من كلامي ليه؟

فـ توقفت لتتحدث بدون أن تنظر نحوه :
- أنت معشتش حاجه من اللي عشتها، مشوفتش يوم واحد من أيام الحرمان اللي عيشت فيها

تنهدت متحكمة في رغبتها الجامحة كي لا تبكي و :
- عيشت من غير أم، وحتى الأب كان وجوده زي عدمه.. ودلوقتي لما اعرف إن في أمل تكون أمي عايشة أكذب كل ده وأكمل حياتي في يُتم!

ثم التفتت تنظر إليه معاتبة إياه على تفكيره اللامبالي :
- متبقاش أنت كمان ظالم يايونس

تأنيبهُ لضميره بدأ للتو، بينما صدمتهُ هي بتوابع عبارتها :
- أنت الوحيد اللي حسيت إنه ممكن ينصفني، متخذلنيش أرجوك

فـ أجفل جفونهِ بحرج و :
- آسـف

فـ أطرقت رأسها وهي تطلب :
- لازم تساعدني، يمكن بابا يقولك انت الحقيقة وميقولش ليا

وهذا هو الطلب الذي خشيَّ أن تطلبهُ، ها هي تتفوه به صراحة به وكأنها تستأمنهُ على رغبتها.. شده قليلًا خشية بأن يعطي وعدًا لن يوفيه، في كل الأحوال يوجد سر ، وعلى الأغلب سيكون أقوى من قدرتهِ على الإعتراف به.
تفحصت ملامحه قليلًا شاعرة بـ ريبه وسألتهُ :
- يونس!
- حاضر

قالها وهو يتحرك من جوارها و :
- جهزي نفسك عشان نروح لـ عمي

وغادر نهائيًا من جوارها مكافحًا هذا الشعور ذا المفعول الشديد عليه.. وجودها ورغبتها بأن ينفذ لها شيئًا، هذا الشعور الذي لا يقوَ على مكافحته.
في حين قررت هي أن تصعد لتبديل ملابسها على الفور، كي تلحق بـ والدها وتعرف ما عليها فعله.

حـينئذ..
كانت "كاريمان" تجلس بالشرفة مُطفئة الإضاءة وهي تراقبهم من مسافة بعيدة وبدون أن تقتحم جلستهم.. وما أن تحرك "يونس" ليدخل أردفت "كاريمان" متسائلة :
- تفتكري هيحسوا أمتى بالـ Aşk "حب" ده

فـ أجابت "خديجة" مستنبطة بحواسها الشعورية :
- أنا حاسة إنه قريب أوي

فـ استندت بكلتا يديها على عكازها وهي تقف عن جلستها وأردفت :
- Amen "آمين"
...........................................................................
طوال طريق الذهاب لم يلحظ تعقب تلك السيارة له، انشغال باله غطى على حرصهِ المعتاد فلم ينتبه..
حتى وصل بها "يونس" بالقرب من البناية التي يسكنها "إبراهيم".. وقفت السيارة مبتعدة قليلًا وراح سائقها يختلس النظر المُدقق وهو يهتف :
- هنعرف إزاي نفصل البت عنه؟ ده رايح جاي واخدها معاه!

طرد "ربيع" الدخان من صدرهِ ثم ألقى بـ صبابة سيجارتهِ من النافذة وهو يردف :
- هنلاقي حل

قذفتهُ إحدى السيدات بـ سبة مُعلنة وهي تصيح فيه :
- أنت يا ×××××× ، مش تبص قبل ما تحدف الزفت اللي بتشربه على الناس

فـ تفادى "ربيع" الإشتباك معها كي لا يلفت الإنتباه لتواجده هنا و :
- حقك عليا ياخالتي العتب على النظر، أمسحيها فيا

فـ حدجته بنظرة مُحتقرة و :
- كتكم البلا

فـ بصق "ربيع" على يساره و :
- كتك داهية تلمك ولية حيزبونة

ثم نظر قبالته وغمغم :
- وبعدين! هنزلها إزاي لوحدها ؟

صعدت "ملك" مستبقة "يونس" لمنزل والدها وداخلها متردد، مذعور، تخشى المواجهة التي قد تُجدي لنتيجة لن تحبها.. فتحت الباب وهي تستقبل شهيقًا عميقًا لصدرها، ثم طردتهُ على مهل وهي تدخل ومن خلفها "يونس"..
شقت "ملك" خطواتها نحو غرفتهِ مباشرة وهي تردف :
- معقول يكون نايم بدري كده! الساعة لسه ٨

فتحت باب الغرفة، فلم تجده بها، فـ التفتت وقد اعتراها القلق و :
- مش جـوا، بــابـا ؟

نادت بصوت مرتفع كي يسمعها أينما كان ولكن لا يوجد رد، فـ راح "يونس" يبحث في الشُقة يمينًا ويسارًا وقد انتابه القلق هو الآخر خاصة بعدما لم يجده في أي مكان، وأخيرًا قرر النظر في دورة المياة علهُ بها.. طرق أولًا ثم فتح الباب، فلم ينفتح سوى نصفهِ ولمح "إبراهيم" مُلقى خلف الباب مغشيًا عليه ويمنع فتحهِ.. شهقت "ملك" بفزع بينما جاهد "يونس" ليعبر بجسدهِ العريض من تلك الفتحة الضيقة دون أن يؤذي عمهِ.. حتى نجح في الدخول، سحبهِ برفق وهو يحمل نصف جسدهِ وصاح :
- هاتي كرسي بسرعة

فـ هرولت كي تحضر أحد مقاعد المائدة وعادت راكضة بعد أن فرت منها دمائها.. رفعهُ "يونس" بصعوبة لثقل جسده وحاول وضعه على المقعد بينما ساعدتهُ "ملك" وهي تقول بنبرة نادمة :
- ياريتني ما مشيت امبارح

وعادت تؤنب نفسها لتتحمل نتيجة هروبها أمس :
- أنا السبب، أنا آسفه يابابا

فـ وبخها "يونس" وهو يفكر سريعًا أثناء بحثهِ عن هاتفهِ في جيوبهِ :
- بس ياملك، بس.. انتي ملكيش دعوة

ثم وضع الهاتف على أذنهِ و :
- أيوة، من فضلك محتاج عربية إسعاف بسرعة، يونس حسن حماد الجبالي.. خد العنوان بالتفصيل

مسحت "ملك" على وجهه الشاحب بـ صُفرة قاتمة بكفيها مرتعدة من تلك اللحظات العصيبة، وضعت يدها أمام أنفاسه تستشعر انتظامها، فـ بدت لها ضعيفة جدًا.. ازدردت ريقها وهي عاجزة حتى عن التفوه بكلمة، بقى تضرعها ودعائها خفية بينها وبين الله كي يُنجيهِ، كي يبقى قليلًا، كي لا تُحمل نفسها وزر موتهِ وحده هكذا بعد أن عانى ويلات التعايش مع مرض ينهش في صدرهِ ويأكل من عمرهِ.. أرادت أن تراه حيًا كما لم تراه من قبل، تلك اللحظات التي تكون في صعوبتها لا مُضاهاه لها.
............................................................................

صباح شتوي غائم على غير العادة..
كأن العاصفة تسبقهِ، تلبش الجميع وتوترت الأجواء بمجرد وصول سيارة "يزيد" مبكرًا بعد أن علم الجميع بوجود تفتيش دوري وسيتم تصفية بعض موظفيهِ المُقصرين اليوم وستكون نهايتهم بإقرار خطي منه بعد أن يمسك بثغراتهم.
كأن هذا ما سيتفث به عما يجول في صدره منذ الأمس.. دخل فـ إذا بالجميع گالأصنام، والهدوء الصامت ذاك الذي يُحبه يَعم الأجواء، لم ينظر لأي منهم، خطى في طريقهِ مستقيمًا وبطرفهِ كان يرى كل شئ.. سُرّ بعد أن أحس بـ انتظام الجميع بعد تهديده الهاتفي صباح اليوم، وبدأ يفكر بأي أقسام الشركة سيبدأ.
دلف حجرتهِ ومن خلفهِ "سيف" ، فـ أملاه أول أوامره :
- عايز ملفات آخر ٣ مشاريع الشركة دخلتهم، و تخلي أستاذ عبد اللطيف يجيب الكشف اللي طلبته منه إمبارح
- تمام
- وبعدها تعالى خد مني الشيك عشان تخلي حد يصرفه.. محتاجين نسدد آخر دُفعة من قرض البنك النهاردة

خرج "سيف" فـ تنهد "يزيد" وهو يجلس.. رفع الهاتف على أذنهِ وهو يتحدث غامضًا كأنه الآن شكل آخر غير الذي كان عليه الأمس :
- عملت إيه!؟.. دبرت الرجالة اللي طلبتهم منك؟

تحفزت عيناه گالذي سينقض على طريدتهِ، ولاحت ابتسامة مُتزينة بنواياه الشريرة التي بزغت حتى في نبرتهِ :
- أستنى مني الإشارة

ثم وقف عن جلسته وبدأ ينزع عنهُ معطفهِ الثقيل ليكون بـ بدلتهِ الكُحلية الأنيقة وتابع :
- اتفقنا، سلام

ترك الهاتف ثم وضع المعطف على الشماعة الخشبية حينما طرق "عبد اللطيف" الباب :
- أدخل

دلف "عبد اللطيف" قلقًا بعدما سمعهُ من أخبار عن وجود تفتيش دوري سيكون لمدة يومان من العمل.. تنغض جبين "يزيد" وهو يقرأ تعابير وجهه، ثم أشار له كي يتقدم منه :
- في إيه ياأستاذ عبد اللطيف!؟ مالك متخشب كده وواقف مكانك!.. تعالى

ثم جلس مترأسًا مكتبهُ، تناول منه الملف وتفحصه سريعًا :
- باقي الورق اللي طلبته فين؟؟ وورق المُخالصة كمان؟
- من عنيا هروح أجيبهم

وهمّ ليخرج، فـ استوقفه صوت "يزيد" الصارم :
- أسـتاذ عبد اللـطيف!!

التفت له على الفور، أشهر "يزيد" الكشف أمام عينه وتسائل بـ بزمجره :
- من أمتى بنعمل الكشوف بالشكل ده!؟

دنى "عبد اللطيف" قليلًا ليدقق ببصره و :
- هو صحيح شكله مختلف لكن المهم إنه سليم وانا راجعت عليه بنفسي!

ضاقت عينا "يزيد" قليلًا مستهجنًا ردهِ و :
- ده من أمتى؟؟ أنا طلبت نغير الـ system بتاعنا؟

فـ أطرق "عبد اللطيف" بصره و :
- لأ، بس الموظفة الجديدة اللي بتـ...........
- نـــعم!!!

نهض "يزيد" عن جلستهِ وقد انفعل بالفعل وهو يصيح فيه أثناء دورانهِ حول المكتب :
- موظفة جديدة يعني إيه؟؟! من أمتى بتدخل نملة هنا الشركة من غير علمي!.. بتعين بمزاجك ولا إيه؟

ثم أشار لمقعده وتابع ساخرًا :
- ده انت تقعد مكاني وتمسك انت المجموعة بقى!

فـ هز رأسهِ نافيًا و :
- لأ سعادتك أنا بس آ.......

فـ لم يمهله حتى فرصة الدفاع والتبرير وكاد يفصلهُ عن عمله جراء إقدامهِ على فعل ليس من تخصصهِ :
- دلوقتي بقى هتنفعك بـ إيه الموظفة بتاعتك لما أقولك إنك اتفصلت و......

فـ قطع "عبد اللطيف" حديثه و :
- لأ ياباشا مش انا، مستر يونس بنفسه هو اللي عينها، أنا بدربها بس لحد ما تخلص دراسة وبعدها تتعين رسمي

انتفخت عيناه الجاحظة غير مصدقًا ما فعلهُ شقيقهُ و :
- يونـس!! من أمتى يونس بيعين حد ولا بيتدخل في الموظفين! وكمان بتدرس و.........

انقطع صوتهِ فجأة وغير مجرى حديثه :
- روح هاتلي البنت دي، بسرعة

هرول "عبد اللطيف" ليخرج، بينما ضرب "يزيد" كفًا بكف و :
- إيه الحركات المتسرعة دي يايونس!

ثم نظر للكشف من جديد، رغم شكله المنظم ولكنه لم يروق له.. فـ تركه من جديد و :
- فاتحينها مؤسسة حكومية وانا معرفش!

انتظر على أحر من الجمر رؤية تلك الفتاة الجديدة، بالطبع لم يخطر حتى على عقلهِ بإنها "نغم".. وكيف يخطر بباله وهو الذي نسى حتى حوارهم الذي أقسمت بعدهِ أن تثبت من تكون؟!.
فتح "عبد اللطيف" الباب وأدخلها حينما كان "يزيد" ينظر متشوقًا لرؤيته، ولكن انطفأ تشوقهِ وتبدل بـ صدمة لم يصدقها عقلهِ.. كارثة بكل المقاييس من وجهة نظرهِ، على عكسها هي التي كانت تبتسم مُثيرة استفزازهِ.. وكأنها تُبلغه بإنها انتصرت وأصبحت موظفة بالمكان الذي قال هو إنها لا تستحقهُ.
أشار "يزيد" لـ "عبد اللطيف" و :
- أطلع برا ياعبد اللطيف

فـ خرج على الفور معتبرًا ذلك تبرئة له مما كان سيلقاه.. بينما خطى الأثنين في وقت واحد نحو بعضهما وهو يقول متذمرًا :
- أنتي بتعمـلي إيه هنا؟؟

فأجابت ببرود :
- أنا بشتغل هنا
- هـنا! ؟

ثم ضحك مستخفًا بها و :
- وانتي بقى تفهمي في إيه غير المطبخ عشان تشتغلي في شركة زي دي!

فـ اعتبرت ذلك إهانة لها وتقليل منها ولكنها تجاوزتهُ كي لا تكون المذنبة في أيامها الأولى و :
- أنت مجربتش شغلي، هعتبر حكمك عليا مجرد رأي هتغيره في أسرع وقت

وابتسمت مرة أخرى، مما جعله يشتعل أكثر وهو يقوم بطردها مباشرة :
- أنا معرفش إنتي أقنعتي يونس إزاي عشان تشتغلي هنا، لكن اللي اعرفه إني مش عايز أشوفك هنا

فـ بدأت عصبيتها تظهر رغم كفاحها المُضني كي تكبحها :
- أنت مش رئيسي المباشر عشان تدي أمر زي ده

ارتفع حاجبيه مدهوشًا من ردها الذي خالف أسلوبها المهذب الذي اتبعته منذ قليل و :
- أنتي كمان بتردي عليا!!

ثم صاح فيها فجأة :
- رئيسك المباشر ده موظف عندي ممكن أمشيه حالًا لو عايز

فـ ناطحته بالرد كأن رؤوسهن متساوية :
- وأنا جاية هنا بتعيين من أستاذ يونس، يعني انت ملكش دعوة

وتابعت بثقة رافقها صوت لين قليلًا :
- أنا دلوقتي بشتغل في المكان اللي انت قولت إن عمرك ما هتقبلني فيه

اقتربت منه وقد وضعت ناظرها على ذرة غبار تكاد لا تُرى، وقالت :
- الإفضل إنك تتقبلني ، مش معقول هتعمل مشكلة مع أخوك حبيبك توأمك عشان حاجه تافهه زي دي

ثم نثرت ذرة الغبار تلك عن سترته وسحبت يدها سريعًا وهي تقول :
- كان في ترابه شيلتها

ثم ابتعدت عنه و :
- صباح الخير يامستر يزيد

تركته محدقًا بصره على تلك البؤرة التي لمستها بأصبعها من لحظات، ثم انتقل بصره للباب الذي خرجت مسرعة منه.. فغرت شفتيه، ورفع كفه يمسح به إلى ذقنهِ وقد تسلط بصره على الفراغ وهو يهمس لنفسهِ بصوت خفيض :
- بقى دي حركة تعملها فيا يايونس؟ بتفرح فيا حتة بت مش فالحة غير في الطبيخ!

ثم تحرك نحو المكتب ليسحب هاتفه محاولًا الإتصال به :
- طب ياانا يا هي بقى يايونس!
............................................................................

رفض "يونس" المكالمة للمرة الثالثة وهو يقف أمام الغرفة التي تم نقل "إبراهيم" بها بعد أن قضى طوال الليل في قسم العناية المركزة.. كان ممتعضًا للحد الذي لا يسمح له بسماع شئ أو التكلم عن شئ.
دسّ الهاتف في جيب بنطاله ورفع بصره ينظر للطبيب الذي أنهى للتو عمله وشرع يخرج ومن خلفهِ "ملك" التي انفطرت من البكاء بالداخل وتماسكت بصعوبة.
جذبها "يونس" إليه لتقف بجواره ونظر للطبيب وهو يسأله :
- ها يادكتور؟

لم ينطق الطبيب بكلمة واحدة، فقط نظر إليه بنظرات عاجزة توحي بـ اقتراب النهاية إن لم تكن تلك هي النهاية.. غمز له "يونس" كي يعطي قليل من الأمل لـ "ملك" التي سألت بتلهف :
- قول حاجه والنبي

فـ زفر وهو يقول :
- مكنش صح إنه يمشي من المستشفى من الأول بس إحنا بنحاول نتفادى الموقف وهنعمل اللازم، متقلقوش

أشار الطبيب لـ مُساعدهُ كي يلحق به، فـ سار "يونس" وهو يساندها نحو المقعد وحاول تهدئتها :
- أهدي ياملك أنا مش عارف أفكر طول ماانتي كده

فـ جففت دموعها وحاولت إبداء قوتها حتى لا يراها "إبراهيم" هكذا عندما يفيق.. هزت رأسها مستجيبة له و :
- حاضر
- هجيبلك ميا وارجع

ووقف كي يذهب، تعقب الطبيب حتى استوقفه.. وسأل مباشرة :
- المفروض نعمل إيه؟

مط الطبيب شفتيهِ معلن عن فشله و :
- خلاص ياأستاذ يونس، اللي بعد كده بتاع ربنا.. الحالة وصلت لمرحلة مفيش فيها حل غير الإنتظار

شبك أصابعه وهو ينهي حديثه :
- متأسف، عن أذنك

أمسك "يونس" جبهتهِ وضغطها بأصابعه.. لم يعد بـ إمكانهِ التدخل بعد الآن، خرج الأمر عن قدرتهِ أساسًا.

وضعت "ملك" يدها على قلبها المقبوض واجتهدت كي تنظم أنفاسها وهي تنظر على الباب الذي يفصل بينهما، تتخيل الآن والدها ينهض من فراش المرض ويخرج من هذا الباب ويعنفهم بشدة كي يغادر المشفى، تمنّت ذلك وبشدة.. ولكن طال انتظارها وهو لا يخرج.
أجفلت جفونها وهي تتنفس بصوت مرتفع، فـ استمعت لصوت أنين متألم، رفعت بصرها لترى تلك السيدة التي تستند على عكاز وساقها ملفوفة بالجبس يبدو عليها الكسر.. تحسست "ملك" تلقائيًا ذراعها الذي تحرر من تجبيرتهِ مؤخرًا وكأنها أحست بهذا الألم الذي حفظت شعورهِ.. وبعفوية زائدة كانت تنهض كي تساعدها على المشي بعدما أشفقت عليها :
- تحبي أساعدك؟

فـ ابتسمت لها السيدة و :
- ياريت يابنتي، الواد إبني ربنا ياخده سابني مش قادرة أخرج لوحدي

ثم أشارت برأسها :
- وصليني بس للتاكس اللي قدام المستشفى أختي مستنية هناك

فـ رحبت "ملك" بذلك وكأنها سعدت لتقديم المساعدة لها.. ساندتها وسارت بها رويدًا رويدًا، وبعدما نزلت بها للطابق الأسفل بواسطة المصعد قادتها لباب الخروج وهي تسألها :
- لسه رجلك وجعاكي؟

فأومأت السيدة وهي ترمي ثقلها على ذراع "ملك" مستندة بـ أريحية :
- آه، ربنا يشفيني يارب
- يارب إن شاء الله

خرجت بها "ملك" من بوابة المشفى وهي تبحث بنظراتها:
- فين التاكسي اللي مستنيكي؟

فأشارت السيدة بالعكاز نحو الصف الآخر :
- هناك أهي، وصليني اللهي يكرمك يابنتي

فـ نظرت "ملك" يمينًا ويسارًا قبل أن تعبر بها الطريق.. ثم سارت بها نحو السيارة، فتحت إحداهن الباب الخلفي وترجلت منه.. سيدة بدينة ترتدي عباءة سوداء وعلى رأسها الحجاب الأسود، ابتسمت في وجه "ملك" وهي تشكرها بـ امتنان :
- تسلم رجليكي ياحببتي

فأجابت "ملك" بعفوية :
- تسلمي

فـ استندت السيدة على كتف "ملك"وهي تطلب :
- دخليني بس يابنتي، براحة

ساندتها "ملك" و :
- ادخلي براحة طيب

استقرت السيدة بالخلف وانحنت "ملك" كي ترفع ساقها المكسورة وتضعها داخل السيارة، فـ إذ بالسيدة الأخرى تكتم أنفاسها بقطعة قطنية كبيرة مغموسة بمحلول مخدر بعيدًا ، لم تلبث "ملك" أن تحاول التخلص من كفيها إلا وقد فقدت وعيها بعدما اشتمت رائحة هذه المادة الغريبة.. فـ دفعتها السيدة لداخل سيارة الأجرة وأسرعت بالجلوس في المقعد الأمامي وهي تردف :
- أطلع بسرعة من هنا

لحظة وكانت السيارة تطير طيرًا من على الأرض لتنتقل بها إلى حيث طُلبت و ...
يتبع.....
لقراءة الفصل الرابع والثلاثون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات