القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم ياسمين عادل

  رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم ياسمين عادل
 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم ياسمين عادل

"هـدوء ما قـبل العـاصفة."
__________________________________________

منذ الصباح أحرق كمًا هائلًا من السجائر، حتى إنهُ أنهى أكثر من علبة في ظاهرة لم تحدث من قبل..
دعس "يونس" آخر سيجارة أنهى بها علبتهِ الرابعة، ثم تناول هاتفه ليخطف نظرة سريعة إن كان يوجد شئ ما فاتهُ أثناء شروده، رسالة أو مكالمة فائتة أو ما شابه، ولكن خاب ظنهِ.
نفخ "يونس" الدخان بـ انزعاج شديد ونهض عن جلسته ليقف أمام النافذة العريضة.. وتمتم إينذاك :
- ياترى عملت إيه؟؟ وإيه خلاك تختفي من امبارح!

طرق الباب ودخل قبل أن يأتيه الرد.. فـ التفت "يونس" حينها ليرى من ذاك، ليتفاجئ بـ "عيسى" أمامه.. فـ خطى نحوه وبنظرات امتزجت بالقلق تسائل :
- أنت فين ياعيسى من امبارح! ؟
- كان في مهمة بخلصها

فتح "عيسى" هاتفهِ وناوله لـ "يونس" وهو يفسر :
- ده بيت ربيع وأمه، حاجه كده على قدها خالص

تفحص "يونس" الصور التي التقطها "عيسى" بحرفية لزوايا المنزل القديم من الخارج والتي أدلّت على حالهم المُفتقر.. راح يُكبر في الصور ويصغرها مُدققًا بأقل التفاصيل، بينما استأنف "عيسى" ما حصل عليه من معلومات :
- الواد ده كان عليه أقساط ميكروباص وصاحب الميكروباص كان يوميًا بيفضحه عشان الأقساط دي، في يوم وليلة سددهم كلهم وكمان بيعمل للميكروباص عمرة دلوقتي

فـ أفتر ثغر "يونس" بسخرية وهو يعقب :
- طبعًا، الربع أرنب اللي لهفه في جيبه اتصرف وجاي عايز تاني

فتابع "عيسى" :
- ده غير إنه متجوز وعنده ٣ عيال والرابع في السكة

ارتفع حاجبي "يونس" تلقائيًا وهو يتلقى خبر گهذا، بينما كان "عيسى" يختم المعلومة قائلًا :
- متجوز أتنين وعايشين في بيت واحد مع أمه
- الله!

ترك "يونس" الهاتف جانبًا وبدأ يحلل بتفكيره شخصية ذلك الـ "ربيع" :
- واحد زي ده شكله برميل فلوس، عايز ملك واللي هيسيبه أبو ملك.. وأهو يبقى خد الجمل بما حمل

ثم ضرب "يونس" على سطح المكتب وهو يقول بغِلظة :
- بس ده على جثتي يحصل، لو فكر بس في أحلامه يتعرض لها بحجة أمه اللي عامله فيها مسكينة وبتدور على أختها كأنها عيلة تايهه، أنا هــفـرمهُ من غير ما أفكر ثانية واحدة

فسأل "عيسى" بفضول اعتراه :
- عايز تعمل إيه ياباشا وانا معاك؟ لو عايز أجيبهولك متكتف لحد عندك أعتبره حصل

فـ نفى "يونس" رغبته العدوانية رغم أن داخله يعج بمشاعر العداء الصريحة :
- تؤ، إحنا مش هنبدأ بالغلط، أما أشوف أخرته إيه عشان مبقاش ظالم.. ولو على الفلوس، أنا هغرف وأديله بس ينسى أسم ملك خالص والشويتين بتوع بنت خالتي ولحمي وعضمي والكلام الفاضي ده

ربت "يونس" على كتف "عيسى" وهو يثني على كفائتهِ وسرعتهِ و :
- تسلم ياعيسى، أنت كل مرة بتكون قدها وزيادة
- تحت أمرك ياباشا

ثم حمحم قبل أن يستطرد :
- في حاجه، غالية

أشاح "يونس" بوجهه بعيدًا وهو يمنع العصبية من أن تتسلل إليه ، بينما قال "عيسى" بصراحة مطلقة :
- بتراقبنا من بعيد ياباشا

تلك الشمطاء التي يُحيل بينه وبينها فقط ذكرى زوجتهِ الغالية.. لولاها لـ كانت "غالية" الآن في خبر كـان، لم يكن لـ يصبر عليها كل ذلك، ولكنها تستنفذ صبره وقد انتهت فرصها لديه، وما هو قادم سيكون بفضل أفعالها هي فقط.
.............................................................................

گعادتهِ في الآونة الأخيرة، عصبي مُنفعل دائمًا وسريع الغضب لأتفه الأشياء.. كونه لا يستطيع التأثير على "رغدة" كي تترك له على الأقل حصة من أسهمها يُثير جنونهِ وشكوكهِ في آنٍ.. هو يؤمن إنها لم تنسى زوجها السابق والذي جمعتها به قصة غرامية قبيل الزواج، ولكنه يكافح لتجاوز هذا الشعور كي يصل لمبتغاه الدنئ في النهاية وأن يكون رسميًا أحد شُركاء هذه المجموعة.
كان "معتصم" يتحدث في هاتفه بـ اقتضاب وهو يتلقى الأخبار الأخيرة التي سعى كي يتعرف عليها فيما يخص زيارة الوفد الألماني للقاهرة خلال الفترة القادمة.. ترك زفيرًا قانطًا يترك ضلوعهِ وقبل أن يرد كان الباب ينفتح ويدخل منه "يزيد" بدون انتظار.. فـ انتصب "معتصم" في جلستهِ وهو يغلق مكالمته :
- هكلمك بعدين

أغلق المكالمة، فكان "يزيد" قد وصل بخطواتهِ نحو النافذة.. أزاح عنها الستار بينما "معتصم" يُطالعهُ بنظرات غريبة منتظر على الأقل تبرير لتواجدهِ هنا، فـ أردف "يزيد" كي يقطع عليه تفكيرهُ :
- مش هتوصل لحاجه، الوفد اللي جاي يونس بنفسه هيستقبلهم ويعملهم حفل استقبال يليق بينا.. والمشروع خلاص بقا قيد التنفيذ.. كل اللي بتعمله مش هيفيد بحاجه

ثم التفت يرمقه ببرود ناقض مشاعرهِ المتأججة :
- أنت بتصرف مجهود على الفاضي

أشاح "معتصم" بصره عنه، فـ استند "يزيد" بكفيه على سطح المكتب ليكون مائلًا عليه بزاوية ثمانون درجة مئوية، ثم هتف بنبرة اتشحت بالحقد :
- زمان أيام ما كنت بتيجي عندنا البيت نسهر ونذاكر سوا، نينة مكنتش بتطيق تشوفك.. كانت تقولي الواد ده قلبه أسود ومش بيحبك

ضحك "يزيد" ساخرًا من سذاجتهِ حينها و :
- بس انا عمري ما صدقت.. أنت كنت صاحبي الوحيد وأخويا التالت، مكنش ليا غيرك انت ويونس

اعتدل "يزيد" وهو يتسائل مشدوهًا :
- إزاي بتكرهني كده وكنت جمبي طول الوقت بتمثل دور المخلص المُحب!.. أنا كنت بقف جمبك في كل حاجه، لو طلبت عين من عنيا مكنتش هتردد

فـ وقف "معتصم" عن جلستهِ وقد بدأ يُظهر عدائيتهِ الغير مبررة والكراهية التي تغلف بها صوتهِ :
- أنت حطيت إيدك على المشكلة بالظبط، أنا مش عايزك تديني عينك.. مكنش لازم تفكرني دايمًا إن انت معاك وأنا لأ.. إن انت عندك وانا لأ، أن انت في إيدك وانا لأ

اقترب منه حتى أصبحت الوجوه مقتربة بشكل كبير بينما نظرات "يزيد" المشدوهه عليه على غير استيعاب لما يُقال له لأول مرة :
- حتى البنت الوحيدة اللي انا حبيتها حبتك أنت.. هي فضلتك عني، وانت كسرتها.. سيبتها عشان رغدة، سيبت منها بقايا مينفعش حتى ألمها

تنغض جبين "يزيد" و :
- أنت بتكلم عن مين؟
- لميس، زميلتنا في الجامعة اللي عملت عشانك كل حاجه عشان بس تكون معاك.. وانت سيبتها أول ما عرفت رغدة، بعد كل اللي عملتهُ ده ولسه عايز تسألني ليه؟

حدقت عيناه به، إنه يستمع لكلام لم يسمعهُ من قبل.. والأسوأ إنه محفوف بالكُره، يرى الآن "معتصم" الحقيقي كما لم يراه من قبل.
ابتعد "يزيد" خطوة للخلف ينظر إليه متأملًا، لا يمكن أن يكون ذلك هو الصديق الذي آخاه منذ فترة وكان گـ ظلهِ!
لا يمكن أن يكون قد انخدع به بهذا الشكل.!
في حين لم يكتفِ "معتصم" بهذا القدر وراح يُخرج كل ما في صدرهِ :
- مفيش بني آدم يستاهل يكون معاه كل حاجه، بس انت كان معاك.. فلوس، شغل، شركة وأسهم بأسمك ومستقبل مضمون، ست بتعشق التراب اللي بتمشي عليه، فرحان ومبسوط وأخوك على طول في ضهرك، وعيلتك أسمها كفيل يحميك في بلد اللي ملهوش فيها ضهر بيموت.. عايز إيه تاني أكتر من كده! ، كان لازم يطلعلك شوكة تنغص عليك حياتك وتعرفك إن مينفعش حد يعيش وهو معاه كل حاجه

انقبض قلب "يزيد" وهو يضرب ضربات متتالية ليضخ الدماء، ولكنهُ في الحقيقة يضخ غضب امتشج بالحزن والذهول وخيبة الأمل والكثير من المشاعر..
لم يرمش رمشة، فقط لمعت عيناه لمعة مبهمة وهو يسأل فجأة وبدون أي مقدمات :
- أنت اللي جيبت رغدة اليخت في اليوم اللي روحت احتفل بيه معاك بالإتفاقية الجديدة ؟؟

فـ تنفس "معتصم" وهو يجيب :
- أيوة أنا

فـ تأكدت شكوك "يزيد" التي كانت تساورهُ منذ مدة ولكنها الآن حقيقة يعترف بها :
- وانت اللي دبرت لكل ده، خليتني شربت لحد ما سكرت ومحستش بنفسي وبعدين زقيت البت دي عليا عشان أصحى ألاقي نفسي على سريرها ورغدة تكتشف قد إيه أنا إنسان خاين، صح؟؟

فـ صفق "معتصم" وقد أنبعجت شفتاه ببسمة مستخفة و :
- شاطر، أخيرًا فهمت

لم يكن قادرًا على كبح جماح إنفعالهِ أكثر من ذلك، حتى إنه تأخر على إظهار عصبيتهُ.. حيث انقضّ عليهِ وأطبق على عنقهِ يخنقهُ وهو يهدر فيه :
- ياخسيس ياو×××، ده انت كلت عيشي وملحي ودخلت بيتي يا ××××× يلعن آ ××××××× اللي عرفتك فيها

سدد له "معتصم" لكمة في جنبهِ الأيسر كي ينفك منه ولكن "يزيد" قد أصابهُ العمى ولم يعد يشعر سوى بـ حريق رأسهِ ومازال يضغط ويضغط متعمدًا إهدار روحه وإن كلفهُ الأمر حياته بعد اعترافهِ الخطير.
دلف "سيف" أثر صوت الصباح والضجيج الذي خرج من المكتب ليجد هذا المشهد المُفجع، أوفض يتدخل ليحل بينهم ولكن دون جدوى :
- مستر يزيد مينفعش كده، هتودي نفسك في داهية
- الـ ××××× ابن الـ ××××× أنا هاخد روحــك

تجمع الموظفين أمام الباب وهم يتهامسون ويتلامذون عما يحدث، حتى شقّ "يونس" جمعهم وهو يصيح :
- إيه اللي بيحصل هنا ده!! كل واحـد على مكـانهُ

صُعق من هذا المشهد وثلاثتهم متشابكين هكذا وقد فشل "سيف" فشل ذريع في الفض بينهم بل أصبح جزء من العراك أيضًا.. صفع "يونس" الباب وهمّ نحوهم وهو يصيح :
- أنتــوا اتــجننتـوا!! يــزيــد!

لم يكفّ لسان "يزيد" عن السبّ واللعن حتى بعد أن فصل "يونس" بينهما بصعوبة ووقف في المنتصف يصيح في كلاهما :
- نــسـيتوا نفسـكوا ولا إيــه!! إحنا هنا في شـركة!

ثم نظر بـ اتجاه "معتصم" الذي كان يسعل ويحك عنقهُ وأردف :
- شغل الشوارع ده مش هنا

فـ أشار "معتصم" برأسهِ نحو "يزيد" و :
- قول الكلام ده لأخوك، طول عمره إيده سابقة دماغه

فـ كاد "يزيد" يتهجم عليه من جديد :
- إما إنك بجح و ××××

فـ أمسك "يونس" به يمنعه وضغط على كتفهِ وهو ينظر إليه بنظرات مغزية :
- أهدا يايزيد، إيه اللي حصل خلاك شايط كده

فـ لم تبتعد نظرات "يزيد" عن عدوه اللعين الذي اكتشف إنه أشد لعنة من العدو نفسهِ.. اشتعلت نظراتهِ ورغب لو يسفك دمهِ بعد اكتشاف لعبتهِ الوضيعة كي يسرق زوجتهِ، ولم يجد أي تعبير يعبر به عما اكتشفه من فعل فادح، كيف يعترف بشئ مُخزي گهذا؟ ..
انسحب "يزيد" من بينهم وشرارات الغضب تتقافذ بصدره، فـ نظر "يونس" بـ اتجاه "معتصم" نظرات شزره أعقبها بتعليقهِ عما رأى :
- أنت مش هتطول معانا، خلي اليومين اللي هتكملهم هنا يعدوا بسلام أحسنلك

فـ تمادى "معتصم" في حديثه معه :
- متهيألك، أيامي هنا مش هتخلص بالسهولة اللي انت فاكرها

فـ ضبط له "يونس" ياقتهُ وكأنه يذكرهُ بالإهانة التي تلقاها منذ قليل وابتسم بفتور :
- هنشوف ، كلنا هنتفرج ونشوف

ثم نظر "يونس "حيال "سيف" كي يتبعه وخرج كلاهما تاركين إياه بمفرده..
اعتقد "يونس" إنه سيلحق بـ شقيقهِ ليعرف ما الذي أدى به لهذه الحالة الهائجة، ولكنه اكتشف إنه غادر مباشرة ولم ينتظر.. حاول الإتصال به ولكن لم يستطع الوصول إليه بعد أن أغلق "يزيد" هاتفهِ كليًا ، كان في حالٍ لا يُرثى له.. طيلة الفترة الماضية كان يُكذب شكوكهِ حيال "معتصم" حتى بعد أن أبدى ردود فعل عدائية واضحة وضوح الشمس.. بقيت بداخله رغبة تبرئتهُ من فعل مُشين گهذا، ولكنه بالفعل قد فعل.
اقتاد سيارتهِ لا يعلم لـ أين وجهته؟.. فلم يشعر سوى وهو يعبر البوابة المؤدية لمنزل جدتهِ العجوز صاحبة النظرة الصائبة الأولى في "معتصم" والتي كشفت عن نواياه السيئة منذ سنوات.. ترجل عن سيارته وتركها بمفتاحها، استقبلتهُ "خديجة" بترحاب وأدخلتهُ فـ صعد مباشرة لغرفة "كاريمان".. الآن تحديدًا يريد رؤيتها، يريد أن تشاكسهُ وتنفعل عليه گعادتها، أراد أن تُطفئ نيران صدرهِ التي لا تخمد مهما فعل .
كانت "كاريمان" مشغولة حينها بصنع وشاح من خيوط الصوف الأحمر القاني، فـ انتبهت لتواجدهِ وراحت تتحدث بـ أريحية :
- أنا مش فاهمة حاجه، ملك من ساعة ما جت امبارح مأكلتش ولا شربت، عماله تعيط ومخرجتش من أوضتها
- كل حاجه هتعدي يانينة

قالها بـ اقتضاب وهو يوليها ظهره ويقف قبالة الشرفة، فـ تركت "كاريمان" ما تقوم به واستندت على عصاها وخطت نحوه، وضعت كفها على كتفهِ وهي تسأل بنبرتها الحانية التي تُحيي الوصال :
- مالك ياحبيبي؟

منع "يزيد" نفسهِ من الخضوع لرغبتهِ في البكاء وسرد بـ إيجاز :
- كان عندك حق في كل كلمة، من أول يوم شوفتي معتصم ومكنتيش طيقاه.. صاحب عمري خاني يانينة، مرة لما كان بيضحك في وشي وكان جواه بيحقد عليا، ومرة ولما أخد مراتي، ومرة كمان النهاردة

ثم نظر من طرفه متابعًا :
- معتصم هو اللي دبر كل اللي حصل ليلة اليخت، يعني حتى رغدة كانت ضحية

اتسعت عينا "كاريمان" و :
- إيـــه؟

تركها واقفة وخطى بعيدًا عنها، جلس على طرف الفراش ووضع قبضتهِ المتكورة على قلبه مباشرة و :
- قلبي واجعني أوي يانينة، عايز أعمل أي حاجه تشفي غليلي.. عايز أرتاح مش عارف

وترقرقت عبرة انسالت حتى اندفنت بين بصيلات ذقنه ومازال يتحدث بصوت غلب عليه القهر :
- مش قادر أنسى اللي حصل

جلست "كاريمان" بجواره وقد أحزنها رؤيته هكذا، ضعيف وقليل الحيلة.. مستسلم لحزنٍ لا يفارقه منذ تلك الليلة المشؤومة، جذبتهُ برفق حتى وضع رأسه على ساقيها.. ومدد ساقيه على الفراش ، غرزت أصابعها في شعره تُمسدهُ برفق بالغ و :
- حاسه بيك ياحبيبي، بس مفيش حد بيتعلم ببلاش.. لازم تتغلب على حزنك وتكمل طريقك، الزعل مش هيفيد بحاجه يايزيد

أطبق جفونهُ ليُفرغ ما احتوته من دموع و :
- الزعل ده الحاجه اللي مخلياني مكمل، هو اللي مخليني مُصر أخرجهم من حياتي.. لازم يندموا يانينة، هو عشان عاش جمبي عامل صاحبي وهو عدوي، وهي عشان صدقتهُ وساعدتهُ، أستخدمت ضدي حق مش حقها ودخلته شركتي وشركة أبويا وهي متعمدة تنتقم مني رغم إني مخونتهاش حتى في أحلامي

كادت تتفوه ببعض المواعظ لكنه قطع حديثها متابعًا :
- أنا عايز أنام يانينة، عايز أنسى

فكانت يداها الأثنتين تساعداه على ذلك، إحداهن تداعب رأسه وشعره والأخرى تربت على كتفه بهدوء شديد.. هو مغمض العينين ولكن عقلهِ متيقظ لا يستطيع التخلص من حصارهِ وتفكيره الذي لا ينتهي قط.. أقنع نفسه بإنه سينام حتى رغمًا عن عقله، حتى غط في النوم واطمئنت "كاريمان" على سبات جسدهِ وتنفسهِ.. فـ رفعت كفيها وأبعدتهم عنه وظلت على وضعيتها قليلًا كي لا توقظهُ.

حينئذ حضر "يونس" بعد أن علم بوجود "يزيد" هنا، في البداية اندهش قليلًا كونه لجأ لـ "كاريمان" ولكنه تقبل الفكرة وذهب إليهم على الفور.
صعد لـ غرفة "كاريمان" وكاد يفتح الباب إلا إنها فتحته لتخرج منه، فـ أشارت له كي يلتزم الصمت وهمست :
- نام، مش عايزاه يصحى دلوقتي

فـ اشرأب "يونس" برأسه ينظر له فـ إذ به مستكينًا بـ ملابسه على فراش جدتهم.. تضايق داخله وهو لا يعرف حتى الأن ما الذي أدى به لهذه الحالة؟.
خطى للداخل بعدما أشار برأسه لـ جدته متفهمًا رغبتها في أن لا يوقظه، دنى منه، وتفرس النظر إليه قليلًا، كان وجهه باهتًا وطرفي أهدابه علقت بها قطرات صغيرة من الدموع.. فـ أطبق جفونهِ يعتصرها بقوة غاصبًا نفسهِ على الهدوء، أيًا كان ما حدث بينهما فلن يترك "يونس" الحكائة هنا، لن يتهاون مع "معتصم".. أبدًا.
..........................................................................
نهضت "نغم" عن مكتبها الصغير والمؤقت الذي تم إعداده في وقت قصير لـ استقبالها وتحركت نحو الطابعة كي تأخذ الأوراق التي قامت بطباعتها عن طريق الحاسوب.. خطفت نظرة سريعة على تطابق الأوراق للمواصفات الشكلية، ثم خرجت كي تدخل لغرفة "عبد اللطيف".. مدير الحسابات والمسؤول عن فترة تدريبها، ناولته الأوراق بتهذيب و :
- أتفضل ياأستاذ عبد اللطيف

تناولهم وهو ينظر للحاسوب وبدون أن يطلع عليهم، ثم أردف وهو في أوج تركيزه :
- البشمهندس مشي من شوية لو كنتي خلصتي قبل كده كان زمانه على مكتبه

فتسائلت بفضول :
- مين البشمهندس!

فـ رفع بصره عن الحاسوب ونظر نحوها وهو يقول :
- مستر يزيد، هو اللي كان طالب كشف الحساب

فـ ازدردت ريقها و :
- آه، ماشي
- كملي الحاجات التانية وهاتيها وبعدين بكرة هبقى أسلمه الملفات بنفسي
- حاضر

خرجت وهي تلتقط أنفاسها بتسارع، وغمغمت بصوت منخفض :
- يعني أول حاجه أعملها في الشركة دي تبقى كشف وهو كمان اللي طالبه!

جلست على مكتبها وهي تطلق تنهيدة و :
- الحمد لله إنه مشي، على الأقل مش هنتقابل من أول يوم

وتابعت بعض الأعمال المتبقية كي تُنهيها وتتخلص من أعباء اليوم الأول.. وكأن مُديرها المباشر ارتاح قليلًا بعدما كلفها بالأعمال الموكل هو بها، وبقيت هي منذ اليوم الأول في دوامة العمل.
...........................................................................

استعد "يونس" لزيارة "ملك" بعد أن فشل أمس في التحدث معها، سيكون لقاء حزين بالطبع، فهي لم تتحدث منذ الأمس ولم تفتح فاهها بكلمة مع أحد.. فقط تفكر وتبحث في عقلها عن إجابة تُرضيها.
كانت "خديجة" على وشك الدخول وهي تحمل كوب من الحليب الدافئ وصحن من البسكوت الصحى المخبوز في المنزل، ولكنه أستوقفها و :
- ديچا، اللبن والبسكوت ده عشان ملك؟
- آه، يمكن ترضي تاكل أي حاجه

فـ أومأ وهو يتناولهم منها، ثم دلف هو بنفسه.. كانت الغرفة شبه مُظلمة بعد أن غطت الشرفة بـ ستار سميك قاتم لتحجب عن إضاءة الخارج، خيط رفيع من الضوء فقط ينير إنارة خافتة.
أغلق "يونس" الباب وترك الحامل على الطاولة، ثم دنى من فراشها، كان مُدثرة بالكامل حتى وجهها.. كأنها تهرب من الجميع، فـ مد يده بـ خفة وسحب الغطاء عن وجهها ببطء وروّية.. لم يتبين له ملامح وجهها بدقة ولكنه رآها، بدت منهكة مُتعبة، فـ مد أطراف أصابعه ليُبعد بخصلات شعرها القصيرة عن جبهتها وعنقها.. تململت في نومتها وقد وجهت وجهها نحوه، فلمح آثار الدموع التي كشفت عن بكاءها حتى في نومها.. أخرج منديل من جيب معطفهِ وقد تعبأ برائحتهِ، ثم قربهُ برفق لـ يمسح على وجنتيها، اشتمت أنفها رائحته المميزة فـ بدأت تستجيب للإستيقاظ الذي ترفضه.. تحركت جفونها بحركة عشوائية، فـ همس "يونس" وهو يحاول إيقاظها :
- ملك؟ أصـحي

فـ هزت رأسها هزتين وخرج صوتها متحشرجًا :
- مش عايزة أصحى، عايزة أنام على طول

وترقرقت دمعة أخرى مصحوبة بعبارتها :
- عايزة أنام للأبد

فـ تمسكت يداه بكفها الساخن وضغط عليه وهو يردف بعمق متعمدًا أن يتخللها :
- مينفعش، أنا مقدرش آ.. أسيبك
يتبع.....
لقراءة الفصل الثالث والثلاثون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات