القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والحادي عشر 111 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وحادي عشر 111 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وحادي عشر 111 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وحادي عشر 111 بقلم ياسمين عادل


أمَّا بَعد ؛ لَن أُحبَّ أحدًا بعدك.
أمَّا قبل؛ فأنا لم أعرف الحُبَّ إلا بكِ. "
____________________________________
طفى بجسدهِ على سطح الماء، ونفض رأسهِ من المياه العالقة فيها. لم يجد سواها ليسدد إليها نظراته العدوانية، ليجدها تكبح ضحكة شامتة ببالغ الصعوبة، بعدما لقى نظير فعلتهِ معها من قِبل" كاريمان". في حين آتاه صوتها المحذر :
- إياك تعمل كده مرة تانية، أتعلم بقى إزاي تكون راجل شيك في هزارك.
أومأ رأسه بتفهم وكأنه يحاول فقط إصرافها من هنا، حتى تسنح له الفرصة لكي يتصرف معها بحرية، فـ تحركت "كاريمان" بالفعل، حينئذ استشعرت "نغم" بوادر غدرٍ منه، فـ بدأت تتحرك بعيدًا عنه ببطءٍ، حيث تحكمها المياه التي تُثقل حركتها، لكنه كان الأسرع نحوها، وارتفع بجسده ليقفز قفزة يطالها بها. شهقت "نغم" حينما أحست بيديهِ قد طالتها، وانفجرت ضاحكة بدون وعي منها وهي تهتف :
- أنا ماليش دعوة مش انا اللي زقيتك.
أدارها لتكون في مواجهته :
- لولا إنك بدأتي ودلقتي عليا أزازة الميا مكنش كل ده حصل.
غطست بجسدها للأسفل كي تستطيع الهروب منه، فـ لحق بها مسرعًا قبل أن تفرّ منه، واجتذبها من أسفل الماء نحو السطح ، تناول أنفاسهِ بتسارعٍ ليقول :
- إحنا مش هنجري ورا بعض في البسين كمان، كده كتير.
مسحت على وجهها الغارق في المياه، وشعرها الذي تشبّع به، وأردفت بـ :
- كفاية كده، ممكن تسيبني أطلع بقى.
شرد لوهله، تعامد الشمس على وجهها مضفيًا عليه لون كريستالي لامع جعله ينجذب بدون مقدمات، كأنه انخطف على حين غُرة، وهو يرى تأثير لمعان وجهها بالماء، لا سيما شفاها التي تُقطر وكأنها زهرة، يتدلى منها زخّات المطر.
كان يرنو إليها بنظراتٍ غير مسبوقة، أكثر جرأة وأشد تأثيرًا عن سابقتها، وتضاعفت رغبته في النيل من شفتاها اللاتي تُقطر حبات من الندى ، متشوقًا لإختبار إحساس جديد من نوعه معها، وعاجزًا عن الإنتظار لأكثر من ذلك. تجرأ وبدأ يدنو برأسهِ منها، ويميل عليها ببطءٍ لم تحسهُ من فرط إندماجها مع نظراتهِ المُسكّرة لحواسها، دفعتهُ لأن يظن إنها قبلت بذلك، وحينما تأهبت شفتاه للقبض على فريستها، تفاجأ بها تعضّ ذقنهِ وتغرز أسنانها فيها، فـ انتفض مبتعدًا عنها وهو يصرخ بتألمٍ :
- آه.. يابنت المجانين!!.. بتعضيني !؟.
فـ داعبت وجنتهِ ببراءةٍ وكأنها لم تفعل شيئًا، وأردفت بنبرةٍ وديعة لا تناسب أبدًا فعلتها الشرسة :
- لأ ياحبيبي، أنا بس كنت بقولك عيب بس بطريقتي.
دفعتهُ بقدر ما استطاعت من قوة، وبرشاقة مفرطة كانت ترفع جسدها على منصة المسبح لتصعد، بدون أن تنتظر الوصول إلى السُلم الحديدي. كاد يقبض على قدمها لولا إنها تفادت ذلك على عجلٍ ، وصوتها يصدر ما بين ضحكة رنانة، وبين صرخة خافتة مستغيثة، حتى تأكدت إنها ابتعدت بالقدر الذي يسمح لها الهروب منه. ركضت للداخل وهي تترك آثار المياه التي تتساقط منها من خلفها، حتى وقفت أمام الباب ونادت بـ :
- ديچا.
لتأتي "خديجة" إليها على الفور، بينما كانت تلتقط هي أنفاسها بصعوبة :
- من فضلك عايزة فوطة أنشف بيها نفسي عشان أقدر أدخل.
نظرت خلفها لتجد "يزيد" قد أقترب منها بشدة، فـ صرخت وهي تسرع بالدخول :
- لأ مش لازم، مش هتلحقي تجيبي الفوطة.
وركضت للداخل كي تحمي نفسها من تهورهِ، بعدما منحتهُ فعلتين غدّارتين متتاليتين، بالتأكيد لن يتركها هكذا دون ردّ على الأقل، فـ المشاكسة إحدى سماتهم التي لا يمرّ يومًا دونها.
*****************************************
منذ الضُحى، وهي على تلك الوضعية. استغرق الأمر كثير من الوقت حتى بدأت تستعيد وعيها من جديد، حيث مرت عليها سنوات طفولتها كلها گالشريط السينمائي، كأنها عايشتها من جديد بكل مرارها. ما آلمها أكثر،إنها كانت الطرف الذي تم التفريط به دائمًا، فرطت بها "منار" حينما خانت والدها، ومرة أخرى حين حملت بطفل زنى من غير زوجها، ومرة ثالثة حينما ذهبت للموت غدرًا، بينما لم يفعل "إبراهيم" سوى التفريط بها دائمًا، كانت الدُمية التي حركها كيفما شاء، حياتها، تعليمها، زواجها، وحتى معاناة ما بعد الزواج. لم يكن مثلًا يُقتدى به في الأبوة، ولم يحاول تعويض ذلك الفقد الذي تسببت به ظروف الحياة العاتية، بل كان حملًا ثقيلًا عليها أيضًا.
طوال ليلها كانت تحتضن دميتها، تلك الهدية الوحيدة التي تبقت من "منار"، والتي عاشت تُذكرها بماذا تكون هي، هي دُمـية.
نهضت "ملك" عن جلستها، بحثت عن مقص هنا وهناك، حتى وجدت واحدًا صغيرًا. تأملت دميتها، تمعنت النظر فيها، فـ منذ هذه اللحظة ستفتقدها. ستعدمها بلا رجعة، ليس فقط كونها هدية من أمها الخائنة، ولكن لأنها تُذكرها بضعفٍ كرهتهُ في نفسها، وتسبب فيما تعيشه من توابعٍ الآن. قصقصت الدُمية أربًا أربًا، وفي كل قطعة تقصها كأنها تشفي منها جزءًا. هذا المشهد ذكرها بلحظةٍ ما، لحظة حرجة قاسية مرت عليها، حينما قصقص زوجها السابق شعرها بشكلٍ مهين، فـ امتدت أصابعها تلقائيًا تتحسس شعرها القصير، وقبل أن يُخيم الحزن من جديد على وجهها، كانت تستعيد في ذهنها كيف عالجت "كاريمان" ذلك الجرح ورتقتهُ. حررت "ملك" زفيرًا مُعبئًا بهمومها، وتركت ثغرها ينفرج قليلًا بإبتسامة جاهدت لأن تكون مشرقة، بنفس اللحظة التي كان يستيقظ فيها "يونس" من نومهِ الطويل، وبحثت عيناه عنها ليجدها جالسة هكذا على الأرضية، فـ هبّ معتدلًا في جلسته، ونهض صوبها على الفور متسائلًا :
- بتعملي إيه ياملك!؟.
رفعت بصرها نحوه، وأجابت بيسرٍ غالب على نبرتها، كأن شيئًا لم يكن :
- حاجه كان لازم أعملها من زمان.
نظر لتلك الفوضى من حولها، فـ فهم على الفور إلام ترمي. مدّ يده لها كي تنهض، ورفعها بخفة كي تسكن أحضانهِ، وأثناء المسح برفق على ظهرها سألها :
- ارتاحتي؟.
هزت رأسها بصمت، ورفعت بصرها نحوها، گمن تتوق للنظر المطول إليه. منحها إبتسامة أضفت عليه أضعاف من الوسامة، ومرر أصابعه على ذراعها يداعبها بلطافةٍ، وهو يغرق بالنظر في عيناها الحزينة التي سقط صريعها. لم ينطق كلمة واحدة، حتى قطعت هي حاجز الصمت ذلك، بسؤالها إياه :
- مش هننزل ليزيد ونغم؟.
- تـؤ.. أنا ومراتي هنتكلم كلام مهم جدًا.
وداعبها أثناء تفحصه لطولها القصير :
- أول مرة آخد بالي إنك قصيرة أوي كده!
فنظرت لنفسها بتعجبٍ :
- قصيرة!!
وقارنت نفسها به وهي تتأمل طوله الفارع :
- إنت اللي طويل أوي عليا.
رفعها بذراع واحدة حتى أصبحت رأسها في نفس مستوى رأسه، وضحك ملء شدقيه وهو يتفنن في إنتزاعها من هذه الحالة :
- كده محدش أحسن من حد.
لم تفكر إنها ستفعل ذلك، ولكن وسط كل ما يقوم به "يونس" من مجهود جبار معها، كان عليها أن تخطو هي الأخرى منه. أحنت رأسها عليها، وأطبقت شفتاها برقةٍ على شفتيه تُقبله قُبلة صغيرة، وأبعدت رأسها وهي تردف بخفوت :
- شكرًا إنك موجود معايا.
انفرجت أساريره وهو يشعر ببوادرٍ من التغيير فيها، وتمادى معها ليُضيف ليلة أخرى لا تُنسى إلى لياليهم الطويلة، حيث خطى نحو الفراش وهو حاملها، وبصوتهِ المُغرد السعيد هتف بـ :
- ده يحيى وشه وش السعد علينا بأذن الله.
****************************************
للتو خرجت من المطبخ بعجلٍ، وهي تتحدث بهاتفها بشئ هام. كان يترقب خروجها ، وما أن خرجت حتى أوفض مسرعًا للمطبخ. نظر "يزيد" من حوله مدققًا، ليرى إنها كانت تصنع (مكرونة بشاميل)، بجانب العديد من الأصناف، بناء على طلب خاص من "ملك"، بأن تأكل اليوم من صنيع صديقتها. فتح المبرد واستكشف ماذا يوجد به، ليجد (صوص حار جدًا)، يضاف - مخففًا وبحذر - للأكلات. إلتمعت عيناه بشررٍ منتقم، وتناول الزجاجة على الفور وهو يُعجل من حركته، سكب منه كمية وفيرة بداخل طبق السلطة، كي لا يظهر اللون الأحمر القاني بشكل ملحوظ في الطعام. وسرعان ما أعاد كل شئ بمكانهِ، وهرع نحو الباب ينظر يمينًا ويسارًا، ما أن وجد الوضع مناسبًا لإنصرافه خرج مسرعًا قبيل أن تمسك به، وقد باتت خطتهِ الأولى معها جاهزة، وفي إنتظار تأثيـرها الحـار عليها.
يتبع.....
لقراءة الفصل المائة والثاني عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات