القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نهال مصطفي

 رواية الحرب لأجلك سلام الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نهال مصطفي 

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نهال مصطفي 

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نهال مصطفي 

لم تخل نظرات الجميع من الذهول والدهشه .. خرجت فجر وقفلت الباب خلفها .. فوقف هشام مستغربا
- خير يابسمه !!

اعلنت رايات التحدي وقالت
- هشام أنا حامل .. واخوك عاوزنى اقتل ابنه لتانى مرة .

عاد زياد لغرفته وقفل بابها متأففا .. أما عن هشام فانعقد جبينه بشده و انغمس عقله فى الأفكار السوداوية محاولًا تكذيب مغزى كلماتها
- نعم !! ازاى ! اهدى بس وفهمينى !! وبعدين مش أنت وزياد جوازكم على ورق بس !!

هزت رأسها نافية وهى تزيل دمعه انبثقت من طرف عينيها بمرارة .. فاطرقت قائله
- للاسف يا هشام .. ده اللى كلكم عارفينه ، لكن أخوك دخل عليا بدور العاشق الولهان .. اللى مش قادر يتنفس من غيرى ...

ثم توقفت لتتخذ نفسا عاليا تمنع به انهيارها
- وللاسف صدقته .. وفى المرة الاولى اللى دخلت فيها العمليات وكلكم مفكرين أنها الزايده .. كانت اجهاض وكنت هموت فيها لان البيبي كان كبير ..

أحست بضعف اقدامها التى اوشكت على الانهيار فتحرك بانتفاضة لتجلس على طرف السرير
- وبعدها وصل حاله زى ما انت شايف ، 4 سنين مكناش بنتكلم ولا بنستحمل نبص فى وش بعض ، بس هو رجع تانى وصحى كل حاجه جوايا .. وللاسف كنت بحبه صدقته وأدى النتيجة بيكرر نفس غلطه معايا .. وعاوزنى أقتل ابنه للمرة التانيه ..

تشعب الغضب بجوف هشام وتكاثر بلا رادع فبدت معالمه تتوهج كالجمر الاحمر ، كور قبضة يده بصعوبة وهو يستمع لها باهتمام .. فواصلت قائله
- الغلط مش غلط زياد لوحده ، أنا اللى غلطت لما فكرت نفسي أنه خلاص بقي جوزى عشان تحتة ورقه اتكتبت عند مأذون ..!!
احتشدت العبرات بمقلتيها مواصلة
- هشام أنا عايشه يتيمة معنديش الأب اللى يحمينى ويرجعلى حقى ، ومكنش عندى الام اللى تفهمنى أن كتب الكتاب مش هو اللى يخلينى أسلم بسهولة ، معنديش غيرك يجيب لى حقى ..

ثم وقفت مهزوزة البُنيان ممسكة براسها التى اوشكت على الانفجار
- أنا مستحيل ارجع لاخوك ، كل اللى عاوزاه ابن اتسند عليه بعدين ، عايزه أحس أنى عايشه عشان حد ، يعلن جوزانا شهر بس وانا اوعدك هاخد ابنى ومش هطالبه بأى حاجه ..

اخيرا خرت قواها منهاره امامه .. غير قادره على ايقاف ارتعاشة شفتيها
- والنبى يا هشام مش عايزه اعيش بذنب القتل للمرة التانيه ..

تشعبت النيران بجسده .. فتحرك بخطوات واسعه وغادر الغرفة ولازال متسلحًا بصمته الاشبه بهدوءٍ ما قبل العَاصفة .. متجهًا نحو غُرفة زياد التى اقتحمها كالثور الهائج .. فزع زياد من مخدعه وألقى هاتفه بعدما انهى مكالمته .. قائلا
- هى قالتلك !

انعقدت حبال هشام الصوتية وهو يركل الباب بقدمه بقوة .. وسبقت يداه لسانه ، فلكّم زياد فى وجهه بقبضة يده القويه جاهرًا
- أنت ناوي تنضف وتبقى بنى آدم امتى !!

تقهقرت حركة قدمى زياد للخلف إثر شدة ضربة هشام الذي لم يكف عن زمجرته ، جذبه من ياقته ثم ضربه مرة تانية شلت حركته للحظه فأسقطته فى منتصف مخدعه .. فأصبح صوت هشام كالرعد الذي جذب انتباه الجميع
- حتى بنت خالتك مرحمتهاش من قذراتك !! شغال ادارى عليك واقول بكرة يعقل ويتلم .. لكن شكل الرمرمه فى دمك !!

ركضت رهف وفجر لأعلى اثر قوة الشجار الذي ساد صداه فى المكان .. فوجدوا بسمة تقف بثباتٍ عكس دواخلها مغمضة عينيها مستنده على مقدمة ( درابزين ) السلم .. صاحت رهف
- فى إيه يا بسمة .. اي اللى حصل !!

اتت عايدة كالهائم على وجهه صارخه من أسفل
- فى إيه فوق ! زياد وهشام صوتهم عالى ليه !!

التزمت بسمة صمتها غير قادره على ايقاف ارتعاش ملامحها وكل إنشٍ بجسدها.. فضربت رهف الارض بقدميها ثم قالت
- فجر خليك هنا معاها .. وانا هشوفهم جوه ..

ركضت رهف نحو غرفة اخيها فلحقت بها عايده بلهفة أم .. فوجدوا هشام يأكل بغضبه خطاوى الارض ذهابا وايابا وهو يهذي كالمجنون وهو يشير على عايدة
- دى من دمك يا حيوان ! هو ده إكرام خالتك اللى فضلت تربي فيك 15 سنه فى حين أن ست عايده هانم مهتمة بالشغل والكيان والكارير ..

ثرثرة فضول رهف : ياجماعه فهمونى فى ايه ..!!
تسمرت عايدة فى مكانها مذهوله .. نصب زياد طوله وكأنه كالبركان المنفجر
- اديك قولتها يا هشام !! انا اجيب عيال وامرمطهم ليه ؟! ليه عايزنى اطلع عيال يشوفوا اللى احنا شوفناه ... الست عايدة هانم امنا اللى على الورق وبس من غير ما تحس دمرتنا هى وعماد السيوفى ... مكانوش متفقين ، اطلقوا بدل المرة اتنين وطبعا ست عايده كانت تتمسك بينا وسابتك انت لابوك ..

اتخذ انفاسه لاهثا
- ابوك اللى كان بيعاملك ولا معاملة الخدامين قال عشان يصنع منك راجل .. فكرهم المتخلف أنهم جابونا عشان يحققوا فينا احلامهم هما مش أمنياتنا ، والست عايده هانم اللى كان كل همها تلبسنا ماركات وكل طلباتنا مجابه لحد ما طلعنا مرضي نفسيين .. قبل ما تيجى تلومنى شوف نفسك عذبت كام واحده معاك .. واخرهم ميادة .. وكانت النتيجه إيه عجبتك بنت الفلاحين ونسيت نفسك يا سيادة الرائد !!

انقض هشام على ياقته وهو يرجه بقوة
- انت ايه يااخى مش لاقي شماعة تعلق عليها و***** .. ده عذر اقبح من ذنب .. الاقل انك كنت مرفه مقضي حياتك كلها دلع وطلباتك مُجابه .. أما انا قضيت حياتى مع ابوك وزرع فيا شخص عمرى ما اتمنيته ، بس ده مش معناه انى اروح اهبب اللى انت بتعمله ، عايش فى بركة مقرفة ..

- أنت جاى تلومنى أنا ليه !! هو انا ضربتها على ايدها يعنى .. منكرش إنى كنت بحبها فترة بس حاليا لا ..

دفعه هشام بكل قوته فارتطم ظهره بالخزانة فصرخت رهف واختل اتزان عايده التى وقفت مكبلة الايدي .. فقال هشام مهددا
- مكنتش متخيل أنك مريض للدرجة دى .. شوف كلمتين ملهمش تالت هتعلن جوزك عليها وابنكم يتربى فى وسطيكم والا من غير قسم يا زياد هنسي انك اخويا ..

انفجر بركان غضب زياد:
- لا يا هشام مش هعمل كده ، مش هخلف عيال من واحده مش بحبها مش هنعيد تاريخ عماد السيوفى .. انا خلاص اخترت اللى هكمل معاها .. موافق انى اعلن جوازى منها بس لما تنزل اللى فى بطنها الاول .. غير كده هسيبلكم البيت ومش هتشوفوا وشي تانى ..

انقض عليه هشام بكل مااوتي من قوة .. فالقت رهف بنفسها بينهم صارخه
- خلاص ياهشام مش كددده .
جهر هشام : ومين قالك انى هسمحلك تقعد فيها ياروح امك يلا بررره ... لما تتعمل تبقي راجل الاول ابقي ارجع ..

ارتفع صوتهم بالداخل ، وتفوق عليهم صوت فجر صارخه
- الحق بسمة يا هشام ..

اخذ منقار الخذلان ينخر برأسها .. فسقطت بسمة مغشيا عليها إثر صواعق كلمات زياد التى اخترقت قلبها على السلم متدحرجة فوقه حتى فقدت وعيها تماما ... ركضوا جميعا وراء بعضهم بسبب صراخ فجر التى اكلت خطاوى السلم بلهفة وهى تجثو على ركبتيها وتحاول افاقتها برعب
- بسمه بسمه فوقى يابسمه..

نزل زياد سريعا ليتحسس نبضها ثم قال
- نبضها ضعيف جدا ..
لم ينه جملته حتى هتفت رهف صارخه
-زيااااد الحق .. إى الدم ده !!!!!

تدخل هشام سريعا ليحملها ولكن سبقه زياد وحملها بين يديه .. فركضت رهف وعايدة خلفهم اما عن فجر وقفت مسلوبة الاراده لا حول لها ولا قوة غير الشعور بالشفقه على حالة بسمة التى تحرش بقنواتها الدمعيه .. فانهارت فى بكائها ..

الانسان لا يختار بلاءه .. لا يُفضل حُزنه على افراحه ، لا يتلذذ بأوجاعه طالما الشفاء ممكن ، قلبه يتمنى الحب دومًا ولكن لا يتمنى عذابه .. كل شيء خُلق حولنا جبرا فعلينا أن نأخذه بالرضا لنستمر .. لنحيا حياة لم نختارها يوما .. أن نظهر عكس دواخلنا دائما .. فالعالم به ما يكفيه ويفيض و لست بحاجة لجحيمك .. ولكن يظل التساؤل هنا : هل تبقت لنا أوجه صادقة خلف الاقنعة الكاذبة !!
■■■

- ( أمام غرفة العمليات )
وقفت عايدة أمام زياد محاولة استعياب جريمته الشنيعه التى لا تُغفر .. فرمقته بنظرات السخط والخسه
- أنت ازاى كده ، ازاى عايش معانا وانت جواك كل الارف والبلاوى دى !!
ثم انهالت على صدره بضربات جنونيه بدأت قويه فانهارت تدريجيا حتى خرت باكيه
- يعنى لما جيت تصلح غلطة صلحتها بمصيبة يا زياد !! قتلت ابنك بنفسك يا دكتور !! طيب ضميرك ما وجعكش !! مفيش ذرة رحمة على حالة المسكينة اللى بين الحياه والموت دى ..

تدخلت رهف بينهم محاولة تهدئة عايدة التى باتت كالمجنون الذي فقد عقله..فربتت على كتفها متوسلة
- ياماما اهدى عشان خاطرى ، هنتكلم فى البيت ..

انفجرت عايدة صارخه : بيت ايه اللى هيعتبه ، ده خلاص على كده مش عاوزه اشوف وشه تانى .. عيل مستهتر عديم المسئوليه !!

زفر زياد باختناق : ما بلاش انت بالذات تتكلمى يا كوين عايدة .. وانت اصلا تعرفى عننا إيه عشان تتكلمى .. نفعك اسم النورماندى ، نفعتك الصيحات والموضه والمؤتمرات !!

هبت صارخه وهى تضربه على كتفه : اااه نفعتك وانت راكب عربية منزلتش لسه مصر ، لابس ساعه بتمنها تكفل عيلة لمده سنه .. نفعتك لما سفرتك امريكا عشان تكمل دراستك هناك ، نفعتك لما رحمتك من الرميه فى المستشفيات الحكوميه وبقيت فى مستشفى تلتها بأسمك .. بس للاسف منفعتش تعمل منك بنى آدم محترم تحافظ على النعمه اللى فى ايدك ..

رجعت شعرها للخلف وهى تاخذ نفسها متوعدة وبنبرة متقطعه
- طيب طيب يا زياد .. انا اللى دلعتك وانا اللى هربيك ..

لازال يحترف ممارسة فن اللا مبالاه للحد الذي يمكن أن يركل الكرة الارضيه بقدمه ولا يهتم .. فاردف
- متلومنيش على غلط انت السبب فيه ..

قذف جُملته وغادر متجاهلا نظراتها التى تحاصرها هُنا وهناك ، سندت رهف أمها لتجلسها على اقرب مقعد ، وهى تحضنها بدفء
- والنبى ما تزعلى نفسك ...

لازال هشام واقفا مكانه يرقبهم بصمت .. فبات الكلام غير مُجديا كمن يحمل الدنيا على كتفه ولا أحد يشعر بمعاناته .. للحظه قرر أن يري العالم بعين أخيه محاولا ايجاد عذرا له ولكن كل الاعذار تبخرت فى ظل جرائمه ، لا يوجد عذر لانسان عاجز عن كبح أهوائه ، عن الركض المستمر خلف غرائزه ، من لم يتحكم بهواه ساقه .. حينها لا يمكن التفرقه بينه وبين الحيوانات الاخرى ..

بعد مرور اقل ساعة خرج الطبيب من غرفة العمليات وهو يرفع كمامته .. فتجمعوا حوله بلهفة
- طمنا يا دكتور !!

- اطمنوا مفيش حاجه مستاهله ، هى كويسه جدا بس للاسف فقدت البيبي ..
ثم وجه حديثه لهشام مواسيا
- ربنا يعوض عليك .. متزعلش نفسك ..
تلقى هشام جملته فأسر وجعها بنفسه .. فلازالت مصائب زياد ترسى على رأسه فى النهايه ، فتلهفت عايدة
- يعنى هى كويسه مش كده !

اومئ الطبيب ايجابا : بخير وممكن تخرج كمان ساعتين .. متقلقوش ..

تنهدت عايدة بارتياح وهى تسند رأسها على صدر هشام
- الحمد لله يارب انها بخير ..
أصيب هشام بصدمه إثر فعلها الجديد الغير متوقع .. فهى اعتاد ان تتسلح بالكبرياء والقوة .. رمقها طويلا بصمت فدوما ما تحمل نظراته اسرارا .. وربت على كتفها بحنان .. فرفعت انظارها الهالكه وهى تقول نادمة
- أنا السبب ياهشام فى كل ده ! معقوله أنا اللى دمرتكم !!

اردف بخفوت : مش وقته الكلام ده .. المهم الكلب ده لازم يتربى ..
■■■

شق صباح يوما جديدا ..وصل هشام ورهف وعايده بصحبة بسمه الى البيت .. فهتفت عايده بحنان وهى تسند بسمه
- على مهلك يا حبيبتى...يلا يارهف وصليها اوضتها ..
وقفت بسمه معارضه : انا عايزة اروح بيتنا .. مش هقعد هنا تانى ..

أسكتها هشام بجملته الآمره
-بسمه .. مفيش حاجه اسمها هتقعدى لوحدك .. أنا مش عارف مين سمحلك أصلا تمشي من هنا ... ومتقلقيش الزفت ده مش هتشوفى وشه تانى هنا ..

اردف هشام جملته الحاسمه ثم تركهم وصعد لغرفته التى قضت فجر فيها ليلتها والشوق والقلق بين جفونها قائمين .. إلى ان غلبها النعاس فنامت فى منتصف مخدعه ..

توقف للحظه على اعتاب غرفته يتأملها بشرودٍ ، ويقارن مصيرها بمصير بسمة !! المصير الذي اختاره زياد وفُرض على حياة هشام !! فدومًا ما تأتى الاقدار مُعاكسة لهوانا .. للحظه عزم أمره ألا يُكرر خطأ اخاه معها ، ألا يوهمها باشباه حبٍ حكم الجميع بفشله ، ألا يسير خلف قلبه فيندم عمره كله ، للحظه حمد ربه سرا بقدوم بسمة ليلة امس قبل ما يطاوع هواه ويقترف اثما يعيش فى نيرانه دنيا واخره .. متعهد مع نفسه الا يملُكها إلا عندما يصل بها لارض صلبة عندها الفراق ممنوعا .. ان يكتم حبه حتى يأذن الله بأعلانه

قفل الباب ببطء وتجاهلها تمامًا وسار نحو خزانة ملابسه وبعدها تحرك صوب الحمام تاركا للميه مهمة اطفاء حرائقه الداخلية ..

تحركت جفونها بتثاقل إثر قفل الباب .. فنهضت هامسه لنفسها
- هشام !! اكيد بسمه جات !!
نهضت كالملدوغه لتطمئن على بسمه ولكنها توقفت على اعتاب الباب للحظه مفكرة فيه .. فتراجعت عن فكرة المغادرة وعادت لتنتظره يخرج اولا .. عادت لتجلس على فراشها فمر طيف وجوده الفريد من نوعه على ذكرياتها .. اعتادت ان تحيا بنوره .. ولكنها تموت ان اقتربت اكثر .. كشمس نحيا بوجودها ونموت فى غيابها ..

شعرت للحظه بالملل لانه اطال غيابه فعبثت بفوضويه فى ادراج (الكمود) فوجدتها فارغه تماما الا اخر درج وجدت به عُلبة عطر يبدو عليها فاخره .. أصيبت بلعنة الفضول لتفتحها وتُجربها وبالفعل نثرت جُزيئاتها على يدها واستنشقتها فكانت رائحتها كافيه انى تُداعب قلبها وذاكرتها بكل المواقف التى جمعتها معه ..

خرج هشام من غرفته وسرعان ما ألقت العُلبة فى مكانها ووقفت متجلجه
- أسفه انى فتشت فى حاجه تخصك ..

بعد العطور مفعولها كالسحر على القلب ، توقف للحظه يستنشق الرائحه النسائيه المفضله إليه التى احضرها من امريكا عندما كان يمترن على تمارين القوة فى أحد النواد الشهيرة ، فأعطته إياها أحد المدربات الاجانب بأن يهديها لزوجته .. فأخذها مُجاملة .. توقف للحظه فقال بلوم
- أنت ازاى تفتحيها !

لم تتوقع أبدا رده .. فاطرقت بأسف
- اسفه والله يا هشام .. مكنش قصدى ، انا خلاص شلتها ..

ألقى منشفته القطنيه المعلقة فوق كتفه أرضا ، ثم عزم أمره على تجاهل وجودها الطاغى وعطرها الذي يجذبه من ياقته متجها نحو ( كيس الملاكمه ) ليفجر طاقاته الحبيسه ، بدأ بقوة لم تقل ابدا بل تتضاعف ويتضاعف معاها صوته الذي اصبح كالرعد كأنه قرر قتلها بداخله ..

ظلت ترمقه باندهاش وبرعب خافت تسرب إليها جعلها تتسائل : هل وُلد حبنا بالفعل أم لم يولد ، ام ولد ولكنه لازال غامضا عننا !! ساءت حالته امامها فتحول من رجل متيم هادئه لوحش ثائر لم تمر نسائم الهوى على قلبه .. اقتربت منه ببطء بعد تردد لدقائق ففاجئته بفعلها الغير متوقع وهى تحضنه بذراعيها النحيله من الخلف مستنده برأسها على ظهره .. فعلها جعلت قوته تتبخبر سكن فى مكانه مرة واحده وهى تهمس
- اسفه والله مكنش قصدى ..

تردد فى احتضان ذراعها المُلتف حوله فحسم أمره واكتفى بالتربيت عليه قائلا وهو يتخذ انفاسه
- محصلش حاجه !!
ابتعدت عنه لتقف امامه
- لا حصل .. أنا اول مرة اشوفك كده !!

اردف بجحود عكس دواخله
- انا طول عمرى كده !!
مررت اناملها برفق كان كافيا أن يُصحى كل مشاعره الميته
- أنت زعلان منى ؟!

تعمد الابتعاد عنه ليظل محتفظا الذي قطعه على نفسه .. فقال
- فجر روحى ألبسي عشان معاد زيارة أبوكى كمان ساعتين !!

وقفت حائرة على حاله وحالها بكل هذا الحب العتيق المسور بالصمت فاطرقت باستسلام
- تمام ... المهم اتمنى أن زعلك ده مكنش أن السبب فيه ، 10 دقايق واكون حاهزة !!

- استنى !
لم يتحمل أن يقسو عليها أكثر ولكنه لازال متسلحا بعهده ، فادرف بنبرة جافه
- مفيش حاجه مزعلانى منك .. دا اولا
ثانيا كنت طالبلك هدوم ليك من اسبوع ومعاد وصولها كمان نص ساعه فمتلبسيش لحد ما يوصلوا ..

خانها دمع عينيها تلك المرة وهى تقول
- ملهوش لازمه يا هشام .. عادى مش هتفرق ..

- ازاى يعنى مش هتفرق !! انت مش واخده بالك انك مراة هشام السيوفى ..

اردفت بحزن : مؤقتًا !

تركته ودخلت الحمام لتهرب من الاوهام التى تنخر فى رأسها لتنهار بعيدا عنه ، فالانهيار ضعف لا يصح أن تظهره أمامه .. أما عنه دخل فى دوامة قوية تسحبه لاسفل و تيهٍ لا يُرشد .. وصوت قلبه يهمس: ولد حبها بقلبى سرا حتى عنى ، أ ابوح به أم احفظه داخل صدفته فى قاع قلبى كلؤلؤة محمية من رماد العالم !!

■■■

الجحيم ليس بالعالم بل بقلوبنا نحن كبنى البشر ، كلٌ منا بداخله حُجره مُظلمة مغلقه ، منهم من وجد المفتاح وفتحها حتى تسرب سوادها إليه ، ومنهم لهم يجد المفتاح بعد فلا زال يحمل صفاء الطفوله بقلبه ..

جن جنون خالد الذي يشعر ببركان ثائر ينفجر من رأسها ، تناول أخر ( برشامه ) من شريط المسكن الخاص بالصداع ولكن بدون فائدة ، باتت اصوات الصخب والدوشة التى يحدثها بتكسير الاشياء حوله تنطاح ألم رأسه ..

دخلت مُهجة التى تترقبه واصبح هو قضيتها هاتفه
- مالك يا خالد .. سلامتك يا حبيبي ! فيك حاجه ؟

اصبح وجهه شاحبا للغايه وهو يردف بكلمات متقطعه ممسكا برأسه
- صداع .. صداع هطير برج من نفوخى ..

تحسست جبهته فقالت شاهقة
- انت سخن يا خالد !!

عاد ليكسر فى باقي ارجاء الغرفه لاهثا ، فصاحت مهجة قائله
- بص يا حبيبي هجيبلك حقنة فيتامين هتريحك اوى ، اهدى اهدى بس ومتخليش أمك تتخض عليك ..

تورات قمر خلف الحائط كى لا تراها مهجة التى همت باحضار الابره التى تدعى بانها فيتامين .. ارتعش بدن قمر عليه واصبحت دموعها تنهار بدون توقف ، وما هى الا لحظات عادت مهجه واعطته الابره .. قائله
- هتريحك ياخالد .. بص اضربها فى ايدك وهتبقي زي الفل وتدعيلى ..

تناول الابره منها أملا فى انتهاء الصداع برأسه ، لازالت قمر تراقبه خلف الباب فوضعت كفوفها المرتعشها على فمها وانفها لتمنع انفاس فزعها وهى تراه يحقن نفسه .. فقتقهرت راكضه وهى تهذى مع نفسها
- والله كنت متأكده .. متأكده انها بتديله حاجه .. اكيد عرفت انه شغال مع الظباط ..

حتى ارتطمت بناديه فارتفع صوت شهقتها .. فرمقتها ناديه بسخط
- ما تفتحى يابت أنت ..

وجدت قمر طوق نجاة تتعلق به فصاحت لاهثه وهى تسحبها
- خالتى ناديه .. تعالى .. تعالى فى مصيبة وأنت لازم تعرفيها .. لازم نلحق خالد ...

تابعت ناديه سيرها مع قمر بفضولٍ .. الا أن وصلت بها لمكان متوارٍ تحت السلم وهى ترتعش غير قادره على تجمع الكلام بحلقها .. فهتفت ناديه بنفاذ صبر
- ما تخلصى يابت أنت مالك !!

- خالد ... خااالد ياخالتى بيروح منك ..

ضغطت على ذراعها بقوه : ماله خالد يابت !! انطقى !!
تأوهت قمر بصوت خافت وهى تأخذ انفاسها بسرعه
- هفهمك والله .. هتفهمى كل حاجه ..

■■■

نفذ صبر رهف من الاتصال المُتكرر بزياد دون رد .. فاختنق صوتها قائلا
- يارب ما مايكونش حصله حاجه !!

تدخلت عايده : الزفت اخوكى رد ..

هزت رهف رأسها نفيا: للاسف ياماما مفيش رد .. انا قلقانه عليه اوى !!!

بمجرد ما انتهت من جُملتها فُزعت على رسالة مفاجأه من فارس قائلا
-" مطنشانى ومش بتردى براحتك ، بس اللى مش براحتك بقي إنى مستنيكى فى الكافيه اللى قدام بيتكم ، نص ساعه لو مجيتيش هجيلك انا "

يلف بسيارته فى جميع شوارع القاهره بدون مقصد او جهه محدده ، يتجاهل كل المكالمات الهاتفيه إلا أن هاتفته نور .. فرد سريعا
- ايوة يا نور ، عامله ايه ..

- ايوة أنت يا زياد فينك ، انت بتظهر فجاة وتختفى فجاة يابنى !! فى إيه ؟!

تأفف قائلا: عادى اهو زهقان بلف شويه بالعربية !!

تحولت نبرتها من القلق للدلال ... فقالت
- وانا كمان زهقانه ، ممكن تيجى تاخدنى ونلف شويه بالعربيه ؟!

صمت للحظه ثم اخذ قراره بصدر رحب
- تمام .. اجهزى وانا جايلك !!

■■■
اطمأنت فجر على بسمة ثم انسحبت بهدوء وجدت هشام فى انتظارها اسفل .. كانت ترتدى لبسا غاية فى البساطه والفخامة ، وحذائها العالى الذي ازداد من انوثتها وجمالها ، القى عليها نظرة منبهره وسرعان من نفض غباره عنها وهو يرتدى نظارته السوداء قائلا برسميه
- جاهزه !!

اومات بصمت ثم تابعت ظله الى الخارج فعندما لمست اقدامها درجات السلم اختل اتزانها صارخه مستنده على ذراعه .. رفع نظارته قائلا بنفاذ صبر
- طالما مش هتعرفي تمشي بيه لبستيه ليه !!

- انا اتعلمت امشي بيه ازاى على فكرة بس ما شوفتش درجة السلم والله ..

فاردف بنبرة آمره :
- طيب اتفضلى روحى غيريه يلا والبسي اى اسنيكرز من فوق ...

وقفت معارضه : بس ده هيليق أكتر ..

ولى ظهره متجها نحو سيارته وهو يشير بسبابته وبنبرة آمره
- 5 دقايق تطلعى تغيرى الزفت ده وتنزلى يلا !! مش هكرر كلامى ..

انحنت لتنزع حذائها متاففه ومجبره فمسكته فى يدها وهى تسب فى نفسها سرا وعادت مرة اخرى لتغيره .. مرت عدة دقائق ولازال فى انتظارها مستندا على مقدمة سيارته إلى أن اتت .. فسقطت انظاره على حذائها فوجد رباط ( الكوتشي ) منحلا ..

تسير متأففه متجاهله النظر إليه فاوقفها ندائه قائلا
- استنى هنا !!

فاض صبرها فتحول لجزع وهى تقول
- اوووف فى ايه تانى !!

ترك هاتفه ومفاتيحه على مقدمة السياره ورفع بنطاله قليلا ثم انحنى تحتها وهم بربط حذائها قائلا
- ده منظر !!! حد يسيب الكوتشي كده ؟!

اتسعت انظارها بذهول غير مستوعبة فعله الخارج عن قوانين ، هو من يقف لاسمه الرجال انحنى تحت امراة ليحافظ على مظهرها ، صدق من قال بأن الحب يخضع له المستكبر حتى وان تعمد تجاهله .. لم تخل عيونها بالذهول حتى انتهى عن فعله وصوت يردد بقلبها لم امت بمرضٍ او بسيفٍ بل مُتت على حد نظرة منك وافعال مباغتة اطاحت بقلبى ففتته حتى اصبح كل جزء يهواك بمفرده ..

نصب قامته مرة آخرى وبصمت تام عكس دواخله التى تذمه على فعله المتمرد على اعرافه متجها نحو سيارته بعدما اخذ اشيائه فتابعت خطاه ولازال الذهول محتل كيانهم معا ..

■■■

لازال صامتا ، وأن كل دواخله تصرخ عجزا ، ولازالت اعينها تزنف اسئله لا اجوبة لها حتى اصابها بمرض الوقت الذي يقف على كلمه منه .. قطع صمتهم صوت رنين هاتفه.. فاجاب سريعا
- ايوة يا مجدى .. خير ..

اتخذ مجدى نفسا اخيرا من سيجارته قبل ما يُطفئها قائلا
- مش خير ابدا يابن عمى !
لبس ( سماعة البلوتوث ) ووضع هاتفه بجواره وهو يُدير مقود السياره أقصي اليسار
- خير يا مجدى ..

- اسمع ياسيدى ، خالد ده مش عارف اوصله تانى عشان اعرف منه اسم الصحفى اللى دل زيدان عليكم ..

رد هشام بهدوء : يمكن عمه كشفه !!

- حقيقي مش عارف ياسيوفى ، بس هحاول اتصرف بطريقتى واروح لزيدان البيت النهارده واتحجج بأى حاجه ..

هشام بثبوت : تمام يا مجدى ، المهم عينك تبقي وسط راسك !!

زفر مجدى فقال : الاهم بقي مش ده الموضوع اللى متصل بيك عشانه ..

- اومال !! ما تنجز انت هتنقطنى ؟!

- ياعم صبرك شويه !! فى كارثه ، فاكر لما قولتلى واحنا بندور ع فجر إنى اخلى عينى على اللى اسمها مُهجة دى !!

- اااه .. ايه حوارها؟!

- الهانم متعاقده مع أمك على أكبر شحنة ملابسه هتغرق بيهم الصعيد ..

فرمل هشام صارخا : ايييييييه !! ازاى يعنى ؟! بت ال****

صرخت فجر : فى ايه يا هشام !!

تجاهل صراخ فجر .. وواصل انتباهه مع مجدى الذي قال
- اهدى بس وخد الكلام للاخر ، الشحنه دى هتوصل المفروض الصبح بدرى ، يعنى هتطلع من المصنع عندكم على بالليل ، والكارثه بقي ان ده نفس المعاد إللى الصياد ابوها مشترى صفقة حيتان ضخمه من روسيا ...

صمت هشام للحظه وهو يربط الاحداث ببعضها
- قصدك تقول أنهم هيهربوا البضاعه فى شحنة الملابس بتاعت أمى ؟!

- ده الاكيد ياهشام ، وخصوص ان عايده النورماندى بتتحرك بأسم والدك واخوه ومفيش بضاعه ليها بتتفتش .. فدى ضربة معلم بالنسبة لينا ..

اردف متوعدا : لا دى ضربة معلم بالنسبة ليهم ، مجدى الشحنه دى لازال متوصلش لزيدان ، اجهز كده واستنى منى تليفون ..

- حاضر يابن عمى !! وانا هبلغ اللواء نشأت بكل حاجه ...

انهى مجدى جملته فنهض إثر ثرثرة صوت انثوى بالخارج .. ففتح الباب هاتفا
- فى إيه ..

رد العسكري ( آدم ) بيه : البت دى عاوزه تقابلك .. وانا معرفتش اا

قطعه مجدى بحركه من كفه وهو يشير اليها أن تاتى .. فارتاح قلب قمر وهى تدلف ببطء .. فسمعت قفل الباب خلقها وصوته القوى قائلا
- انت مين وعايزه ايه !!

- انا قمر ، وعايزه رقم هشام بيه !!

جلس مجدى على مقعده متأففا وهو يضرب سطح مكتبه
- وانت عبيطه بابت !! انت عارفه انت عايزه تكلمى مين ولا بتقولى ايه اصلا !!
استجمت شتات ثباتها لتردف بثقه
- اه عارفه .. زى ما أنا عارفه أنك مش النقيب آدم فياض ، وانك ابن عم هشام بيه !
اتسعت حدقة عيونه مذهولا فانخفضت نبرة صوته فهو يعلم متى يشد ومتى يرخى قائلا
- حكايتك ايه يابت أنت ؟!

- خالد ، ومتقلقش مفيش مخلوق هيعرف حاجه ، بس نلحق خالد والنبى ..

باهتمام شديد وهو يشير إليها لتجلس
- تعالى اقعدى ...

■■■

- ممكن أفهم انت عايز منى ايه ؟!
اتت رهف وهى تحمل نيران الغل بجوفها وتلقى هاتفها أمامه ثائره .. فاتسعت ابتسامة فارس
- كنت متأكد انك هتيجى ؟!

جلست رهف متأففه وهى تقول بعتب
- يابنى انت ليه مش عايز تفهم اننا صحاب وبس ؟!
اسبل عيونه قائلا
- وانت ليه مش عاوزه تفهمى أنى بحبك ..
ثم غمز بطرف عينه قائلا وهو يحتضن كفها : تشربي ايه ؟؟!
سحبت كفها عنوة : مش هشرب حاجه وهمشي دلوقت حالا !!

- ايه يابت انت اهدى كده وفكيها مش هخطفك يعنى .. كل ما فى الحكايه إنى حابب نقضي يوم لذيذ سوا ..

زفر رهفةمتأففه : بمناسبة ايه وبعدين يا عم انت انا مش فضايلك ..

- طيب ولو قولتلك عشان خاطرى ساعة واحده بس نتغدى فيها سوا ..

فكرت رهف طويلا تحت سطو عيونه الخادعه فقالت بتردد
- ساعة واحده بس !!

- وعد ساعه واحده بس ...

■■■
- اتاخرت عليك؟!

اردفت نور جُملتها وهى تركب بجوار زياد ، فهتف بدلال
- انت تتاخر زى ما انت تحب يا باشا ، حتى ولو هستنى سنين ..!!

اتسعت ابتسامة نور فقالت بعدم تصديق
- بكاااش اووووى على فكرة ..

- والله مابكش ، انت بس اللى مش عارفه قيمة نفسك .. تروحى فين!

تحمحمت بخجل ثم قالت
- ليك عندى مفاجاة حلوة !!

تاهب زياد بقيادة سيارته .. فواصلت نور حديثها
- فاتحت بابا فى موضوعنا وهو انبسط جدا وكمان عازمك النهارده على مزرعتنا اللى فالفيوم عشان يعرفك على عمامى ، فأحنا يا دكتور اوف لاين من العالم كله واوعدك هتقضي احلى يوم فى الفيوم النهارده !!

داعب شفتى زياد ابتسامة خبيثه وهو يقول
- الفيوم !!

قفلت نور هاتفه بتلقائيه وهى تقول :
- أجل .. الفيوم .. يلا بابا مستنينا ...

■■■
( امام باب الغرفة الخاصة بمستشفى السجن )

توقفت للحظات وهى تحس بالتوتر والخوق فلم يتبق على نقطة الوصول الا خططوة واحده .. هتف هشام بحنان بالغ
- تحبى ادخل معاكى !!

رفعت عيونها الهالكه إثر انحباس الدموع بجوفها وهى تقول
- لا يا هشام معلش خليك هنا ؟!

نصبت عودها واخذت نفسا طويلا وهى تلملم شجاعتها لتدخل لابيها .. فهتف هشام
- تالت سرير على ايدك اليمين .. وانا هستناكى هنا .. يلا ..

اومات ايجابا وبخطوات متراجعه اخيرا اخذت قرارها واتجهت صوب مقصدها .. ترقرقت اعينها بعبرات الوجع عندما رأته راقدا لا حول له ولا قوة .. ركضت نحوه متلهفه وهى تلقي بكل ما بيدها هاتفه
- بابا ... بابا وحشتنى اووى .. اووى ..

انهالت على وجهه وكفوفه بقبلات الشوق الممزوجة بامطار العين وهى تهتف
- سامحنى يا حبيبي .. سامحنى والله عملت المستحيل عشان اخرك !!

رفع والدها غطاء انبوبة الاكسجين الموضوعه على انفه قائلا بتنيهده قويه
- فجر .. سامحينى يابتى .. سامحينى ظلمك معايا بس كنت عاوز أمنلك مستقبلك .. وجبتلك مراة اب تذلك

جثت على ركبتيها وهى تقبل جبهته كثيره
- مش وقت الكلام ده .. بابا انت هتطلع من هنا متخافش .. هترجع تانى لبيتك تنوره .. انت وحشتنى اوى ..

اردف صبري بيأس : يا مين يعيش يابتى .. خلاص هو العمر بقي فيه بقية !!

- متقولش كده والنبى .. انت اللى باقي لى فى الدنيا .. انا متونسه ومستقويه بنفسك فى الدنيا ..

يخرج انفاسه بتثاقل رهيب فقال بتنيهده قويه
- اسمعينى يابتى .. زيدان واللى زيه لازم تخلصي منهم ، ابعدى عنه يافجر وبلاش يابتى تخدمى في بيته تانى ، انا غلطان انى وديتك هناك ..

- ريح نفسك يابابا انا سبت زيدان والبلد والقرف ده كله ..

بلل حلقه بصعوبة ثم واصل
- سكته ملهاش نهاية غير نهايتى دى !! وكمان يابتى لازم اقولك حاجه اخيره عشان اقابل وجه كريم وانا نضيف ..

- ريح نفسك .. واول ماتخرج من هنا هنتكلم كل اللى نفسك فيه ..

- معلش يابتى .. اسمعينى للاخر .. ياعالم بكرة مخبى إيه !!
مر قرابة التصف ساعه فلم يتحمل هشام الانتظار اكثر ، فقادته اقدامه إليها حتى وقف بجوار مخدع صبري قائلا بهدوء
- فجر .. مش يلا ؟!

تبادلت الأنظار بين صبري وهشام فشرد صبري فى آخر لقاء بينهم وهشام ينهره

- ليه راجل فى سنك يتحمل بلاوى كلب زي زيدان !! ما تعترف وتخلصنا وتقول أن البضاعه دى تبعه وهو اللى قتل رجالة الامن ؟!

اطرق صبري بأسف : معنديش كلام اقوله .. خلصت كلامى يابيه ..

احتارت بيهم نظرات فجر فقالت
- هشام أنت تعرف بابا !!

صمت هشام فهو لا يملك رد .. فهتف صبري مذهولا
- انت تعرفي حضرة الظابط منين يابتى ..

اطرقت باسف بعد ما اخذت اذن هشام بنظراتها فقالت بحزن
- هشام يبقي جوزى يابابا ..

■■■

- يوووه يابسمه استنى هنا متوجعيش قلبى !!
تسير عايده بخطوات واسعه خلف بسمه لتمنعها من الخروج ، ولكن دون جدوى .. هتفت باصرار
- مش هتأخر ياخالتو .. متقلقيش هرجع على هنا ..

تركتها واسرعت خُطاها نحو سيارتها وعلى حدا صفت امام الفيلا سيارة أجرة اثارت اهتمام عايده لمعرفة من بها .. حتى ارتسمت ابتسامة انتصار قائله
- مياااااده ؟؟!

تناول مياده حقيبتها من يد السائق وهى ترفع نظارتها السوداء
- على ما عرفت أجى.. و اقنعت مايسه انها ماتجبش سيره لبابا ..

هللت عايده مرحبه : تعالى تعالى .. وحشتينى يا حبيبتى ..

■■■

يخلتس عليها نظرة من حين لاخر وهو يراها تنهار فى دموعها اغرقت قلبه معها فى بحور همها .. فاوقف سيارته قائلا بحنان
- هو مش كفاية عياط ولا إيه !! ...

لم يعطيها رنين هاتفه فرصه لتُجيبه .. فوجد رقما غريبا فقال
- لحظه هرد واجيلك ..

رد على هاتفه متأففا : مين بيتكلم !!

هبت زعابيب توعد كامل بشير والد ميادة
- شووف يا ابن السيوفى كلمه ملهاش تانى يا اما تبعت ورقة طلاق بنتى يأما هنسفك من على وش الدنيا .. انت فاهم !!

لم يبد هشام اى رد ولم يهتر به ساكن إثر تهديده ، فعفاه كامل من الرد عندما انهى المكالمه بدون اذن .. قفله متأففه ثم عاد اليها بثغر مبتسم قائلا وهو يمسح دموعها بابهامه
- ماهو كفايه عياط يعنى .. كده كتير !!
- بابا صعبان عليا اوى ياهشام ..

- وانا وعدتك إنى هخرجه ، بس اهدى ولا أنت مش واثقه فيا !!

جلست على كبتيها فوق مقعد سيارته وهى تعانق لتستمد منه قوتها قائله
- انا ما بقتش أثق غير فيك يا هشام ..

احتواها بذراعه متنهدا خانه قلبه تلك فطبع قبلة خفيفه على شعرها الذي يغطى ظهرها قائلا
- اهدى طيب .. وانا وعدتك ولازم انفذ ..

جرت دموعها المنبعثة من قنواتها فصبت على كتفه قائله
- هو بابا كان عاوزك فى ايه ..
لم يفكر للحظه ثم قال بثبات
- كان بيوصينى عليك .. وانا وعدته هو كمان انى اشيلك فى عيونى ، ارتحتى ياستى !!

اكتفت بصمتها وهى تستنشق مع انفاسها عطره فقالت
- يعنى أنت مش زعلان منى عشان فتحت علبة البرفان بتاعتك ..

ضحك بخفوت ثم ربت على كتفها
- دأنت فتحتى قلبى وانا مزعلتش .. زعل عشان علبة برفان !! وبعدين لو فضلتى على الحال ده هيفتحلنا أحنا الاتنين محضر بفعل فاضح فى الطريق العام وحلينا لو خلصنا ..

ابتعدت عنه بعدم تصديق فشل حبها له ارادتها قائله
- انت قولت ايه !!
تعمد التجاهل سؤال منسيا كلامه
- ماقولتش !

كررت باصرار : لا قولت ..

رفع حاجبه بخبث : قولت ايه ؟

اجابت على الفور : إنى فتحت قلبك !!

تذكر للحظه عهده مع نفسه فتسلح بالجمود مرة ثانية وهو يتأهب لقيادة سيارته
- ااه فتحتى قلبى وخلتينى احس شويه بالناس اللى حوليا ، عايدة وبسمه ورهف واخرهم ابوكى ..

لك الكلام فى فمها بخزى وهى تعود لتجلس مكانها وتربط حزام الامان : اااه عايده وابويا !!... طيب انا عايزة اروح ياهشام !!

اعتاد ألا يقول إلا نصف الحقيقه نصف مشاعره نصف اسراره .. فغير ذلك يعتبر تعدى على عالمه المحصن .. اومئ بخفوت متجاهلا خناجر قسوته التى نصبها فى منتصف صدرها وقاد سيارته مرة آخرى فرن هاتفه وجده اللواء نشات وهو يهتف بقِلة حيله
- هشام ، ألحق مصيبتين أتقل من بعض ، لازم تكون عندى حالا ...
يتبع...
لقراءة الفصل السابع والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هناِ
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات