القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثامن عشر 118 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثامن عشر 118 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثامن عشر 118 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة والثامن عشر 118 بقلم ياسمين عادل

حتى في الخِصام، يُمكنك وضع رأسك العنيد على كتفي دون أن تعتذر."
_________________________________________
كل تلك السعادة التي تراقصت برقةٍ على ملامحها الجميلة، والإبتهاجة المشرقة التي أضاءت وجهها، جعلتهُ يتحفز أكثر وتتضاعف حماسته لأن يجمعهم منزل واحد بأقرب وقت ممكن. انكمشت المسافات بينهما، وأصبح قريبًا منها لحدٍ مُهلك، بينما أبدت هي إعجابها الشديد بإنه أراد الإحتفاظ بها له وحده :
- لو هي دي الترقية أنا موافقة.
و گالعادة المتبعّة بينهما فتح لها كفيهِ فوضعت يداها بداخلهم، ليضمّ عليهما أصابعهِ يغمرهن بإحتوائهِ العجيب الذي يسلبها لُبّها، سابحًا في مزيج من المشاعر الجميلة.

فجأة أفاق على صوتها، وانتشلتهُ عصبيتها من أوج خيالهِ الذي صوّر له إنها سترضخ لطلبهِ، ليُصدم بواقعٍ مغاير تمامًا لما توقعه :
- مين قالك إني هقعد في البيت بعد الجواز؟.
أجاب سؤالها بعبارةٍ مستنكرة عليها مثل هذا التفكير :
- ومين قالك هتشتغلي؟.
بدأ الحوار يأخذ منحنى أكثر جدية بينهما، وقد انغمس وجهيهما في تعابير أكثر حزمًا :
- دي حاجه بديهية ، أنا مدرستش وتعبت وعافرت كل ده عشان أحط شهادتي على الحيط.
فـ تصنّع المزاح بدلًا من ترك نفسهِ تنساق خلف رغبة الإنفعال :
- خلاص حطيها على الكومودينو.
إلتزم وجهها بنفس الملامح الجادة وهي تحادثه، لتؤكد على جدية الأمر بالنسبة لها :
- يزيد أنا بتكلم بجد.
- وأنا كمان جد جدًا، أنا مش هسمح ليكي بالشغل بعد الجواز.
حاول ملاطفتها قليلًا، عله يحصل على مراده تلك المرة على طريقة أخيه الرزينة العقلانية، وبإستخدام اللين معها، لامس ذراعها بيده، گلغة تواصل جيدة في الكثير من الأحيان، بجانب نبرة هادئة، هادئة للغاية :
- إنتي ميلقش عليكي البهدلة والتعب ياحببتي، خليكي في البيت أحسن ليكي وليا، أعملي شوبينج، أخرجي انتي وملك، أعملي حاجه بتحبيها وانتي في بيتك، عايزة تكملي دراسات عليا مش همنعك، لكن شغل...
صمت هنيهه قبل أن يتابع إصراره :
- مفيش ياروحي ، معنديش الأوبشن ده.
لم يأتي أسلوبه الليّن بنتيجة مثمرة معها، حيث أصرّت وبشدة على أن تستمر في بناء الكيان المهني لذاتها :
- مش موافقة طبعًا، شغلي ده أساسي في حياتي وعمري ما فكرت أستغنى عنه.
بدأ يبدو أكثر جدية، وفارقت الإبتسامة السخيفة محياه، بعدما تبطنت بشرتهِ بتلك التعابير الجامدة :
- وانا بقولك فكري تستغني من دلوقتي عشان مفيش كلام تاني غير ده.
ابتعدت خطوة للخلف، گطفلة ترغب بشدة في ضرب الأرض بساقها، وصاحت بصوت لم يرتفع كثيرًا :
- مستحيل أعمل اللي بتقوله ده.
خطف نظرة لساعة اليد خاصته، قبل أن يمنحها نظرةٍ منفعلة، وقد خرج صوته متشنجًا :
- صحيح المسايسة والزوء مينفعوش معاكي.. تقريبًا انتي فهمتيني غلط، أنا مش بديكي خيارات، أنا بقولك على اللي هيتم.. وطالما مش عاجبك يبقى أخبطي دماغك في الحيط وبرضو هيحصل اللي أنا عايزه في الآخر.
ثم أشار للحائط مستكملًا :
- في هنا حيطة ٤ متر وهناك واحدة تانية ٥.٤٠ سنتيمتر، اللي تعجبك ارزعي دماغك الناشفة دي فيها.
والتفت عائدًا إلى مكتبهِ، ليتركها واقفة هكذا بجمود شديد، بعدما تقمص شخصيتين مختلفتين تمامًا خلال دقائق قليلة. ظنت أن إصرارها سـ يُعيده عن قراره؛ لكن گالعادة خابت ظنونها وعاد للشخص الذي كان عليه. الأمر برمتهِ ثقيلًا وبشدة، ليس فقط مفاجئًا لها، وإنما سيغير كل شئ في حياتها للنحو الذي لم تكن تُريده، والأزمة الحقيقية هو خوفها من ألا يتراجع عن قرارهِ، ستكون بين مِطرقة مستقبلها المهني، وسندان حُب عمرها الذي حظيت به بعد شقاءٍ مؤرق.
******************************************
طال انتظاره، حتى راودتهُ فكرة الصعود للأعلى لكي يصطحبه بنفسه، لكنه عدل عن فكرته واستمر في الإنتظار لبعض الوقت. تابع "عيسى" بعيون مترقبة بوابة العقار الذي يقطن فيه "مازن" مع والدتهِ، وكلهِ شوقٍ ولهفة لرؤية صغيرهِ بعد غياب أسبوع كامل عنه. أخيرًا استطاع عن يلمحه يخرج من البوابة ويتجه نحو سيارته، فـ انشرح صدرهِ وقرر أن يترجل ليستقبله بنفسه، دنى منه ليرى ذلك الضيق المرسوم على تعابير الصغير، فـ تغضن جبينه حين لقاه في نقطةٍ بالمنتصف، ثم انحنى نحوه ليسأل :
- مالك يامازن؟.. مش مبسوط إننا هنخرج سوا؟.
نفى "مازن" ذلك وبرر حزنهِ بـ :
- لأ مبسوط، بس زعلان عشان ماما.
فـ امتلأ ذهنه بالفضول حول ما يخص طليقتهِ، وسأل بإهتمام :
- مالها ماما ياحبيبي؟؟ حصل حاجه!.
- تعبانة وجسمها سخن.
استقام "عيسى" في وقفته وبشكل لا إرادي كان يرفع بصره للأعلى حيث الشرفة. لم تكن هناك، لكن ثمة ظل تحرك بعيدًا مجرد أن صبّ بصره للأعلى، فـ فهم على الفور إنها كانت تراقبهم من خلف الستار. أخفض بصرهِ وابتسم بخفة إلى طفله الناظر إليه، ثم سحبه برفق نحو السيارة هاتفًا بـ :
- متخافش ياحبيبي هتبقى كويسة، دول تلاقيهم شوية برد.
أجلسهُ بجوار مقعده واقتاد السيارة وعقلهِ منشغل بها، بل ويتآكل أيضًا من فرط التفكير بشأنها، هل ساءت حالتها أم أصبحت أفضل، أم إنها تُكابر في المرض گعادتها. حتى إنه ضلّ الطريق بسهوٍ غير مقصود، ولم ينتبه إلا بعد أن استرعى "مازن" إنتباههِ قائلًا :
- يابابا انت رايح فين؟.
نظر "عيسى" حوله بتركيز استعادهُ توًا :
- معلش ياحبيبي سرحت غصب عني.
ثم التفت برأسه نحو طفله وتابع :
- إيه رأيك نعمل حاجه مع بعض؟.
بتعابير غالب عليها الفضول سأله "مازن" :
- حاجه إيه ؟.
صفّ "عيسى" سيارتهِ، واستدار له ليفسر له :
- هفهمك.
*****************************************
تحاشى التحدث إليها طيلة طريقهم، متعمدًا بذلك إظهار موقف جاد للغاية ضد إصرارها وتعنتها؛ ولأن العمل بهذه الآونة يحتاج ضعف مجهوده، قرر أن يترك المساحة للسائق كي يقود السيارة وجلس في المؤخرة جوارها، واضعًا كل تركيزه ومجهوده بالعمل الذي يتابعه على جهاز (التابلت) الكبير خاصته. فجأة وبدون إنتباه أو شعور سقطت رأسها على كتفهِ، فـ استرعى الأمر كامل انتباهه والتفتت رأسه بهدوء تنظر إليها، كانت قد غابت في نومٍ عميق بفعل الأرق على مدار اليوم. لم يحرك ساكنًا، بل إنه انتبه جيدًا على حركتهِ لئلا يوقظها، وشدد على السائق أن يُهدئ من سرعتهِ بنبرةٍ خفيضة :
- سوق على أقل من مهلك.
- تحت أمرك.
وانساق خلف التركيز على مشاعره التي تأججت بهذه اللحظة، راغبًا في ضمها بقوةٍ إليه، وكلما مرت الثواني زادت رغبتهِ إلحاحًا، إلا إنها يجمحها بصعوبة، على الأقل كي لا تستيقظ. لمست ذقنهِ شعرها الذي تناثر على كتفهِ، فـ صعدت إبتسامة سعيدة على ثغرهِ بعد تقمص طويل لتعابير الجدية والحزم، وأغلق جهاز (التابلت) ليتركه جانبًا، كي يتمتع بلحظاتٍ فريدة لن تنعم هي بها، قبل أن يعود كل شئ إلى نِصابه.
*****************************************
اختنق داخلها مع رائحة زيت الزيتون التي كانت بازغة بوضوح في الطعام، وتركت صحن السلطة الخضراء كاملًا دون تذوقه وهي تردد بصوتٍ مشمئز :
- لأ مقدرش ، ده لو دوا هيكون أرحم من كدا.
ذمّت "كاريمان" شفتيها قبل أن تحاول جاهدة إقناعها :
- ملك، الخضار مهم جدًا وفيه عناصر كتير مفيدة ليكي وللبنات، لازم تتغذي كويس.. أسمعي الكلام.
أشاحت "ملك" برأسها بعيدًا بعدما كتمت أنفاسها :
- مقدرش ، ريحته صعبة أوي مش قادرة أتحملها ، هخلي ديچا تعملي واحد غيره من غير زيت زيتون.
اقتربت "خديجة" من جلستهم بالحديقة وهي تحمل طبق كبير إلى حدٍ ما، في اللحظة التي كان "يونس" قد وصل للمنزل توًا بعد غياب طوال النهار. وحينما لمح "خديجة" تقترب منها بذلك الطبق صاح من مسافة بعيدة :
- أســتني يا ديـچـا.
توقفت "خديجة" بمحلها وانتظرت قدومه إليها، بينما نهضت "ملك" عن جلستها كي تنقذ الموقف، وتناولت الطبق منها قائلة بإمتنان :
- شكرًا ياديچا.
لم يتركها "يونس" تمر للداخل من أمامه، وحدقت عيناه بالطبق الذي إمتلأ بشرائح المانجو ، ثم رمقها مذهولًا ليردف بـ :
- إنتي واكلة طبقين مانجه إمبارح زي ده!! كده غلط ياملك، المانجه مصدر أملاح خطير جدًا عليكي.
وتناوله منها رغمًا عنها وهي متشبثة به گطفلةٍ :
- هاكل ده وبس كده يايونس عشان خاطري.
فـ احتدت نبرته وهو يسحبه منها عنوة :
- قولت لأ.
تدخلت "كاريمان" بدورها :
- يابنتي غلط عليكي.
أجلسها "يونس" على مقعدها وترك الطبق لـ "خديجة" محذرًا :
- متعمليش حاجه تاني ليها يا ديچا غير لما تعرفيني.
ثم التفت إليها متابعًا :
- سمعتي ياملك؟.
وبمحض الصدفة كانت عيناه ترى قدميها المنتفختين بشكل غير طبيعي، فـ غمر وجهه الذعر وهو يهتف صائحًا :
- إيــه ده!. رجلك عملت كده ليه؟.
نظرت "كاريمان" حيث ينظر لتعقب بـ :
- متقلقش يايونس، ده طبيعي ياحبيبي.
بينما كان حال "ملك" مختلف تمامًا، ارتعبت بالفعل من ضخامة قدميها، وخرج صوتها خائفًا متوترًا :
- طبيعي إزاي!!.
وبدأت أنفاسها تضطرب من مجرد معايشة فكرة وقوع سوء لصغيراتها :
- مكنتش كده امبارح!.
نزع "يونس" سترته بعجلٍ وألقى بها على المقعد، وهمّ يحملها بين ذراعيهِ متجاهلًا ثقلها وهو يقول :
- لأ مش هينفع نقعد كده، لازم يشوفك الدكتور.
وقفت "كاريمان" عن جلستها وحاولت تقديم العون لها :
- طب خليها مرتاحة ونطلب دكتور هنا يا يونس.
كان "يونس" قد مضى بها بالفعل دون أن ينتظر شيئًا، واللهفة المرتعبة تتلاعب بأعصابهِ التالفة :
- مش هستحمل أقعد هنا كده.
تشبثت به "ملك" جيدًا وبيدها الأخرى كانت تتحسس بطنها التي تهيأت وكأنها تقلصت ببعض الآلام الوهمية الخفيفة، ازدردت ريقها، وهتفت بـ :
- براحة يايونس، حاسه إني هقع.
فـ أكد لها تمسكه الجيد بها :
- عمرك ما هتقعي وانتي معايا أبدًا ، أطمني.
ووضعها في السيارة بمنتهى الرفق، قبل أن تطير سيارته مغادرة المنزل لطريق المشفى، بعدما تواصل مع طبيبها الخاص وأبلغه بشكل مختصر عن طبيعة الحال الذي أرعبه، ليكسب مزيد من الوقت حينما يصل بها لهناك.
تمت إجراءات الكشف عليها، وقتئذٍ تسائل الطبيب مندهشًا :
- إنتي أكلتي إيه غير المانجه امبارح عشان الأملاح تترسب في رجلك بالشكل ده!.
فكرت "ملك" قليلًا بدون تركيز، وقد غلب عليها التوتر المرتبك. حينئذٍ كان "يونس" قد تذكر الكارثة التي فعلتها بنفسها أمس، فـ اتسعت عيناه فجأة وهو يستعيد بذهنهِ ما رآه منها...

~عودة بالوقت للسابق~
بحث عنها كثيرًا، لكنها لم تكن موجودة بالغرفة أو دورة المياة، حتى الحديقة لم تكن هناك، فـ لجأ للمطبخ في النهاية، لعلها شعرت بالجوع وذهبت لهناك، وما خاب ظنه. دلف ليتفاجأ بها تمسك بطبق من الزيتون المخلل الناضج وتأكل منه بكميات شرهه، اتسعت عيناه عن آخرها بعدما رأى كمية البذر التي نتجت عن تناولها كمية كبيرة، وسرعان ما استحوذ على ذلك الطبق منها وهو يعنفها بـ لين :
- كل ده زيتون أكلتيه ياملك!!.
مسحت بلسانها على شفتها وهي تجيب ببراءةٍ :
- نفسي فيه أوي.
فأشار مستنكرًا نحو الكمية التي أنهتها و :
- نفسك إيه، ده انتي كلتي بتاع ٢ كيلو ولا حاجه!!.. من بكرة هخلي خديجة تشيل كل المخللات دي وتتخلص منها خالص.
وترك الطبق جانبًا، ليساندها كي تنهض من مكانها :
- يلا قومي معايا.

~ عودة للوقت الحالي ~
شده الطبيب من سماع معلومة گتلك، ولم تخلو نبرته من العتاب الموبخ :
- في واحدة حامل تعمل في نفسها كده!.
شعرت "ملك" بتأنيب الضمير قليلًا، وتجلّى ذلك على تعابير وجهها :
- كان نفسي فيه ومخدتش بالي من الكمية اللي أكلتها.
أفرط الطبيب في تأنيبها مما أدى لتدخل "يونس" الذي لم يتحمل وضع گهذا - وإن كانت مخطئة - :
- مفيش حاجه اسمها نفسي فيها يامدام! لازم تقاومي رغبتك.
زجرهُ "يونس" بنظرةٍ حادة يستوقفه بها عن توبيخها :
- ما خلاص يادكتور إحنا هنفضل في نفس الكلمتين دول طول الليل!.. اللي حصل حصل.
نظر الطبيب للجهاز الذي يُظهر طفلتيهما، ثم فجّر المفاجأة التالية عليهم :
- الموضوع ده هنحله، لكن في حاجه كمان.. إحتمال نواجه خطر ولادة مبكرة.
مجرد ذكر تلك الكلمة أرجف بدنها كله، وحتى كفها الذي يمسك به "يونس" قد انتفض بين أصابعه، وحتى "يونس" قد أُصيب بشئ من الذعر وهو يكرر :
- ولادة مـبكرة!.
فأكد الطبيب :
- آه ، يعني في السابع.. سواء نصه أو أخره.. عشان كده لازم نحطاط ونبدأ نحضر نفسنا لكورس حقن الرئة، عشان إكتمال نمو الأجنّـة.
يتبع.....
لقراءة الفصل المائة والتاسع عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات