القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع 9 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع 9 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع 9 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل التاسع 9 بقلم ياسمين عادل

أخشى أن أحكي ما أمرّ به فـ يعتقدون إنها مُجرد قِصة خيالية لن يتحمل أحد معايشتها، ولكنها واقعي المؤسف الذي أنام وأصحو عليه كل ليلة.
لا تسألني عن ذلك الصمت والكتمان الذي أدخرّهُ بداخلي گشظايات من نار تنهم في ضلوعي، ولكن اسألني من أدّى بيّ لهذا الحال.
.............................................................................

لقد بحثت في كل مكان وفتشت عن أي شئ يوجد به ثغرة، ثغرة تساعدها على الخروج من هنا.. لن تيأس، فهي لن تقبل بتواجدها الجبري هنا بالتأكيد.
أغلقت "ملك" درج الكومود الذي كان فارغًا ونفخت بتذمر، وراحت تفرك رأسها بقوة وهي تحاول استذكار رقم الهاتف الخاص بـ "هادي"، ولكنها لم تستطع.. ألقت بثقل جسدها على الفراش وتنهدت قائلة :
- وبعدين!! هعرف هادي إني هنا إزاي!!

استمعت "ملك" لصوت بالخارج، فـ نظرت من خلف زجاج الشرفة، كان "يونس" يقف بجوار فرس أبيض جميل الشكل بديع المنظر، وكأن لا وجود لفصيلته كثيرًا.. مرتديًا ثياب مريحة حتى يكون أكثر حرية عندما يمتطيهِ، وبجواره رجل كبير في السن يربت على الفرس بحنو.. لم تكن تستمع سوى لصوت نبراتهم، أما الحوار كان مُبهمًا بالنسبة لها.

مسح "يونس" على رأس فرستهِ بينما كان ممتعضًا وتعابيره غاضبة للغاية وهو يقول :
- مش هسمحلها تاخدها مني تاني، ولو عملتها أنا هحرق قلبها على الأسطبل بتاعها كله

تنهد "مهدي" غير راضيًا عما يقوله "يونس" وأبدى اعتراضه :
- غالية دماغها ناشفة وانت دماغك أنشف منها، لو مشيت بالعند مش هنخلص.. ما تحلوها بينكم أحسن

استعد "يونس" ليصعد على ظهر الفرس و :
- لأ، أعلى ما في خيلها تركبه.. وانا هوقعها من عليه
- يونس يابني

ودنى منه قليلًا :
- أنا عارف إن هي اللي بدأت الحرب عليك بعد وفاة هانيا الله يرحمها، بس آ....

وكأنه تضايق أكثر الآن ورفض استكمال هذا الحوار الذي يخصها بتاتًا :
- مهدي، متكلمش معايا عن الست دي تاني، أنا مش طايق سيرتها

أشاح "مهدي" وجهه شاعرًا بالفشل في إقناعه، فـ لمح تلك الفتاة التي غلب الحزن على وجهها وهي تقف في الشرفة وتنظر إليهم.. قطب جبينه بـ استغراب و :
- إيه ده!! مين دي ؟

التفت "يونس" بالفرس خاصتهِ ونظر بالأعلى ليجدها قد ظهرت أخيرًا بعد مرور ثلاثة أيام من تواجدها هنا، ثم أجفل بصره عنه وأجاب :
- ملك بنت عمي إبراهيم، هنا بقالها كام يوم
- مشوفتهاش خالص قبل كده!

فـ تأهب "يونس" للطيران بالفرس خاصته و :
- متاخدش في بالك

دخلت "ملك" للغرفة من جديد وشعور الكبت الذي تولّد من فرط كتمانها يُطبق على أنفاسها گأغلال من حديد تكاد تسلب أنفاسها حتى آخرها.. أذرفت عبرات حامية على جلدها لم تعد تتحمل لهيبها المُسعر، تهادت في جلوسها كأن ساقيها لم تعد تحملناها.. وغمغمت بصوت متقطع :
- يارب، يارب ساعدني.. أنا حاسه إني هموت من غير ما اشوف يوم واحد حلو

واستندت على الفراش بيد، والأخرى كانت تمسح بها دموعها وهي تشهق بأنين خافت.. وفي لحظة.. أحست بفكرة تولد في رأسها، توقفت عن البكاء.. وتحسست بيدها الغطاء الناعم الذي تجلس عليه، نظرت بعينان دقيقتان على الفراش، وكأنها وجدت المنفذ الذي ستهرب به منه هُنا.. ستتخلص أخيرًا، ولن تجعل أحدًا يرى وجهها مرة أخرى، لا والدها الذي يبيع في حياتها كل مرة، ولا ذاك الغريب الذي احتبسها في بيته وهي لا تعرف عنه سوى إسمه وصفتهِ.. ولا أحد نهائياً، فقط لـ تخرج من هنا.
............................................................................

ضرب "إبراهيم" على الطاولة بعدما فقد عقله جراء حديث "نغم" معه.. وسألها سؤال واحد بلهجة شديدة القوة :
- يعني انتي كنتي تعرفي إن بنتي على علاقة براجل غريب وهي ست متجوزة على ذمة جوزها؟؟

انتفضت "نغم" عن جلستها وهي تُبرئ نفسها وتُبرئ صديقتها على الفور :
- لأ ياعمو محصلش، محصلش أي حاجه من دي والله.. ملك كانت بتتعالج عن دكتور نفسي فعلًا، ومحصلش أي حاجه غير مجرد إعجاب من بعيد

أطاح "إبراهيم" بالمنفضة الممتلئة بـ أعقاب سجائره لتتناثر على البُساط، وتابع بتشدد غير مقتنع بتبريراتها:
- اللي بتقوليه ده ولا يدخل دماغي، بنتي غلطت غلط كبير أوي وانتي بدل ما تمنعيها عنه شجعتيها عليه!

تنهدت "نغم" بـ انزعاج بعدما فقدت كمًا هائلًا من طاقتها لإقناعهِ ببراءة ابنته، وأردفت :
- حضرتك لازم تسمعها، هي برضو حقها تعيش وتاخد فرصة تانية تحب فيها الإنسان الصح

ضحك ساخرًا و :
- الصح! هو فعلًا صح أوي.. الظاهر إن محمد كان عنده حق لما كان عايز يبعدك عن ملك

ونهض عن جلسته متابعًا :
- انتي كنتي بتطاوعيها على الغلط بدل ما تنصحيها تبعد عنه.. سيبتيها تقع في الغلط وتبقى ست خاينة وكمان تصمم على الطلاق عشان تروح للـ ×××××× اللي عرفته من ورانا

لم تتحمل "نغم" أكثر من ذلك، ضاقت ذرعًا من اتهاماتهِ المتتالية رغم برائتها البحتة وبراءة رفيقتها التي رفضت الوقوع في المحظور.. وهبّت واقفة عن مكانها وهي تردف :
- كفاية ياعمو كفاية، انت مش عايز تفهمني و لا تفهم ملك، بنتك كانت بتتعالج نفسيًا وحالتها كانت متدمرة وانت عامل نفسك مش شايف ده.. لو في حد السبب في اللي حصل، سامحني يعني.. الحد ده حضرتك، ودلوقتي لما بعدتها عن هنا وفاكر ان ده أمان ليها انت بتكمل الغلط اللي بدأته

فصاح فيها صياحًا أوجع صدره :
- مبقاش إلا بت من دور عيالي تعرفني الصح والغلط كمان!

شعرت "نغم" بوجوب إنهاء النقاش قبل أن يصل لمراحل متطورة أكثر من ذلك، وختمت قولها بـ :
- آسفه، أفتكرت إني هوصل لحل لما اجي اتكلم معاك.. عن أذنك

وسلكت الطريق نحو باب الشُقة، غادرت بهدوء.. وتركته ثائرًا أكثر من أي وقت مضى، ثورته لم تخمد.. ولكن شعور الندم بدأ يتبدد بداخله حتى أحس بصحة ما قام به عندما أستبعدها، فلم يكن لها مكانًا هنا بينما هناك ثعلب يحوم حولها بمكر.. ولا يدري أي نية خبيثة يخبئها لها.
...........................................................................

كان يتصفح أحد كتبه الموجودة ضمن مكتبة عريقة في مكتبه الخاص، حينما كان يتحدث لـ "مهدي" بـ استفاضة فيما يخص شقيقهِ التوأم "يزيد"..
كان "مهدي" يروي المزروعات والنباتات الضوئية الموجودة بالغرفة حينما أبدى رأيه قائلًا :
- انت عارف إن يزيد مش هيرتاح غير لما يرجع اللي اتسرق منه، ومستنى منك تساعده في ده

نهض "يونس" عن مكتبه وراح يخطو نحو النافذة المُطلة على الحديقة مباشرة، حيث سطى الليل وغطّى مساحة أرضهِ الخضراء.. وقال بـ اقتناع:
- مش هساعده، يزيد لو اتحكم والأسهم بقت في إيده أول حاجه هيعملها إنه هينتقم.. وانا مش هديله الفرصة دي

التفت نصف التفاته و :
- متنساش إن الست اللي بنكلم عنها دي كانت مراته في يوم من الأيام
- مش ناسي، ده سبب أولى إنه يسامح وينسى
- تؤ، مش هيسامح

- في جانب آخر -
كانت "ملك" قد سحبت المرتبة عن الفراش نحو الشرفة بعدما جردتها من الملاءة والغطاء وهي تتنفس بصعوبة جراء المجهود الذي تبذله وهي لم تأكل طيلة اليوم.. فتحت الشرفة وأقدمت على الخطوة التالية، حيث رفعتها بأقصى قوة وقذفتها لتسقط في الحديقة لتصدر جلبة.. تراجعت للخلف واختبأت خلف الجدار وهي تستقبل شهيقًا وتطرد زفيرًا واضعة يدها على صدرها..
في نفس الآن الذي أحس فيه "يونس" بذلك الصوت ورأى نصب عينه تلك المرتبة التي سقطت من الأعلى.. حدق بعيناه وكأنه فهم ما ترغب في القيام به، وسرعان ما تحرك نحو الهاتف اللاسلكي ورفعه ليتحدث به :
- أيوة ، خلي البواب يسيب البوابة ويبعد، وانت حضرلي العربية واختفي مش عايز أشوف حد في الجنينة

أغلق الهاتف و :
- أقفل النور يامهدي

أغلق "مهدي" النور وهو يتسائل بعدم فهم :
- هو فيه إيه يايونس، وإيه اللي وقع المرتبة دي؟

فأجاب وهو لا يزال مترقبًا :
- ملك، ملك هتحاول تهرب دلوقتي

بالفعل كانت "ملك" قد أقدمت على تلك الخطوة بعدها مباشرة، حيث قفزت من الشرفة وبكل جرأة غير مهتمة بتبعات ما قد يحدث حتى وإن أُصيبت بسوء.. ورغم إنها وقعت على المرتبة الطرية إلا إنها تألمت قليلًا والتوت ساقها.
تآوهت بخفوت وهي تنظر حولها بقلق، ثم أجبرت نفسها على النهوض.
كان يراها، يراقبها من بين الظُلمة التي تواريه، غير قادر على استيعاب جرأتها وإقبالها على الخلاص بأي شكل.. وما أن رآها تتحرك نحو البوابة تناول هاتفه وخرج قاصدًا الباب الخلفي الذي سيؤدي به مباشرة للجراچ، وبدأ يقوم بـ اتصال هاتفي إنذاك.
.........................................................................

ركضت "ملك" ركضًا يقطع الأنفاس ويهلكها وسط ظُلمة حالكة السواد لا يضيئها سوى بصيص من النور، كل ما يشغل عقلها هو التخلص من هذا المحبس الذي احتُبست فيه.. لم تكن تعلم ما المصير الذي ينتظرها، الأهم هو التخلص مما وقعت به.
كانت تنظر خلفها بشكل تلقائي وعشوائي لتتأكد إنه لم يلحق بها، وصدرها يوخزها بألم من فرط المجهود الذي تقوم به وهي غير مؤهلة لذلك.. ومن مسافة بعيدة.. وجدت أضاءة سيارة تظهر على مرمى البصر.. توقفت فجأة وهي تلهث ولوحت بذراعيها وهي تصرخ بصوت مبحوح :
- آ.. ألحـ.. ـقنـي ، حد يلحقني

كان "يزيد" يراها بالبداية گظل يلوح في الهواء، فـ دقق حواسه جيدًا ليتعرف على هويتها، وإذ به يتفاجأ بإنها "ملك".. حدقت عيناه غير مصدقًا ، وبدأ يهدئ سرعة قيادته.. بينما مشت هي ببطء نحو السيارة وقد نفذت طاقتها، حتى توقف بسيارته فـ استندت عليها و :
- ألحقني أرجوك

ترجل عن السيارة وهو يدقق فيها بعيناه، رفعت بصرها نحوه تستجديه، فـ إذ بعيون لامعة بلون قاتم.. مخيفة.. هل شعرت يومًا عندما تنظر لأحدهم بالخوف!!
هذا ما حدث.. ارتعد جسدها وهي ترى ذلك اللمعان المغلف بظلام المكان ، وقبل أن تحاول فتح فمها بكلمة كان يسبقها بسؤال غير متوقع :
- انتي بتعملي إيه هنا في ساعة زي دي؟!

أحست وكأنها تعرفه من مكان ما، هذا الوجه وهذه الملامح ليست بغريبة عليها، ولكنها لم تدرك بعد أين ومتى؟!.. ظلت بصمتها المرتبك والعرق يتصبب من كل ذرة فيها.. هل تركض؟ أم تلجأ إليه لـ يُغيثها ؟؟.
يتبع.....
لقراءة الفصل العاشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات