القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ياسمين عادل

لا يوجد أسوأ من المعارك التي تخوضها بنفسك مع نفسك، في كُل نتائجها تكون أنت الخاسر."
__________________________________________
أمتد الإجتماع لوقت طويل، كان "يزيد" يحارب فيه كي لا يُظهر أيًا من الحروب الناشبة بداخله، وكي لا تطفو مشاعر الألم التي يعانيها عليه.. حيث هاجمهُ ألم الرأس ولم يزول حتى بـ استخدام المُسكنات، ولا سيما حالتهِ التي لم تتحسن على الإطلاق.
انتهى كل شئ بعدما وُضعت خطة كاملة سيتم العمل بها في الفترات المقبلة على خطوات زمنية متراتبة، وحينها بدأ الجميع يُفرغ مقعده وغادروا بـ رتابة وهدوء وبدون إحداث أي ضجة من حولهم.. عدا المتحدث الرسمي بأسم الفريق والذي وقف يبلغ "يزيد" بـ تعازيهِ الحارة نيابة عن الوفد بـ أكمله لوفاة الشريك الثالث بالشركة حسب معلوماتهم، فـ تقبّل "يزيد" تعزيتهِ بصدر رحب متمسكًا بجمود وجهه الذي خلا من أغلب التعابير :
- بلغ Herr Prof "سيد بروف" جزيل الشكر لـ اهتمامه

وصافحه بينما كان المتحدث يردف بـ :
- أكيد، عن أذنك
- أتفضل

وخرج "يزيد" من خلفهِ بعدما اطمئن لخروج الجميع ليلمح بـ طرفهِ "سيف" يقف جانبًا منتظرًا إياه، فـ رمقهُ بنظرة كادت تفتك بهِ.. أحنى "سيف" بصرهِ على الفور وأردف :
- والله مستر يونس بنفسه اللي أمر بكده

فـ دنى "يزيد" منه وهتف بنبرة محذرة :
- إياك تحطني في وضع زي ده تاني ياسيف، فهمتني؟؟

فـ أومأ "سيف" عدة مرات :
- حاضر

عبر "يزيد" من جواره وسلك طريق غرفتهِ مباشرة، فتح الباب وولج لـ تتسلط تلك الرائحة على أنفهِ.. فـ نظر مباشرة نحو المكتب ليجد بالفعل فنجان من القهوة الساخنة تتصاعد منها أبخرة برائحة شهية، ورغم اشتهاءهِ الشديد لها وحاجتهِ القصوى لشرب فنجان من القهوة، إلا إنه رفض بتاتًا.. وسار نحو الهاتف الخلوي كي يتحدث فيه وعيناه عالقة على الفنجان، إينذاك كانت "نغم" تطرق على الباب.. فـ سمح لها بالدخول :
- أدخل

ثم انتبه لـ رد السكرتارية عليه وقال وهو ينظر لـ "نغم" متعمدًا إرسال تلك الرسالة لها :
- أبعتيلي فنجان قهوة مظبوط، وياريت بعد كده آنسه نغم متتعبش نفسها في البوفية.. قسم الحسابات منفصل ولا يجوز بتاتًا بأي شكل إن حد ضمنه يكون موظف بوفيه، فهمتي؟

ثم أغلق الهاتف متوقعًا رد منها بشأن تشديداتهِ التي تخصها، ولكنها تحدثت عن العمل على الفور وبدون أن توليهِ وجهًا أردفت بـ :
- محتاجة توقيع منك عشان نلحق نصرف الشيك ده

فـ التقط قلمهِ وانتظرها أن تقترب، ولكنها كانت جامدة في مكانها وكأن عقلها علق في أمرٍ ما، فـ قطب جبينهِ قائلًا بسخرية :
- تحبي أجيلك أنا؟!

فـ تقدمت منه على الفور وقد تداركت غفوة عقلها، وناولته الملف بدون أن تنبث بكلمة واحدة.. فـ وضع توقيعه بالمكان الصحيح وأولاها ظهرهِ وهو يستعد للجلوس على مكتبهِ، حينئذ كان "يونس" يدلف كي يتواجه مع "نغم" قبيل أن تخرج وقال :
- كنت عايزك في موضوع يانغم

فـ سألته بفضول حينما كان "يزيد" ينظر لكلاهما :
- أتفضل يامستر يونس
- مش هنا، هعدي عليكي في مكتبك

فـ أومأت قبل أن تقول :
- اللي تشوفه، عن أذنك

وخرجت على الفور.
كان "يونس" يتفحص شقيقهُ جيدًا وهو يدنو منه بعدما علم بأمر عودتهِ لـ احتساء الخمر من جديد، وسأل بـ انزعاج اعتراه :
- باين كده السهرة كانت حلوة! وإلا مكنتش نسيت اجتماع النهاردة

جلس "يزيد" بمحلِه متحاشيًا النظر لـ أخيهِ الذي يبرع في ترجمة كل إيماءاتهِ وتعابيره :
- أنت عينت نغم جاسوسة عليا ولا إيه؟

رفع "يونس" ساق على أخرى وهو يجلس بـ أريحية و :
- عيب عليك، مش هدخل الغريب بينا مهما كان الغريب ده قريب منك

فـ نفى "يزيد" صحة هذه المعلومة على الفور رافضًا الإيمان بها أو تصديقها :
- مفيش حد قريب مني، بلاش التلميحات دي يايونس لو عايز تقول حاجه قولها على طول

فسأله "يونس" بدون تردد :
- شربت أد إيه امبارح؟

فـ تهرب "يزيد" من السؤال وقد أحاد بوجهه عنه :
- مش كتير

ثم أراد أن يلهي عقله قليلًا ولم يجد سوى "ملك" يفتتح بها حوار جديد :
- ملك عاملة إيه دلوقتي؟

فـ تنهد "يونس" بعدما تذكر أصعب اللحظات التي مر بها كلاهما بعد وفاة "إبراهيم" وأجاب بـ :
- ملك انهارت الفترة اللي فاتت، مرت بأيام صعبة يدوب بدأت النهاردة بس تتعايش معاها

فسأله بشأن الأمر الذي اتفق عليه كلاهما :
- وعملت إيه في الموضوع اللي اتكلمنا عنه؟
- كل حاجه اتحلت، اللي فاضل بس تقبلها للوضع اللي هتلاقي نفسها فيه

ثم تأفف منزعجًا من مشاركتهِ في لعبة كتلك وتابع :
- بسبب ماضي قديم اضطريت أكذب وأعمل حاجات مكنش ليها أي لزوم عشان أداري على الكارثة اللي حصلت زمان

فـ ابتسم "يزيد" بدون أن يعبأ بأي شئ و :
- أنت اللي أصريت على ده أنت وعمي ، لو كانت عرفت الحقيقة بدري مكنش زماننا هنا دلوقتي

فـ استنكر "يونس" تحدثهِ بهذه السهولة و :
- وهي دي حقيقة تتقال يايزيد!!

فلم يتراجع "يزيد" عن استسهالهِ للأمر قائلًا بسخرية شديدة :
- عادي، إحنا عيلة اتكتب على رجالتها إنهم يتخانوا

ونهض بعد أن أتمّ كلمتهِ الأخيرة تلك والتي أصابت "يونس" بالذهول، ثم جلس قبالتهِ وتابع :
- الموضوع كله كان هياخد يومين اكتئاب وتعديهم

وقف "يونس" عن جلستهِ مقررًا الإنصراف بدون أن يترك أي تعقيب من خلفهِ.. ولكن "يزيد" استوقفه بسؤالهِ المباغت :
- حبيتها أوي كده؟؟ يعني لدرجة إنك مش هتتحمل تشوفها بتتألم !؟

فـ نظر" يونس" بطرفهِ و :
- حبيتها، أنا ممتن ليك انت وعمي على الأمانة اللي كلفتوني بيها.. لولا كده كان زمان كل حاجه دلوقتي متغيرة

وخرج.. لم يُصدق "يونس" أو يقتنع بأن شقيقهُ على ما يرام، بل إنه يُجزم إنه في أسوأ حالاتهِ ولكن يبرع في إظهار لا مبالاتهِ.. لا يستطيع فعل شئ له الآن سوى أن يتركهُ وحيدًا لكي يعبر هذه الأزمة التي ستكون صعبة لا محالة، ولكنه سيجتهد بأسنانهِ وأظافرهِ لكي يُخرج نفسهُ منها ويتجاوزها كما تجاوز الكثير من قبلها.. هو يعرف شقيقهِ جيدًا

خرجت "نغم" وهي تحمل حقيبتها الصغيرة كي تغادر مقر الشركة.. كلماتهِ الأخيرة ما زالت تتراقص گالأقراط المتدلية في آذانها، والحيرة قد تمكنت من عقلها تمكنًا شرسًا.. ماذا عساها تفعل، هل تستمر محاولاتها البائسة من أجله أم تعتزل تلك المهمة الشاقة التي تحس أحيانًا إنها أكبر من قدرتها؟؟.
إنها تتفتت كلما رأته هكذا بسبب زوجته السابقة والمتوفاه.. شعور الغبطة يلتهمها وكأن موتها لم يكن سوى جدار بُنيِّ بينهما، بعدما أحست في آخر لقاء لهم قبيل الحادثة بـ بصيص أملِ ينبثق في طريقها؛ الآن قد تحول هذا الأمل لـ يأس شديد.
وقفت "نغم" لتخرج هاتفها من الحقيبة قبل الخروج من الشركة، فـ شاء القدر أن تسمع الحديث القصير جدًا بين موظفتي تعملن بالشركة.. حيث شرحت إحداهن للأخرى عن الحالة التي رأت فيها ربّ عملها بـ الجراچ الخلفي للشركة :
- زي ما بقولك ، يزيد بيه قاعد جوا عربيته وقافل على نفسه وكأنه بيعيط.. أول مرة أشوفه كده!
- ياعيني!! مكنتش أعرف إنه بيحبها أوي كده ؟!

عبرت "نغم" وقد استمعت ما يكفيها ويزيد، هل تقلق بشأنه الآن أم تتضايق لأنه يحشر نفسهِ في زاوية الندم والحزن هذه؟؟ أصبحت مترددة بين كلا الخيارين.. حتى وجدت نفسها تسأل أحد أفراد الأمن عن مكان الجراچ الخلفي واتجهت نحوه منتوية وبـ إصرار شديد إخراجهِ من هناك وبأي ثمن.
بحثت بعيناها عن سيارتهِ بين الكثير من السيارات حتى وجدتها على مرمى البصر.. فـ أوفضت نحوها وهو تدعو سرًا أن لا تجده في حالة مزرية على الأقل، حتى رأتهُ بنفسها وهو في حالة من الهدوء المريب.. تنفست بعمق قبيل أن تتجرأ وتفتح الباب الجانبي للسيارة وتستقل المقعد الأمامي بجواره، لمحت نظرات الإستنكار المحفوفة بـ نيّة في توبيخها.. ولكنه استبقته قائلة :
- ندمان ولا لسه بتحبها؟

زفر بسأم وهو يشيخ بصرهِ عنها وقال :
- مش هتحبي تسمعي الأجابة، أنتي آخر واحدة المفروض تسألي سؤال زي ده

فـ سلطت عيناها عليه وهي تقول بـ فتور مصطنع :
- يزيد أنا عايزة أساعدك

فـ ابتسم مستخفًا بها و :
- مش هتعرفي

فـ تحدت إيمانهِ الشديد بفشلها قائلة :
- أنت مجربتش عشان تقول كده

فـ نظر "يزيد" حيالها وصاح قائلًأ :
- عايزة إيــه يانـغم!! هـه ؟

فـ صرحت فورًا :
- عايزاك تتنازل عن شعور الذنب اللي مش هيفيدك بأي حاجه.. خلاص اللي حصل حصل
- أنتي متعرفيش حاجه
- أنا عارفه كل حاجه، من أول قصة حبكم لحد ما معتصم دخل بينكم وخدها منك.. بس اقولك حاجه

فـ نظر نحوها من جديد كي تتابع هي :
- مفيش حد يقدر ياخد حد من أيد حد يايزيد.. اللي عاشته رغدة كان نتيجة طبيعية لخيارها وهي نفسها اختارت تكفر عن غلطها في آخر وقت ، ومش بقول انها تستاهل ده بالعكس.. دي صعبانة عليا جدًا

وضعت يدها على مرفقهِ وضغطت قليلًا لـ تنتقل أنظارهِ على موضع اليد بينما كانت تقول هي :
- أنت غلطت، بس متقدرش ترجع الوقت عشان تصلح غلطتك

أطبق "يزيد" جفونهِ واستند برأسه للخلف وهو يتحدث بـ استفاضة لعل ما بداخلهِ يهدأ قليلًا :
- ده مش مجرد غلط، أنا ضحيت بيها وحطيتها في وش المدفع وانا مش حاسس.. كان كل همي أثبتله إني لو عايز أرجعها ليا هرجعها، كنت عايزها تندم إنها شكت فيا وصدقت كلام حد غيري، مش كده وبس.. دي اتجوزت صاحبي الوحيد

ثم ابتسم بسخرية وهو يصحح خطئهِ الأخير :
- أو زي ما كنت فاكره كده

استدارت رأسهِ قليلًا لينظر إليها من طرفهِ متابعًا :
- في حاجات كتير جوايا الكلام ميكفيش عشان يوصفها يانغم

تنهد بضيقٍ شديد وفتح باب السيارة.. ترجل منها ووقف بالخارج محاولًا التنفس براحة، ولكن ثمة ضيق يجثم على قلبهِ يمنعه من ذلك.. ترجلت "نغم" أيضًا وسارت نحوهِ حزينة من أجلهِ، وقبل أن تتفوه بأي كلمة تُآزره بها كان يبادر هو رافضًا أي دعم :
- مش عايز أسمع أو اتكلم عن أي حاجه يانغم، مجرد الكلام بيوجعني أكتر

فـ أجفلت بـ إيماءه صغيرة جدًا ووقفت لـ جوارهِ مستندة على السيارة قائلة :
- عندك حق

مرت لحظات طويلة، ربنا دقائق؛ والوضع كما هو عليه.. صمت يصيب المكان، حتى بترهُ هو متسائلًا :
- أنتي كنتي هتروحي ؟

فـ أومأت برأسها و :
- آه

فـ تحرك من مكانه وفتح الباب كي يستقل سيارتهِ وأردف إينذاك :
- طيب يلا عشان أوصلك

أرادت ذلك بكل جوارحها، ولكنها عارضت في البداية گنوع من حفظ ماء الوجه أمامهِ و :
- آ.. مش لازم، أنا هاخد أي تاكس يخرجني للشارع العمومي وهركب من هناك

لم ينظر لها حتى وأصرّ عليها قائلًا :
- أركبي يانغم أنا معنديش خلق عشان أتناقش

فـ أسرعت نحو الباب الآخر كي تجلس بجواره من جديد بعدما أدار السيارة.. متمنية أن يدور بينهم أي حوار على الأقل لتطفئ به لوعتها التي لا تنتهي.
...........................................................................
لم يستطع "يونس" الصبر لأكثر من ذلك، يريد وبشدة أن ينهي هذا الأمر كي يتفرغ لما هو أهم.. يتفرغ لـها.
أحضر "يونس" "محي" إلى المزرعة كي يتمم هذا الحوار ويقوم بتسليم المستندات الهامة لـ "ملك"، وبعدما تركه في غرفة الإستقبال خرج كي يُخبر "ملك" بحضورهِ.. فوجدها بالفعل قد ارتدت ملابسها وهبطت كي تتحدث إليه.. انتظرها بالأسفل وهو يراها تهبط بثبات مرتدية ثيابها السوداء، ثم استقبلها متسائلًا :
- هتفضلي لابسه أسود كتير؟

فـ لم ترغب بالتحدث عن هذا الأمر و :
- سيبني على راحتي يايونس، أنا فلت من نينة بأعجوبة وكانت مصممة تخليني أغيره

فـ ترك الأمر لها كما رغبت و :
- اللي يريحك

ثم أشار لها كي تستبقهُ للداخل.. وعندما رآها "محي" نهض على الفور وأحنى بصرهِ بتهذيب وهو يردف :
- البقاء لله ياست ملك
- ونعم بالله، شكرًا

جلست "ملك" أولًا وبجوارها "يونس" ، ثم سألت بفضول :
- هو بابا قالك حاجه قبل ما يموت ياأستاذ محي ؟؟

فـ أومأ "محي" برأسه وتناول المظروف الأبيض وهو يقول :
- الحج إبراهيم كتب المحل بأسمك قبل ما يقابل وجه كريم، ووصاني أبلغك إن في حساب بأسمك في البنك

ناولها الظرف وتابع :
- الحساب ده اتحط فيه شقى عمر الحج الله يرحمه، وكمان تمن بيع البيت القديم و......

فـ استوقفته "ملك" وقد شحب وجهها فجأة من تلك المعلومة التي لم تسمع بها من قبل :
- ثانية واحدة، بيت إيه اللي اتباع!!

كان "يونس" ملتزم بالصمت لم يتدخل في أي شئ، بقى يراقب ردود فعلها التي توقعها من قبل خاصة عندما تعلم بشأن بيع منزلهم القديم الذي بقى فيه ذكريات أمها وأبيها القديمة.
بُهت "محي" وهو يجيبها :
- البيت القديم بتاع الحج، باعه كله

فـ التفتت "ملك" ونظرت لـ "يونس" بشدوه وهي تسأله مصدومة :
- أنت كنت عارف يايونس؟

فـ لم ينكر "يونس" علمهِ بهذا الأمر و :
- عرفت بعد ما عمي توفى الله يرحمه، لما كنت بسعى في إعلام الوراثة عشان تستلمي كل حقوقك

انقبض قلبها بحزنٍ شديد وزاغت عيناها لتنظر إلى الفراغ بينما كان "محي" يتابع :
- الحقيقة إني جاي عشان أتكلم عن الموضوع الأساسي.. أنا عايز اشتري منك المحل بالبضاعة اللي فيه

اتسعت عيناها وهي تنظر إليه بـ استغراب، حيث كان مجرد عامل لدى أبيها.. كيف له الآن أن يشتريه كاملًا بهذه السهولة!.
صمتت للحظات، فـ اقترح عليها "يونس" وكأنه يوجهها نحو رغبته هو :
- أنا رأيي توافقي لو السعر هيناسبك ياملك، أنتي مش هتفهمي حاجه في شغل الملابس ولا التعامل مع التجار

نظرت "ملك" لهذا الظرف متمعنة فيما يُقال، بينما أردف "محي" قائلًا :
- وانا مستعد للدفع وكاش كمان

مازالت نظرات "ملك" المشدوهه تحوم حوله، فـ أراد أن يضيف على كلامه كي يكون أكثر إقناعًا :
- أنا شاورت واحد صاحبي وهنتشارك فيه ان شاء الله، ها قولتي إيه ياست الكل؟

فـ أردفت على الفور وبدون تفكير :
- هفكر

فـ ألح عليها "محي" بشكل غير مباشر :
- إن شاء الله يكون تفكيرك لصالحنا ، المحل فاتح بيوت ناس كتير ولولا إن في بضاعة تكفي وتفيض كان زمان المحل اتقفل من يوم موت الحج الله يرحمه.. أكيد فهماني

فـ أومأت برأسها وهي تنهض عن جلستها و :
- إن شاء الله ياأستاذ محي، يونس هيبلغك بقراري

ناولها "محي" الظرف وهمّ لينصرف :
- هكون مستني

فـ أشار له "يونس" و :
- اتفضل يامحي

وسار كلاهما للخارج حينما كانت "ملك" تغمغم مع نفسها :
- بقى كده يابابا؟؟ بتبيع الحاجه الوحيدة اللي كان فيها ريحة أمي!؟

وتنهدت مُمررة تلك العبرة من طرفها و :
- حتى وانت ميت عايز تتحكم فيا!، مسيبتش ليا قرار ولا رأي

ألقت بالظرف على الطاولة وتحركت ببطء شديد كي تصعد لغرفتها من جديد بعد تلك الصدمة التي تلقتها وكانت كفيلة بأن تُظلم الدنيا من جديد في عيناها.. أن تشعر بوجود يد تدخل في حياتها أصبحت عُقدتها التي لم تتخلى عنها حتى الآن، والتخلي عنها لن يكون سهلًا البتة.
...........................................................................

كان "يزيد" يقود السيارة وسط زحام مروري معتاد بالكاد تخلص منه بصعوبة كي يستطيع أن يُلحق "نغم" بمنزلها.. لم يتحدث أو يتغوه بكلمة واحدة، فـ لم تحرك "نغم" ساكنًا هي الأخرى كي لا تسبب ثقلًا عليه.. مكتفية بمجرد وجودها معه بنفس المكان وتنفسهم نفس الهواء المحيط.
رنّ هاتف "يزيد" حينئذ، فـ أجاب على الفور و :
- أيوة يايونس سامعك.. آه، وبعدين

كانت "نغم" تستمع إلى كل كلمة بـ اهتمام، بات صوتهِ من الأشياء التي تُحب سماعها دائمًا.. حتى إنها لم تهتم بمحتوى الحديث وبقيت أذنيها تستمع لنبرة صوتهِ فقط.
إينذاك رأى "يزيد" كمين تفتيش دوري تمر عليه كل السيارات، فـ بحث عن رخصة السيارة الخاصة به و هو يردف :
- خليك معايا ثواني يايونس هشوف الرخصة فين عشان داخل على كمين

ثم أشار لـ "نغم" و :
- أفتحي التابلوه وشوفي الرخصة كده عشان مش لاقيها هنا

فتحت "نغم" حيث أشار هو لتجد كيس أسود كبير وبعض الحوائج الغير هامة ومن بينهم رخصة السيارة.. فـ ناولته إياها و :
- أهي

فـ تنغض جبين "يزيد" وهو يتسائل حول هذا الكيس الغريب :
- إيه الكيس ده؟؟

فـ فتحتهُ له وهي تقول :
- مش عارفه

لتجد كيس يحتوي على مسحوق أبيض، قطبت جبينها ولم تفهم بعد ما هذا، ولكنها خمنت :
- ده سكر ولا ده إيه!!

فتح "يزيد" إضاءة السيارة العلوية وقد بدأ يضطرب وهو يفحص ذلك الكيس بنفسهِ :
- إيه اللي هيدخل السكر في عربيتي!!

وأخيرًا فهم هوية ذلك الكيس الذي سـ يدمر حياتهِ كاملةً، فغر فاههِ وتمتم مصدومًا وعقلهِ لم يستطع الإستيعاب بعد :
- هـيروين؟؟؟!!! ؟!

فـ صاحت "نغم" بشهقة عالية :
- إيـــه!!!!

نظر "يزيد" أمامه فوجد إنه لم يبقى سوى سيارة واحدة تفصل بينه وبين الضباط المسؤلين عن التفتيش الدقيق وكأنهم يبحثون عن شئ بعينهِ.. يبدو إنه هو الشئ ذلك، لقد وقع في الفخ وقعة شديدة للغاية، ولا يعلم ماذا سيفعل الآن.. الشرطة من أمامهِ، والسيارات الأخرى من خلفهِ، لن يستطيع حتى كسر الكمين والتصرف بشكلٍ يُثبت عليه تلك الجناية التي ستكلفهُ مستقبلهُ.. و الأسوأ إنه ليس هنا بـمفــردهِ.
يتبع.....
لقراءة الفصل الرابع والخمسون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات