القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث 3 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث 3 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث 3 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث 3 بقلم ياسمين عادل

كان الأمر قويًا عليها، وكأن الشيطان يُسلسلها بوساوسهِ الخبيثة كي تترك نفسها خلف رغبة جامحة تحاول التغلب عليها.. عناقهِ.. همسهِ وصوت أنفاسه اللاهثة التي تستمع إليها، لمستهِ الرقيقة لها والتي حبذتها.. ولكنها گالنيران على جسمها.. هي تدري أن عواقب الأمر النفسية عليها ستكون وخيمة، فـ هي مُدربة على جلد الذات وتأنيب نفسها بشكل دائم جعلها لا تقبل بوجود الخطأ في حياتها.
ابتعدت "ملك" عن حصار عناقه المُحبب لها، واعتدلت في جلستها وهي تنظر للساعة :
- أنا اتأخرت النهاردة

شعر بها، وبرفضها لتلك العلاقة التي تطورت عن كونها طبيب ومريضة.. رغم تلميحهِ الصريح لها بإعجابه الشديد، إلا إنها لم ولن تقبل.
تكبد "هادي" العناء وهو يضبط نفسه وإنفعالاته التي انجرفت نحوها ، وطرد زفيرًا مطولًا أتبعه بنهوض عن مجلسه و :
- تحبي أوصلك؟
- لأ

سحبت حقيبتها ونظرت حياله، كان يدنو منها حينها و :
- هتعملي إيه مع جوزك؟

تركت غفوتها الصغيرة الآن وتأففت وهي تردف :
- معرفش، بس أكيد هيكون في حل

تعجبت وتنغض جبينها وهي تسأل :
- هي الممرضة بتاعتك مدخلتش علينا النهاردة گالعادة ليه؟
- أجازة

تناول يدها الصغيرة بين يديه ونظر لها متعمقًا :
- خلي بالك من نفسك ياملك، أنا مش هستحمل أشوفك بالحالة دي كل مرة

أطرقت جفونها بقهر، فتابع هو :
- سيبيه، أخلعيه لو عايزة القانون في صفك.. لكن مينفعش تعيشي معاه كده

أومأت رأسها بـ إيماءه صغيرة مجيبة عليه :
- بحاول أوصل لده، بس دلوقتي لازم امشي

سحبت يدها رغم إنه كان يتمسك بها جيدًا، وقبل أن تتفوه كلمة كان هو يردف :
- لازم تيجي في يوم بدري شوية، أنا ملحقتش أشبع منك

ابتسمت بخجل.. في لحظة نست من تكون وما هو وضعها، فـ سماع كلمات گتلك غير معتادة عليها تؤثر في نفسها أكثر، وتُشعرها كم هي مظلومة بتلك الزيجة!.. وتجعلها تمقت حتى مجرد تواجدها مع إنسان لا يستطيع تقديرها والتعامل معها بوّد ورحمة وتآلف كما حثّ الدين الإسلامي "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
وفي اللحظة التي آمنت فيها إنها تكنّ له شيئُا، هي اللحظة التي قررت فيها تطليق زوجها ومهاجرة تلك العيشة التي أُجبرت عليها.. لم تتحمل كونها آثمة، يأتي الليل ومعه تأنيب الضمير الذي يعذبها تعذيبًا لا نهاية له.. ومع كل مرة تراه مجددًا يتلاشى هذا الشعور ليكون محله الشوق والحنين اللذان لا ينتهيان.. متى ينتهي عذابها المزدوج؟؟ من ناحية زوج لا ترغبه، وأخرى حبيب ترفضه تعاليم الدين والمجتمع، حقًا أصبحت بين المطرقة والسِندان، وبقى القرار لها في النهاية.
...........................................................................
ركضت "رغدة" من أمامه بعدما وصل لذروة اهتياجه وعنفه وعصبيته.. منذ أن علم "معتصم" بتفاصيل تلك الحادثة بعد مرور أسبوع عليها، اهتاج أكثر كونها جعلت الأمر سرًا.. والأسوأ هو مفاجئته بالخبر من مصدر خارجي أبلغه بخروج ماكينات تخص "يزيد" من أيدي الجمارك بسهولة ويسر بعد أن عثّر "معتصم" ذلك.
أوصدت "رغدة" الباب عليها ومازال صوت التكسير والتهشيم بالخارج مع صراخه وصياحه.. تنفست الصعداء وهي عاجزة عن التفكير في حل يُهدئه ويرضيه، حتى كلمات المواساة لن تفلح معه الآن.. التزمت الصمت بعدما بدأ السكون يعمّ ولم تعد تسمع له صوتًا، فـ فتحت الباب بهدوء وراحت تختلس النظر إلى موقعه.. كان قد جلس على الأريكة ونصف جسده ممتد للأمام يستند بذراعيه على ركبتيه، كأنه كان يعارك أحدهم توًا.. انفرط عرقهِ وبرزت عروق جبهته وعنقه بوضوح، اضطربت "رغدة" أكثر وتركت زفيرًا مرتاعًا يخرج من بين ضلوعها، ثم راحت تدنو رويدًا رويدًا وختختت قائلة بتردد :
- اللي بتعمله مش هيغير حاجه من اللي حصلت يامعتصم

فـ رفع طرف بصره المحتد نحوها لتتراجع عما بقا من حديثها الذي لن يجدي معه ولن يأتي بثماره بل إنه يُحمم غضبه أكثر، ولكنها لم تصمت :
- يزيد مكنش هيسكت غير لما يسحب المكن من الجمارك

فـ تلوت شفتيه بـ تهكم قائلًا :
- تروحي انتي تقدميله التفويض على طبق من دهب!

وهبّ من جلسته وهو يصيح بجنون تملك عقله :
- أنا جـــــوزك مش هـو ، كان لازم تسمعي كلامي أنا يارغدة

فلم يسعها الصمت وصاحت هي الأخرى :
- مكنش ينفع أضحي بنفسي وبيك وانا شيفاه بالشكل ده، ده اتجنن خلاص
- يـســـــتـاهـل

وأشار بسبابته محذرًا :
- المرة الجاية اللي هعرف فيها إنك ساعدتيه يارغدة ، هكون غبي أوي في رد فعلي.. ومش هميز رد الفعل ده رايح لمين

فـ تغيرت ملامحها لتكون أكثر تجهم و :
- أنا مبتهددش يامعتصم، يوم ما تشيل يزيد من دماغك ونفض الشراكة دي هو اليوم اللي هترتاح فيه، غير كده لأ

وولته ظهرها ماضيه في طريقها نحو المطبخ وهي تغمغم :
- غبي! مش هيرتاح غير لما روح فينا تروح
..........................................................................
كانت تتأملها وكأنها تنظر لحالها.. مجرد دُمية بقيت لها من والدتها التي توفت في ظروف غامضة لا تعلم عنها شيئًا، حتى لا تدري أين يقبع قبرها لتبكيها عليه.
نظرت "ملك" للدُمية الصغيرة التي اهتمت بها سنوات طويلة، ثم تنهدت بثقل وهي تدسها بين حوائجها بالخزانة وأغلقت عليها.
استقامت في وقفتها وراحت تنظر للمرآه، تحسست خصلات شعرها الذي طوقتهُ بحجاب لم ترغب فيه، وخللت أصابعها بين الشعيرات وكأنها تُحرره قليلًا.. ثِقلًا يجثم على صدرها وعقلها لا يخلو من التفكير بالأمر، كيف ستفتتح طلب طلاقها منه معه، وما هي ردة الفعل التي سَـ يُبديها!.
نظرت من النافذة، كان الستار القاتم يواريها عن الأعين، ولكنها كانت مرتكزة على شئ واحد، زوجها الذي سيأتي لتبدأ حوارها معه.. حتى لمحته يصفّ سيارته على الجانب الآخر ويترجل منها، ظلت بمحلها حتى لمح ظلها، فـ رفع بصره تلقائيًا ليراها فجأة.. ذمّ شفتيه بـ انزعاج، خاصة عندما لمح هذا الشاب الذي يقف أمام البناية بالأسفل وينظر للأعلى حيث هي، أشتط، واندفع بجنون نحو هذا الشاب الذي نظر لزوجته.. جذب ياقته بعنف وصاح فيه بصوت مرتفع :
- انت بتبص على مين يا *****

وكاد يكون أشرس معه لولا رد الأخير الذي اجتهد ليدفعه عنه بأقصى قوة وهو يصيح فيه :
- انت اتجننت ياجدع انت ولا إيه، شيل إيدك عني بدل ما اقطعهالك

فـ نظر أحد سُكان العقار من النافذة وجأر بـ :
- إيه ياشريف في إيه!؟

فصاح الشاب وهو يتخلص من قبضة "محمد" :
- الغبي دي هجم عليا وانا واقف مستنيك معرفش ليه!

فقال الآخر وهو يصيح من الأعلى ليسمعه "محمد" :
- ده تبعي ياأستاذ يامحمد، جرا إيه لكل ده؟

فـ حدجهُ بنظرة حازمة وراح يشق طريقه لداخل البناية يكاد يُطلق من أذنيه دخان، دلفت "ملك" بسرعة فائقة وخرجت كي تفتح له قبيل أن يدرك عقلها ما الذي حدث وما سبب جنون زوجها لهذه الدرجة، وقبل أن تهمّ لفتح الباب، كان هو يفتحه ويدلف.. صفقه خلفه وبخطوات متعجلة مضى نحوها بشكل أرعبها ، جعلها تتراجع للوراء وهي تردف بنبرة مترددة :
- مالك يامحمـ...... آآآه

كانت أصابعه تنغرز في شعرها بقوة آلمتها وهي يصرخ فيها :
- إيه اللي كان موقفك عند الشباك! هه.. وكمان مش حاطة حاجه على راسك ، عايزة مين يشوفك كده يا ******

تآوهت وهي تمسك بيده التي كادت تقتلع شعرها من جذوره محاولة الدفاع عن نواياها :
- أنا كنت واقفة ورا الستارة والله العظيم، والله ما حد شافني

فلم يتوقف عن الصراخ والصوت المرتفع وهو يهدر :
- أنا شايفك بعيني وتقوليلي محدش شافني! بتستعميني!!..

توسلته يتركها كي تُرحم من هذا الألم الشديد على الأقل :
- طب سيب شعري وانا هفهمك، والله كنت مستنياك وببص عليك

فصدر صوته حاملًا نبرات تخيفها وهو يقترب من آذانها گالفحيح :
- ده انا هقطعلك شعرك اللي فرحانة بيه ده وبتطلعي بيه من الشبابيك

ودفعها لتقع على الأريكة مستكملًا :
- المرة الجاية هحط دماغك تحت رجلي لو شميت خبر بس إنك طلعتي تبصي من شباك ولا بلكونة، سمــعانـي

والتفت موليها ظهره.. تطلعت إليه بسخط يُغالب دموعها وهو يبتعد عنها، واستجمعت نفسها خلال ثوانٍ لتقول بصوت مُتحدٍ وصل لمسامعه بقوة :
- طـلقنـي..

توقف عن الخطو، ظل للحظات واقفًا جامدًا يحاول استيعاب تلك الكلمة المجترئة التي تفوهت بها غير مدركة توابعها من وجهة نظره.. ثم التفت برأسه أولًا، ببطء شديد.. و بنظرات تكاد تلتهمها رمقها، ودنى منها بضع خطوات بشكل أرعبها.. يكاد يخطف أنفاسها من هول شعور الخوف الذي تستشعره، ولفظ كلمة واحدة كأنه يريد التأكد من صحة ما سمع :
- إيه!!! قولتي إيه ؟ سمعيني تاني كده؟

فلم تتراجع عن موقفها بالرغم من رجفة قلبها تلك وأعادت القول بنبرة أضعف من سابقتها :
- عايزة اطلق

لحظة واحدة لم تشعر بها، وكانت ذراعيها بين قبضتيه اللاتي راحت تعتصرها ويهزّها بقوة عنيفة وهو ينطق بـ :
- ده انتي غاوية تتهزئي بقا!! طلاق إيه اللي بتكلمي عنه، أوعي تكوني فكراني راجل من بتوع اليومين دول.. ده انا اكسر رقبتك قبل ما تخرجي عن طوعي وأوامري، عايزة تطلقي عشان تمشي على كيفك، ماانا لو مش حاكمك كان زمانك دايرة على حلّ شعرك زي الـ ***** اللي مصحباها

وجرّها خلفه وهو يتابع :
- بس ده على جثتي، ده انا اخرجك من هنا بكفنك قبل ما تعمليها

حاولت بكل قوة التخلص من حصار قبضته وهي تعترض قائلة :
- سيب إيدي انا زهقت من العيشة دي، مش عايزة أكمل معاك.. طلقني بالمعروف و.....

توقف فجأة والتفت لها لتصطدم بذراعهِ، وأشار بسبابته محذرًا وهو يردف :
- ششش، مسمعش حسك بدل ما تباتي في المستشفى النهاردة، بس المرة دي مش هتخرجي منها بسهولة زي اللي فاتت

دفعها بداخل الغرفة الصغيرة وأوصد عليها الباب وهو يتابع :
- من هنا ورايح في معاملة تانية خالص وأسلوب تستاهليه مني.. طالما الوش الحلو مش عاجبك وبتتمردي عليه وكمان عايزة تطلقي، يبقى تتحملي

بقيت محلها على فراش الأطفال الموجود بمنتصف الغرفة الصغيرة، كانت متوقعة رد فعل همجي منه گالعادة، ولكنها لم تتخيل إنه سيقوم بـ احتباسها.. لم تتخيل أن يصل تسلطهِ عليها وتحكمه فيها لهذا الحدّ.
مددت على جانبها وقد شردت فيما سيحدث الأيام القادمة، وكأنها تتخيل وتشاهد المستقبل، تُرى كم ستُكلفها حُريتها؟ هل قتله؟ أم قتل نفسها؟.
............................................................................

كمّ شهر مرّ على مشهدهما الأخير هنا، لا يعلم!
وقف "يزيد" في قلب غرفة المكتب الخاصة بـ "معتصم" منتظرًا إياه، ثمة رسالة غير مباشرة عليه إيصالها له.. جلس بـ أريحية على المقعد المُقابل للمكتب ورفع ساقًا على أخرى، ثم طرد زفيرًا وهو يتجول بنظراته حوله، حتى أبصر بتلك الصورة المحفوظة داخل إطار على المكتب، تجمع بينه وبين زوجته "رغدة".. مسح على ذقنهِ الحليقة وبدأ يحسّ بالإمتعاض، إلى أن استمع لصوت المقبض.. فـ لانت تقاسيم وجهه سريعًا وابتسم ابتسامة شامتة دون أن يلتفت له.. بينما وقف "معتصم" في مكانه لحظات وهو ينظر لذلك الخِصم القوي الذي يُجابهه رغم كونهما يديران شركة واحدة، وصفع الباب وهو يقول :
- صباح زي الزفت

فـ ضحك "يزيد" وهو يردف :
- صباح الفل ياحبيب قلبي

جلس "معتصم" قبالته بوجه متجهم وسأل :
- جاي ليه؟

نظر "يزيد" لساعة يده وراح يمسح زجاجها اللامع بأطراف أصابعه وهو يردف :
- جاي أديك البشرى مع إني عارف إنك خدتها امبارح

نهض "معتصم" عن مكانه والتفت ليترأس المكتب و :
- خدتها، بس متفرحش أوي ، عشان متزعلش في الآخر أوي
- متخافش عليا، أنا وحش

قالها وهو ينهض عن جلسته، أغلق زر سترته ومازالت الإبتسامة السمجة تلوح على مبسمهِ، ثم تابع :
- بيع يامعتصم، وانا مستعد اشتري بتمن مكنتش تتخيله.. بيعلي الأسهم اللي خدتها بالتحايل واللي ملكش حق فيها.. خلص نفسك وخلصني

فـ تظاهر "معتصم" بالفتور رغم تأجج صدره وهو يجيبه :
- مش هبيع، لما أجيبها على الأسفلت هبقى أسيبهالك
- مفيش استفادة ليك من خراب الشركة، لكن لو بيعت هتاخد اللي مكنتش تحلم بيه

تلاعب "يزيد" في مؤشر التاريخ الموضوع على المكتب و :
- معاك أسبوع تفكر، يمكن العرض يكون مُغري لو شاورت حد تاني فيه

وغمز له عابثًا معه قبيل يستدير لينصرف، هو متيقن إنه لن يرضى بذلك، ولكنه قام بعرضه الأخير كي لا يكون عليه حرج في أي تصرف أو إجراء سيقوم به حياله لإنقاذ تلك الشركة العريقة التي بناها وشيدها والده "حسن الجبالي" بأظافره وعرقهِ ومجهودهِ.. والتي حصل على عشرين بالمئة من أسهمها بالتحايل والخدعة، منذها ولعبة القط والفأر لا تنتهي، كلما جرّ معتصم ذيول الشركة للخراب والتدمير كان "يزيد" يرفعها من رأسها لتعود إلى نصابها الصحيح فـ يُفسد عليه مكره.. ولكنه سئم، سئم تلك المناوشات المُكلفة التي لا تنتهي بينهما.. حتى وإن كان يقف گالجسور أمامهِ، لكن طاقته إن نفذت لن يُبقيه حتى قيد الحياة.
............................................................................

رغم أن وضعيتها في النوم لم تكن مريحة، إلا إنها غاصت في سبات عميق.. وكأنها لم تجد راحة سوى في الهروب إلى النوم.
صوت مزعج جعلها تفيق من غيبوبتها المؤقتة ببطء لتستمع إليه بدقة، فتحت "ملك" عيناها ودققت حواسها لتتأكد من صوت الدق، نفخت بـ إنزعاج وراحت تتقلب على الفراش متأوهه وهي تتحسس ظهرها.. وبدأت تستعيد وعيها لتتذكر ماذا فعل زوجها بالأمس.

— جـانب آخر :-
كان "محمد" يراقب ما يفعله عامل النجارة بالنافذة، حيث نوع القديمة الزجاجية وقام بتركيب أخرى من الخشب مُزودة بقفل ومفتاح.. انتهى العامل مما يقوم به والتفت ليجمع أشيائه ومُعداتّه و :
- كده خلصت ياهندسة، تؤمر بحاجه تانية
- لأ، حسابك كام؟
- ٢٣٠ جنيه ان شاء الله

أخرج "محمد" النقود وناوله إياها :
- اتفضل، عايزك تغير كالون الباب كمان
- أوامرك، دقايق ويكون متغير

لم يستغرق الأمر بضع دقائق بالفعل أنهى فيها العامل تغيير وحدة المفاتيح المعدنية، وانصرف بعدها.
شعرت "ملك" بالباب الذي ظل موصدًا عليها طوال الليل ينفتح أخيرًا، فـ اعتدلت من نومتها حتى رأته يطل عليها برأسه ويملي عليها الأمر الأول :
- قومي حضريلي فطار عشان أطفح قبل ما انزل

رمقته بأطراف ناظريها نظرة معترضة، فعاد يقولها بنبرة أشد :
- بـقولك قــومي

رجف جفنيها، ثم نهضت عن جلستها ومرت من جواره مباشرة لتدخل إلى المطبخ، تفاجئت بالنافذة الخشبية الجديدة والموصودة في المطبخ.. فـ استنبطت ماهية الصوت الذي كان يدوي منذ قليل، خرجت لتدخل غرفتها.. فإذ بالنافذة قد تبدلت أيضًا، وكأنه يحاصرها بسجن جديد بعد أن أفضت برغبتها في التطليق منه.. ضاق عليها صدرها وأحست بالإختناق ينهش داخلها، ولكنها سعت لإنهاء صنع وجبة الإفطار كي يرحل ويتركها بمفردها.. أنهت كل شئ على عجلة وجهزت المائدة، راحت تتفقده فكان قد أنهى إرتداء بنطاله وقميصه، وبنبرة مقتضبة أردفت :
- الفطار خلص

تركها وخطى نحو المائدة، جلس على رأسها وبدأ يتذوق الطعام.. ومع اللقيمة الأولى، ذمّ شفتيه وهو يلوكها وقال :
- قولت ٦٠ ألف مرة زودي الملح، زودي الملح، زودي الملح

ونهض فجأة وهو يزجرها بنظرات محتدمة وصاح :
- مبتفـهميـش ولا متعمدة؟؟

وضرب على رأسها مشيرًا :
- مخ ده ولا طبق سلطة؟؟

دفعت يده عنها وصاحت فيه بـ انفعال :
- بقالك أكتر من سنة بتشتكي من أكلي، لو مش عاجبك هاتلك خدامة

فـ ضحك ساخرًا وتابع بصوت مرتفع :
- أمال انتي لازمتك إيه! انتي هنا عشان تخدميني وتنفذي طلباتي وتريحيني

فلم تشعر بنفسها إلا وهي تطيح بصحن الطعام عن المائدة وتصيح بـ انفعال :
- أنا مش خدامة وانت مش مشتريني

نظر مصدومًا للصحن الذي تبعثر ما بداخله وسقط على الأرضية، وبسط ذراعه فجأة لينال من شعرها بيده وجذبه جذبة ستمزقه، وهزها هزًا وهو يجأر بـ :
- لا ده انتي زودتيها أوي ، لو ابوكي معرفش يربيكي أنا موجود.. وديني لأوريكي النجوم في عز الضهر

وجرها من شعرها خلفه بينما كانت تبكي بصراخ عاجزة عن تخليص نفسها من يديه حتى دخل بها المطبخ.. فتح أحد أدراجه وما زال يثرثر بكلمات غاضبة :
- انتي عايزة تتكسري عشان تتأدبي

أخرج المقص المعدني من الدرج وشرع يقصقص شعرها الجميل الذي تحبه وكأنه يتشفى بفعل ذلك :
- مش هخليكي تشوفي يوم واحد حلو من النهاردة، عيشتك هتبقى سواد، هحرق قلبك على حق

توسلته أن يتركها، وراحت تجاهد لتحول بين يده وبين شعرها، ولكنها فشلت.. حتى صوت إستجدائها كان يجعله يشعر بـ انتشاء من عقابه الرادع لها :
- شعري لأ والنبي يامحمد، أرجوك سيبني.. أبوس إيدك

كانت ترى نصب عينيها خصلات شعرها وهي تتساقط واحدة تلو الأخرى على الأرضية وكأن روحها هي التي تتركها شيئًا فـ شيئًا، لم تتراجع عن صرخاتها المتوسلة وسط عنفهِ الشديد :
- حــرام عـليك انا معملتش حاجه لكل ده، لـيه بتذلني كده ســيب شعري أرجـوك

دفعها بعدما أنهى قصّ شعرها، ليتحول من شعر طويل كان يصل إلى منتصف ظهرها.. إلى خصلات لم تتعدى حتى طول رقبتها، تركها على الأرضية هكذا تنظر لبقايا شعرها الذي كانت تُحبه وتهتم به گالتاج على رأسها، وخرج تاركًا خلفه كسرة لا يجوز رتقها.. كسرة مفتتة، كسرة لن يعود بعدها أي شئ كما كان.
يتبع.....
لقراءة الفصل الرابع : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات