القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ياسمين عادل

"حتى الأحلام، ستجدها تحمل رائحة واقعك الذي لا ترغب فيه."
__________________________________________

وصلت سيارتي "يونس" و "يزيد" أسفل العقار الذي تم نقل "إبراهيم" إليه بعدما خرج من المشفى.. طوال الطريق كانت "ملك" تجلس بالمقعد الأمامي، لم تحرك حتى شفتيها بكلمة واحدة منذ أن علمت بـ تفاصيل الحكاية وإنهم كانوا يسترون الأمر عنها.. لم تلفظ سوى بعبارة آمره بـ أن يقلوها إليه في الحال، فلم يتردد "يونس" في تنفيذ رغبتها كي يجمح على الأقل غضبها ونظرات اللوم والعتاب في عينيها والتي لم يتحملها.
أوقف "يونس" السيارة وأغلق الإضاءة، ثم التفت نصف التفاته وهو يردف :
- هتقدري تنزلي لوحدك؟

لم تنظر حتى إليه، فتحت الباب وبدأت تعتمد على نفسها وهي تترجل عن السيارة.. فكان أسبق منها، حيث وقفت عن جلستها فوجدته أمامها مباشرة يغلق الباب بدلًا عنها.. ثم أردف :
- حالته متتحملش أي عصبية، يعني بلاش دلوقتي عتاب وزعل.. أنسي كل حاجه مؤقتًا

رمقتهُ بنظرات جامدة مستنكرة مخاوفه وكأنها لا تهتم لأمر والدها :
- أنت مش هتخاف على بابا أكتر مني، أنا اللي بنته مش انتوا

ثم نظرت بطرف عينها لـ "يزيد" الذي لم يصمت أو يراعي الضغط المتشكل عليها وراح يبدأ بالصياح :
- بقولك إيه.. اللي بتكلمي عنه ده مش مجرد عم ليا.. يعني آ.....

أشار له "يونس" كي يصمت، فـ انقطع حديثه وهو يبتعد عنهم زافرًا بحنق.. بينما ابتسمت "ملك" بـ سخرية شديدة و :
- سيبه يقول اللي في نفسه.. أنا اتعودت منه على كده

وضع يده على كتفها وكاد يقودها للداخل برفق و :
- طب يلا بينـ......

قطع ما بقى من عبارته وهو يراها تُبعد ذراعهِ عنها و :
- أكيد هيكون ليا رد على إنك خبيت عني موضوع زي ده.. مش هعديها كده

وتجاوزته كي تصعد بمفردها كما كانت دائمًا.. وهو ينظر إليها بضيق جلى، بينما استنكر "يزيد" لطفهِ الزائد معها و :
- شوفت! أول حد هتتمرد عليه هو انتَ.. مبسوط بإنجازات الدروس بتاعتك؟

حدجهُ "يونس" بنظرات مختنقة قبل أن يستبقه ليصعد خلفها موفضًا، ظن إنها لا تملك مفتاح الشُقة، ولكنه تفاجأ بها دخلت الشُقة وتركت لهم الباب مفتوحًا.. فـ دلف كلاهما وتركا لها مهمة الدخول إليه بنفسها.
...........................................................................

منذ أن رأته والتقت به وهي بنفس الوضعية.
كانت "ملك" تنام برأسها على صدره وبين ذراعيهِ، تشتم رائحته وكأنها تُشبع الليالي التي ستقضيها بدونهِ..
بصعوبة شديدة كانت تمنع الدموع من أن تفيض فـ تُضعف من حالة "إبراهيم" التي بكى مجرد أن رآها، حاولت أن تعطيه القوة التي تفتقدها هي.
مجرد فكرة تواجدها بين أحضانهِ كأنه أراح صدره التي يشكو آلامه كل يوم، وبدون أن تشعر بعثت عليه الحبور.. لقد كان يفتقد رؤية وجهها حتى، وها هو يتحقق أكثر مما تمنى.
قرعات على الباب دخل بعدها "يونس" وهو يحمل زجاجة مياه.. نظر لحالتهم تلك بنظرة خاطفة كي لا يُضايقهم، ثم أشار لزجاجة المياة و :
- في معاد دوا لازم تاخده ياعمي

فـ قال "إبراهيم" بدون أن يتحرك من مكانهِ :
- مش عايز حاجه يايونس، أنا كده كويس

فـ اعتدلت "ملك" على الفور ليوخزها ذراعها المُصاب واعترضت بدورها :
- لأ هتاخده يابابا

دنى منه "يونس" وناوله زجاجة المياه، ثم أخرج شريط من الأقراص وأفرغ قرصين و :
- أنا كلمت دكتور معرفة هييجي الصبح يديك الحقنتين

دخل "يزيد" حينما كان "إبراهيم" يترك زجاجة المياه ويردف :
- مبقتش محتاج خلاص يايونس، ملك لما تقعد معايا مش هبقى محتاج حاجه

وكأن "يونس" ذُعر فجأة واضطربت حواسهِ وهو يقول على الفور :
- لأ.. ملك مش هينفع تقعد هنا

تحولت نظرات الجميع المدهوشة نحوه، بينما سارع هو بالتبرير كي يبعد عنه أنظارهم المُتهمة :
- ملك لسه بتتعالج والدكاترة محذرين على المجهود عشان العملية.. كمان حالتها النفسية لازم تكون كويسة

ثم استدعى ذكر جدتهِ ليكون مقنعًا :
- نينة اتعودت عليها خلاص، وملك كمان

ثم نظر نحو "ملك" وتابع :
- وملك كمان اتعودت على نينة

أجفل "إبراهيم" بصره لا يدري ماذا يقول، بينما أثار الأمر حفيظة "يزيد" الذي استدرج شقيقهِ لخارج الغرفة بلباقة :
- تليفونك كان بيرن يايونس، تعالى شوفه

كأن "يزيد" هو طوق النجاة الذي ظهر كي يُخرجه من هنا وينقذه من هذا التوتر، خرج "يونس" في أعقابه.. بينما كان "إبراهيم" ينظر بحنو غريب لـ ابنته، لم تستشعر هذه المشاعر الأبوية الجارفة من قبل.. كانت تعيش مشاعر اليُتم فقط، بينما أبيها على قيد الحياة.
نظرات بعثت بفيض من التسامح والعفو لنفسها حياله.. ولكنه رغم ذلك سألها قلقًا من إجابتها :
- مسمحاني ياملك ؟ أوعي تسيبيني أموت بذنبك يابنتي!

فـ وضعت كفها على صدره ومسحت عليه بحنان وهي تقول بنبرة صادقة :
- مقدرش أعمل حاجه غير إني أسامحك.. أنا ماليش غيرك يابابا، أنا من غيرك هضيع، متسيبنيش في الدنيا دي لوحدي

كأنها أوجعت قلبه بوصولهِ المتأخر لها، فـ اجتذبها لتسكن أحضانهِ وعاد يسترخي وهي بين ذراعيه هكذا.. هي لم تكن تستحق أن يسحقها ويأخذها بذنب والدتها، لم تكن تستحق أن يشد قلبه عليها معتقدًا إنه يحميها، وصل من طريق طويل متأخرًا ، ولكنه أفضل من عدم وصوله نهائيًا.

حدجه "يزيد" بنظرات مشتطة وهو يعنفه بصوت منخفض :
- أنت خلاص أديت دورك وأبوها عايز يرجعها جمبه تاني، أنت مالك انت بنفسيتها!

تنهد "يونس" وهو يشيح بوجهه عنه وقال بفتور :
- اللي بيعمل حاجه بيكملها للآخر، مش كده!
- لأ مش كده..أنت عملت اللي ميتعملش معاها يايونس ، اللي بعد كده مش بتاعنا

فـ انفعل "يونس" وهو يردف بنبرة قاطعة يعرف "يزيد" جيدًا إنها لا تقبل الجدال :
- لأ بتاعي، الموضوع خلصان وانا الوحيد اللي هحكم فيه.. طالما عمي قرر إنه يسلمني الأمانة دي يبقى الموضوع يخصني أنا.. خـلصـت

فـ سأله "يزيد" بعدم رضا :
- وملك نفسها. ؟؟ أفرض هي عايزة أبوها وعايزة ترجع لحياتها الطبيعية

كأنه سؤال بلا جواب لديه، ولكنه رغم ذلك رفض رفضًا عتيًّا أن يتنازل عن تسلطهِ في هذا الأمر :
- أنا لما خدتها من هنا مخدتش رأيها، ولما أرجعها مكان ما كانت مش هاخد رأيها برضو.. اللي شايفه صح أنا هعمله

وانسحب "يونس" من أمامه، جلس على الأريكة وبدأ يُشعل سيجارة ومازال الأمر يدور في ذهنهِ گالترس، الذي لا يتوقف حتى أصابهُ بالصُداع.. لم يتخيل إن عمه قد يطلب استرجاعها، كان الأمر بعيدًا كل البعد عن تفكيره.. ولكنهُ الآن مُجبرًا على إيجاد بديل ذا قوة إقناعية أكثر على "إبراهيم" إن لم يقتنع بـ حجتهِ.
هناك ضيق اعتراه أكثر بعدما حدث، ليس له مُبرر مقنع من وجهة نظره، ولكن فكرة ذهاب "ملك" وانتهاء مُهمتهِ معها أطبقت على صدره وجعلته لا يرتاح له بالًا.

تدق الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل.. نظر "يونس" في ساعته قبيل أن ينهض من جلستهِ، وطرق بابهم ليطمئن عليهم، فلم يصدر صوتهم منذ فترة..
فوجدها نائمة في أحضانهِ وهو أيضًا مستسلم للنوم، فـ انسحب بحذر شديد وهو يطالعها للمرة الأخيرة قبل أن يخرج.. وأوصد الباب.
زفر "يزيد" وهو يرتدي معطفهُ وسأله :
- ها، قولتلها عشان ننزل؟
- لأ، مش هننزل

توقف "يزيد" عن متابعة ارتداء المعطف ورمقه متجهمًا وهو يقول :
- يعني إيه مش هننزل!؟

جلس "يونس" و :
- ملك نامت مع عمي، مقدرش أصحيها.. يعني هنبات هنا النهاردة

مدد "يونس" ساقيه على الطاولة وارتخى للخلف وكأنه مرتاحًا.. حينئذ كان "يزيد" ينزع عنه معطفه وهو يبتسم بسخرية وغمغم :
- آدي أخرتها، هبات برا البيت عشان يعجب ملك هانم!
- بطل تكلم نفسك أحسن هتجنن

جلس "يزيد" قبالتهِ وراح يعبث في هاتفه قليلًا حتى غلبه النوم في الأخير، فـ ترك عقله يسبح بين أحلام عقله الباطن وغرق في النوم.
..............................................................................

كان صباحًا سيطرت عليه الغيوم، لم تظهر شمسهِ إطلاقًا حتى الآن..
خرجت "رغدة" من مكتبها وكأنها تسحب من خلفها العاصفة، خطوات متعجلة ووجه متجهم عابس، حتى وصلت أمام غرفة "يزيد".. تجاهلت مُدير مكتبهِ "سيف" الذي صاح مناديًا :
- رايحة فين يامدام رغدة؟ مستر يزيد مش في مكتبهِ

تجاهلته تمامًا وفتحت باب الغرفة لتتأكد بالفعل إنه غير موجود، فـ التفتت لتجد "سيف" خلفها و :
- قولت لحضرتك مش هنا

فسألته بـ حِدة رافقت نبرتها الجدية :
- هو فين!؟
- معرفش

فـ همّت بالخروج و :
- مجرد ما يوصل بلغني

وسارت..
وقفت بزاوية ما بعدما ابتعدت عن المكتب، وراحت تُجرب محاولات أخرى للأتصال بهِ.. ولكنه لم يجبها گالعادة، فـ تأففت بـ انزعاج وهي تجرب ثانية بدون يأس.

_ جانب آخر _
كان "يزيد" يخرج من دورة المياه توًا وهو ينظر لشاشة الهاتف التي لم تتوقف إضائتها منذ الصباح، متجاهلًا اتصالاتها المتكررة وكأنها نكرة.. تناول هاتفه، رفض المكالمة.. ثم تركه من جديد وهو يغمغم :
- خليكي كده شوية

خرجت "ملك" من غرفة والدها وأوصدت الباب بحذر، وعبرت الردهه لترى "يونس" نائمًا على الأريكة.. دنت منه وتناولت معطفهِ الملقى المقعد، وراحت تضعه من فوقهِ.. فـ فتح عيناه فجأة وقد شعر بها لتتراجع هي خطوة للخلف وبررت :
- أفتكرتك نايم

انتصب في جلسته وحمحم قبل أن يقول :
- صباح الخير
- صباح النور

قالتها وهمّت بالإنصراف، فـ استوقفها وهو يقف عن جلسته :
- ملك

توقفت بمكانها موليه ظهرها له، فـ سألها بترقب :
- أنتي لسه زعلانة؟

فـ استدارت بنصف رأسها وقالت ساخرة :
- أزعل ليه! أنت على طول بتعمل عشان مصلحتي

ثم نظرت إليه بجرأة وسألت بتهكم :
- مش كده!!

فلم يتراجع عن الرد الذي يعلم جيدًا إنه سيثير استفزازها :
- بالظبط كده

أصدرت ساعة يده رنينًا مميزًا، فنظر لها وهو يردف :
- معاد المضاد الحيوي بتاعك

فنظرت لساعة اليد خاصتهِ وسألت بذهول :
- أنت ظابط منبة الساعة عشان معاد الدوا بتاعي؟
- آه

أجاب وهو يتجاوزها وعبر من جوارها، بينما كانت تقول هي :
- مش جايباه معايا
- أنا جيبته، معايا في العربية

ارتدى حذائهِ بعجل وخرج، تاركًا خلفهِ فتاة تبتسم من قلبها بحق.
هذه المرة الأولى التي يهتم بها أحدهم، المرة الأولى التي تشعر إنها مسؤولية على عاتق شخص ما تستطيع أن ترتاح وتستند بأريحية على ظهرهِ.
دخل "يزيد" ليلمح تلك البسمة السعيدة وقد انقشعت ملامح القهر والحزن التي خيمّت عليها أمس.. ضاقت عيناه وهو يتطلع للحبور الذي غزاها فجأة وهي لم تشعر بعد إنه يقف على بُعد أمتار منها.
وما أن انتبهت له حتى تجهم وجهها وجلست على الأريكة.. لحظات ودخل "يونس" أيضًا ليجد شقيقهُ يقف عند مقدمة الغرفة ويسأله :
- كنت فين؟
- كنت بجيب حاجه من العربية

ناولها حقيبة صغيرة بها الأدوية خاصتها، بينما كان "يزيد" يتماسك بصعوبة وهو يتركهم مغمغمًا :
- عندي أخ هيجلطني

راح "يزيد" يفتح الباب بعدما استمع لطرقتين عليه، فرأى "نغم " التي تجمدت بمحلّها وهي تنظر إليه.. ابتسم بسماجة جعلتها تفيق من ذهولها وفتح المجال كي تدخل :
- أهلًا

ضبطت انفعالاتها وهي تسبل جفونها ممررة عيناها على الداخل، حيث استقبلتها "ملك" بترحاب ما أن سمعت صوت الباب :
- تعالي يانغم، أتأخرتي ليه؟
- كنت بجيب الحاجات اللي طلبتيها

فـ انزعج "يونس" وهو يسألها :
- مقولتيش إنك عايزة حاجه ليه؟
- دي حاجه مش هتعرف تعملها

ارتدى "يزيد" معطفه وقد سئم التواجد بينهم، وقرر الفرار من هنا بحجة شراء الطعام :
- أنا هنزل أجيب فطار

فـ أشارت "نغم" نحو الحقائب التي كانت تحملها و :
- أنا جيبت خلاص

فـ تدخلت "ملك" بدورها و :
- كل حاجه موجودة هنا يايزيد

حك "يونس" أنفهِ وقد اشتم رائحة مميزة يعرفها جيدًا، فلم يمنع فضولهِ من التساؤل :
- ريحة طعمية سخنة، صح؟

فـ انبعجت شفتي "نغم" وهي تجيب بتحمس :
- آه ، جيبت فول محوج وطعمية وبطاطس محمرة وبتنجان بالخلطة وعاملة بيض أومليت وعجة

فـ خلع "يزيد" معطفهِ بعجلٍ وتناول منها الحقائب :
- هاتي هاتي، أنتي لسه هترغي وانا عصافير بطني بتغني جوا

فـ هرعت "نغم" نحو المطبخ لإحضار أطباق، بينما نظر "يونس" للطعام بشهية مفتوحة محاولًا منع نفسه من ارتكاب هذه الجريمة في حق بنيتهِ الجسمانية.. حك أنفه و :
- أنتي كده هتوديني في داهية يانغم، أنا ممنوع من البقوليات كلها

فـ اقترحت "ملك" :
- كل خفيف، سد جوع بس

جلس وهو يتناول رغيف من الخبز الساخن، حينئذ كانت "نغم" تناولهم الأطباق وتضع بها الطعام :
- في مخلل جزر اللي بتحبيه ياملك

وكادت تتناول عُلبة المخلل لولا أن "يزيد" سحبها والتقط منها ما يُحب، رمقتهُ "نغم" بعصبية.. فـ تدخل "يونس" بعدما لاحظ تصرفات شقيقهِ المستفزة :
- أقعدي يانغم

صنعت "ملك" شطيرة خاصة جدًا لـ" يونس" الذي لم يكن يتناول سوى لقيمات صغيرة للغاية.. ثم قدمتها له و :
- بالهنا

فنظر للطعام وهو يلتقطهُ، حاول أن لا يُقدم على ذلك.. وأيّدهُ شقيقه كي لا يفعل :
- بلاش يايونس، أفتكر إني قولتلك بلاش

فلم يهتم "يونس" وبدأ يتناول بنهمٍ..
بحثت "نغم" عن أقراص البيض التي أعدتّها بنفسها، ولكنها لم تجدها.. وإذ بقطعة صغيرة للغاية في طبق أمام "يزيد" للتو كان يتناولها بقطعة خبز ويدسها في فمهِ، فنظرت إليه بشدوه و :
- الأومليت عجبك أوي كده؟

ابتلع "يزيد" الطعام وهو يجيب :
- نهائي، بس الجوع كافر بقى

حدقت فيه غير مصدقة ردهِ المجحف، ولكنها لم تصمت عن ذلك طويلًا و :
- حقيقي إنك قليل الزوء

فـ التفت لها يرمقها بفتور :
- نعم؟؟ بتكلميني أنا؟

فـ هبّت به :
- أمال خيالك!

وقبل أن يطيح فيها كان "إبراهيم" يخرج من غرفته ويستمع لهم.. ثم زجر "يزيد" بنظرة حادة و :
- وبعدين معاك يايزيد!! ده انت المرة اللي فاتت خلصت المكرونة لوحدك!

اتسعت عينا "يزيد" بعدما فضح "إبراهيم" أمره، حينما كانت "نغم" تنظر حيالهِ بشماتة تجلّت في عيناها وتمتمت :
- كمان كذاب!

مسح "يونس" يده بمنديل ورقي وهو يتطلع لكلاهما وهمس لـ "ملك" :
- الموضوع كبير وقديم

كادت "ملك" تنهض لولا أن أشار لها "إبراهيم" :
- خليكي ياملك، أنا هعمل شاي الأول مش هفطر دلوقتي

فـ بادرت "نغم" :
- أنا هعملك معايا ياعمو

نطرت "نغم" لـ "يونس" وهي تسأله :
- تشرب قهوة؟

فـ سعد "يونس" وكأنه قرأت ما بعقلهِ وعلى الفور أجاب :
- ياريت

مرت من أمامه بدون أن تنظر نحوه متجاهلة إياه رغم رغبتها الجامحة للنظر إليه.. بينما سأل "يزيد" شقيقهِ بحنق :
- أشمعنا سألتك انت بس؟

فـ حرك "يونس" حاجبيه كأنه يثير غيظهِ مُجيبًا :
- عشان كذاب، ياكذاب

جلس" إبراهيم" بجوار ابنته التي توقفت عن تناول الطعام وتعقبت فقط هزل والدها وضعف جسده بحزن داخلي، ثم سألته :
- مش هتفطر قبل الشاي؟

نظر "إبراهيم" للطعام و :
- عايز لقمة فول بس على نفسي

فـ همّ "يزيد" يصنع له شطيرة و :
- أنا هعملك ياعمي

صنع شطيرتين إحداهما أكبر من الأخرى، ثم أعطاه الصغرى وبدأ يتناول هو الأخرى و :
- خليك خفيف عشان العلاج

لم يتوقع "يونس" أن يتناول شقيقه هذه الكمية رغم اعتدال وجباتهِ.. فـ أشار له "يزيد" كي يصمت حاليًا بعدما تفهم ماذا سيقول له و :
- بعدين نتكلم براحتنا

خرجت "نغم" ممسكة بفنجان من القهوة.. استنشقت رائحته قبل أن تناوله لـ "يونس" :
- أتفضل

ثم دلفت من جديد للمطبخ.. نظرت إليه "ملك" وقد راودها شعور تذوقهُ، وقبل حتى أن تطلب ذلك كان "يزيد" يسرع بـ التقاطهِ، فـ هبّ" يونس" واقفًا و :
- يـزيد

ابتعد "يزيد" قليلًا عنه و :
- سامحني مش قادر

وارتشف رشفة حرقت لسانهِ بفعل اللهيب والسخونة، ولكنه مذاق يُذكره بتلك الليلة التي شرب بها أفضل قهوة في حياتهِ.. لم يقاوم أكثر، وكاد يرتشف رشفة أخرى لولا أن "يونس" تناوله منه غصبًا ودفعهُ بمرفقهِ :
- حقيقي طفس، كذاب وطفس

خرجت "نغم" من جديد، لتُفاجئ "يزيد" بفنجان من القهوة صُنع يدها، صُنع مميز للغاية.. فغر شفاهه مذهولًا وهي تناوله إياه، التقطه.. ونظر إليه قليلًا ثم عاد ينظر لشقيقهِ بـ استهجان :
- شوف ربنا كرمني غصب عنك، وكمان هشربها في العربية وبمزاج

ثم سار نحو الباب و :
- أنا هروح البيت اغير هدومي واطلع على الشركة.. متنساش اجتماع النهاردة

خرج وتركها تنتظر بلوعة لفظًا شاكرًا منه، ولكنه خيب ظنها وأحزنها بإفراط.. حتى تفاجئت به يطل برأسه من الخارج ويردف بصوت يبعد عن الهجومية المعتادة خاصته :
- شكرًا على فكرة

فـ انبعجت شفاها بـ ابتسامة واسعة وعاد التورد لوجنتيها قائلة بسرور :
- بألف هنا

نهضت "ملك" عن مكانها و :
- عايزاكي يانغم، في حجات كنت هديهالك

ثم سحبت رفيقتها للداخل بينما غمز "يونس" لـ عمه وهو يسأل :
- إيه حكاية المكرونة دي ياعمي؟

أغلقت "ملك" الباب عليهما ثم التفتت لتقول لها بتهامس :
- إيه حكايتك يابت انتي!

فتوترت "نغم" وهي تجيب ببراءة :
- حكاية إيه؟

فـ قربت "ملك" وجهها ونظراتها منها وكأنها تفحص تعابيرها :
- عليا انا!!!.. طب قولي وانا اساعدك

فـ تحمست "نغم" وهي تجيب :
- عادي، حبيت أكون لطيفة مع ابن عمك

تلوت شفتي "ملك" بعدم تصديق و :
- بجد؟! أمممم

قرع "يونس" بخفة على الباب و :
- ملك، أنا نازل

فتحت الباب و :
- طيب
- أنا هبعتلك عيسى عشان لو محتاجة حاجه وانا مش موجود

فـ ذكرتهُ بالمسألة التي لم تنتهي بعد بينهم :
- مش عايزة حاجه، لسه في موضوع هنتكلم فيه بس مش دلوقتي

فـ تنهد "يونس" وهو ينصرف من أمامها، وبقيت هي واقفة تنظر إليه وهو يرتدي معطفهِ ليغادر.. حتى خرج، فـ أجفلت بصرها وصفقت الباب هي الأخرى، گأن ذلك أقل القليل الذي يُنفث عنها.
..............................................................................

منذ أن غادر "يونس" وطوال طريق قيادتهِ يفكر في أمر واحد.. ما الذي أراد "إبراهيم" أن يقوله إليه قبيل أن يغادر ولكنه قام بتأجيله في آخر وقت، هل سيفتح معه أمر عودة "ملك" من جديد؟ أم ماذا؟؟
وصل لمقر المجموعة وما زال عاجزًا عن التخمين الصحيح، ولكنه يخاف أن يكون الأمر هو ما يخشاه.. لن يستطيع صدّ عمه إن أراد استعادة إبنته، لكنه قرر إنه لن يُفرط بسهولة.
دخل "يونس" بعقل منشغل، حتى إنه لم ينتبه للموظفة التي كانت تسير من خلفهِ لتبلغه بأمر ما.
دلف غرفته وهو ينزع معطفهُ، وهنا استمع لصوت "سيف" :
- يامستر يونس!!

فـ رفع بصره نحوه و :
- إيه ياسيف!
- بكلم حضرتك بقالي شوية، وموظفة الأستقبال كمان
- مخدتش بالي

وترأس مكتبه وهو يسألها بوجه حازم جاد :
- في إيه!
- الأستاذ اللي جه قبل كده وحضرتك كنت مسافر يومها، جه تاني ومستني تحت مصمم يقابلك

تجعد وجه" يونس" وهو يقطب جبينهِ غير متذكر :
- أستاذ مين! مش فاكر حاجه
- فاكر حضرتك لما كنت رايح المطار وكلمتك

-عودة بالوقت للسابق-
كان "يونس" يجلس في سيارتهِ متجهًا للمطار حينما آتاه إتصال من أحد أرقام الشركة فـ أجاب عليه :
- أيوة.. ربيع مين!
معرفش حد بالأسم ده، هو أي حد يقولك قريبي تصدقي!.. لأ طبعًا خليه يمشي ولما ارجع أبقى أشوف إيه الحكاية

- عودة للوقت الحالي -
- آه، أفتكرت

زفر "يونس" و :
- خليه يطلع أما أشوف في إيه

انصرفت بينما كان "سيف" يردف :
- إجتماع مجلس الإدارة بعد ساعة، مستر يزيد جاهز ومنتظرك
- ماشي

أشعل "يونس" سيجارتهِ وقام بفتح مُكيف الهواء بعدما شعر ببعض الحرارة نتيجة توتره وفرط تفكيره..
استمع لطرقات على الباب فـ سمح بالدخول، دخلت موظفة الإستقبال أولًا، ثم "ربيع" من خلفها وهو ينظر حوله بتفحص.. شمله "يونس" بنظرات دقيقة ثم سأله بحزم :
- أنت تعرفني قبل كده!

فـ ابتسم "ربيع" بسماجة وهو يدنو منه و :
- لأ، بس هنتعرف متحملش هم

فـ زجرهُ "يونس" بنظرات حادة وهو يقف عن جلستهِ وأردف بنبرة مُهينة :
- أمال بتألف على الموظفين وتقولهم قرايب ليه؟؟

انكمش "ربيع" قليلًا من صرامتهِ ولكنه أبقى توترهِ بداخله و :
- مااحنا قريب فعلًا ياهندسة، خد مني بس وانت تفهم الحكاية

كأن "يونس" أحس بتعكر بدائي في معدتهِ ولم يرغب في الإطالة خاصة وإنه ليس في حال يسمح له بالصبر والهدوء الآن.. فـ أشار للموظفة كي تنصرف وسأله بعجل :
- بسرعة معنديش وقت
- الحقيقة أنا مش قريبك انت.. أنا قريب حد تبعك

نفخ "يونس" بعدما أخرج السيجارة من بين شفتيه وبدأ يفقد أعصابه :
- هي فزورة وهنقعد نلعب! ما تنجز
- مـلك بنت عمك

تجمد كل شئ في لحظة، حتى حرارة جسدهِ بدأت ترتفع.. لم يستمع حتى بصوت عقارب الساعة الذي كانت تدق الآن ، وعلى حين غرة سأل :
- أنت مالك ومالها؟؟

فـ انبعج فمه عن آخره وهو بذكر صفته لها :
- تبقى بنت خالتي

دعس "يونس" سيجارته ونهض واقفًا :
- أنت بتقول إيه! أنت تبقى إبن خالة ملك؟؟؟
- آه
- هي ملك ليها خالة أصلًا

وكأن الفرصة أتت من ذهب لـ "ربيع" كي يفضي بكل ما يريد :
- ليها، وهي كمان أكيد فاكرة خالتها.. بس أبوها بقى اللهي يجحمه مطرح ما هو فصلها عننا وبقالنا سنين منعرفش حاجه عنها

فـ تهجم عليه "يونس" وهو يجتذبه من قميصهِ كي ينهض من جلسته وصاح به بدون وعي :
- أتكلم عدل بدل ما أربيك من أول وجديد هنا
- الله الله الله، ما براحة عليا شوية

وحاول أن يدفع ذراعه وهو يتابع :
- شكلكوا من الآخر كنتوا موانسين معاه أنت وأخوك.. روح أسأله منار فين، خالتي اللي اختفت في عز شبابها فين؟

دفعه "يونس" وهو يرمقهُ بـ احتقار و :
- أنت شكلك شارب حاجه

فـ بدأ "ربيع" يتحدث بلهجتهِ المتشردة :
- لأ لموأخذة مش شارب، شربت المقلب انا وأمي وزمان ومش هنشربه تاني .. حتى أسأل أخوك

لم يفكر "يونس"، أقل من ثانية وكان يرفع سماعة الهاتف المكتبي ويُملي أمرهُ :
- أبعتيلي يزيد على مكتبي، حــالًا....
يتبع.....
لقراءة الفصل السابع والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات