القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ياسمين عادل

علمني كيف أُطفئ نيران الشوق، حتى لا يظهر إني أموت لهفًا."
__________________________________________

لقد تجاوزت الساعة الثانية ظهرًا، ومازالت "ملك" تنام على الفراش وتنظر لذلك الخبر الذي غيّر مسار اليوم تغييرًا جذريًا.. كانت تتطلع لصورة "هادي" بغرابة، لا تصدق نفسها.. كيف كانت تُحب رجل گهذا!.
كانت حمقاء حقًا، أو إنها لم تجد غيره تلتجئ إليه فـ غشى شعور الحاجة بصرها وباتت لا تشعر بفداحة ما تفعل.. تخبطت كثيرًا كي تنقذ نفسها من المستنقع الذي وقعت به وعاشت فيه، وأثناء تخطبها تعثرت فيه ليكون خط أسود آخر في حياتها المنكوبة.
زفرت "ملك" وهي تترك الصحيفة ولم ترد أن تضيع على نفسها فرصة الإنتشاء والمُتعة بذلك الخبر.. والأسعد شعورها لأول مرة في حياتها التعيسة تلك إنه بات لها عضد متين وظهر قوي ما أن استندت عليه سيحملها بدون أن يكلّ أو يملّ.. لقد ظهر "يونس" في الوقت المناسب تمامًا قبل أن تُهلك.
طرقت "كاريمان" على الباب فـ سمحت "ملك" بدخولها وهي تعتدل في جلستها :
- أدخـل

دخلت "كاريمان" ومن خلفها فتاتين شابتين ذوات هيئة متأنقة يحملن حقيبتين ضخمتين.. ابتسمت "كاريمان" وهي تنظر نحو "ملك" و :
- صباح الخير ياملاك

اتسعت ابتسامتها وهي تُبدي إعجابها بذلك اللقب و :
- صباح النور يانينة، حلو أوي ملاك دي؟
- أنتي اللي حلوة

مسحت "كاريمان" على وجهها حينما وقفت الأخيرة قبالتها، ثم باردت "كاريمان" وهي تشير نحو الفتيات :
- البنوتات دول جايين من سنتر MS عشان يعملوا ليكي شوية تغييرات بسيطة، حاجات كده تغير الـ Mood

داعبت "كاريمان" شعرها وهي تتابع موجهّة حديثها للفتيات :
- القصة بتاعت شعرها مش مظبوطة عايزين نعيد عليها، ومش لازم نغير اللون.. لونه البني حلو أوي معاها

ثم سألتها :
- مين اللي كان بيقص شعرك؟ انتي؟؟

فـ تحرجت "ملك" وهي تقول على الفور :
- آه أنا

عبست "كاريمان" و :
- Bunu bir daha yapma. "لا تفعلي هذا مرة أخرى"

لم تفهم "ملك" من حديثها شيئًا، فـ أعادت "كاريمان" صياغة عبارتها :
- متعمليش كده تاني، لازم حد Profesyonel "محترف" هو اللي يعمله

ثم سحبتها برفق نحو منضدة الزينة و :
- أقعدي

فتحت "كاريمان" الإضاءة الإضافية وأشارت لهن كي يقتربن منها لفهم ماذا تريد :
- عايزين نعمل تنضيف كامل للبشرة مع الماسكات، أنا جايبة كل الحاجه اللي هتحتاجوها وهتلاقوها في الأدراج هنا.. كمان نغير رسمة الحاجب ونظبطه، مش عايزين يكون رفيع

أشارت "كاريمان" نحو منطقة الأنف و :
- كل الرؤوس السودا دي مش عايزة أشوفها خالص

تدخلت إحداهن وهي تنظر بتدقيق لوجه "ملك" :
- ملامحها أصلًا جميلة مش هتحتاج شغل كتير مننا غير Skin cleansing متقلقيش حضرتك

كانت "ملك" تشعر بتحسن جذري، ستعيش أشياء لم تعيشها من قبل.. مُقبلة على لحظات من الإسترخاء و الراحة ستنسى بها آلامها التي لم تنام ليلًا متأثرة بها.
استطاعت "كاريمان" أن ترى تلك الإشراقة التي غمرت ملامحها، فـ سعدت كثيرًا وهي ترى تأثير ما تقوم به عليها.. تنحت جانبًا لـ تُفسح المجال لهن وجلست على الأريكة المتواجدة بالخلف وهي تردف :
- أنا هقعد هنا أتابعكم، بس خلي بالكم من دراعها الشمال محدش ييجي جمبه

فُتحت الحقائب وبدأن في إخراج الأدوات التي سيقمن بـ استخدامها، بجانب مستحضرات التجميل التي أتى بها "يزيد" من قبل لها، استرخت "ملك" على المقعد وتركت نفسها تمامًا لهن.. مُستدعية إحدى المشاهد التي رأتها في أحد الأعمال السينمائية من قبل، إنها تعيش مشهد گهذا الآن.. ضحكت على ما آلت إليه هي من أشياء لم تكن تتوقع إنها ستعيشها، ثم أغمضت جفونها تاركة بشرتها بين يديّ إحداهن وقد بدأت في تنظيفه بمحلول ذات تأثير بارد قبيل البدء في جلسة تنظيف البشرة.
..............................................................................

أخيرًا عُطلة أسبوعية.. لن تضطر فيها الذهاب إلى الجامعة خاصة بعد أن أنهت آخر امتحان لـ "midterm" بالفصل الدراسي الأول.
جلست نغم" بأريحية عقب انتهاء أعمال المنزل وبيدها طبق يحتوي على أنواع متعددة من التسالي والمُحمصات كي تكتمل تسليتها بمشاهدة المسلسل التركي الذي تتابعه.
قامت بتشغيل الحلقة وجلست تشاهد بتركيز شديد وهي تتناول الفول السوداني، وأثناء ذلك شدهت فجأة في أحد الشخصيات التي يُجسدها بطل مشهور.. أوقفت جريان المسلسل ودققت بصرها في الممثل وكأنها رأته في مكان ما.. وأخيرًا حضر على ذهنها، فـ شهقت بخفوت وهي تردف :
- يزيد!! سبحان الله شبهه أوي

تلاعبت في ترتيب الدقائق كي تراه في مشهد آخر، وكأن الشبه تزايد هنا..
تركت المسلسل أسفل سطح المكتب بشاشة الحاسوب ثم فتحت الحساب الشخصي الخاص بها.. أكلها الفضول وهي تبحث عن حسابهِ بالإنجليزية، كان الأمر شاقًا وهي تبحث بين مئات الحسابات بنفس الأسم..
حتى لفت انتباهها ذلك الحساب الذي يحمل صورة شخصية له وهو يقف بأحد المناسبات مُرتديًا حُلة سوداء أنيقة، وتلك الإبتسامة الجذابة تعلو ثغره.. راحت تتجول بالحساب الخاص به، ولكنها لم تجد عنه أشياء كثيرة، بعض الصور الخاصة به.. فقط.
حتى أن معلوماته قصيرة للغاية، وكأنه غير مهتم سوى بوجود حساب خاص به وحسب.
تركزت أبصارها المتفحصة عليه تشمل كل تقاسيم وجهه، بدت مُعجبة كثيرًا بتفاصيله الوسيمة التي لم تلاحظها بين شجارهم الذي لا يتوقف ما أن جمعهم مكان.. يبدو هنا مختلف تمامًا، كأنه شخص راقي وناعم لا يعرف شيئًا عن العصبية الدائمة التي يبدو عليها.. يبدو هادئًا أكثر.
مددت بجسدها على الفراش وهي تقترب من شاشة الحاسوب، ثم غمغمت :
- شكله هنا جنتل خالص

ثم تجهم وجهها وهي تستعيد في ذهنها المرات التي تصادفوا فيها وكيف كانت الأجواء مشحونة للغاية بينهم، قوست شفتيها ومازالت تتجول يمينًا ويسارًا بين الصور تقارن بينهم، ولكن الحقيقة التي لم تشعر بها إنها كانت تحفظ ملامحه بعدما صدّقت على إنه أكثر وسامة وجاذبية من ذاك الممثل الذي تُحبه.
كأنها هامت فيه بعد أن تركت أمور الخلافات والشجارات بينهم ونظرت من اتجاه آخر.
صورة وحيدة كانت تُظهر وجهه فقط من قريب، تعلقت أبصارها بها قليلًا.. بدون شعور كانت بسمة طفيفة تستقر أعلى مبسمها، وظلت هكذا قليلًا، حتى انزعجت من نفسها فجأة وأغلقت شاشة الحاسوب.. انتصبت في جلستها ووقفت، نظرت حولها لا تدري ماذا تريد بالضبط.. ثم تناولت صحن المُحمصات وخرجت من الغرفة وهي تغمغم :
- ياريتها بالشكل، ده انت دمك سم!

وكأنها أصرفت عقلها عن التفكير فيه بذلك الإدعاء، ولكنها في الحقيقة كانت تُؤخر من الأمر فقط ليس سوى ذلك.. حتى إنها أنكرت ذلك الإعجاب اللحظي الذي انتبهت له، وبررت ذلك للتشابه الغريب الذي كان بينه وبين أحد ممثلي الأعمال التركية التي تتابعها بشغف.. والآن أقنعت نفسها بشكل مؤقت إنها نست الأمر وطوتهُ.
.........................................................................

المنظر الطبيعي الجمالي الذي يراه الآن يخطف الروح والأنفاس، بهجتهِ قادرة على انتشالك من أوّج حزنك وكآبتك.. قادرة على تجديد روحك.
وقف "يونس" يستنشق هواءً رطبًا عليلًا وهو يقف بشرفة غرفتهِ التي تطل على البحر مباشرة في مدينة الجمال "الجـونة"، ومن بينهما الحدائق الغنّاء بأشكال وألوان من الورود وسط محيط الكلأ الأخضر اليانع.. وزُرقة البحر الذي يتلألأ بـ آشعة الشمس اللطيفة ورائحتهِ.
هدأ كثيرًا خلال الدقائق التي وقفها هكذا تاركًا كفيّه على الدرابزون ونظارتهِ الشمسية تغطي عيناه.. استمع لصوت طرقات خافتة على الباب، فـ تحرك نحوه بـ هدوء وفتحه بعدما نزع نظارتهِ ليجد نادل الفندق بثيابهِ الرسمية يقول بتهذيب :
- مستر يزيد باعت لحضرتك الأوردر ده

أفسح له "يونس" المجال كي يعبر، أدخل النادل الطاولة وتركها، فـ أعطى له "يونس" حفنة من الإكرامية ليخرج النادل مسرورًا.. أوصد الباب، فـ بدأ "يونس" يتفحص ماذا طلب له شقيقهُ.
كانت زجاجة ذات شكل أنيق تحوي مشروب أحمر فاتح سُمكهِ ثقيل، تهيأ له إنه مشروب من عصير الفواكه أو ما شابه، فـ فتحها وبدأ يسكب لنفسه كي يطفئ ظمأ صدرهِ للسوائل الحلوة، ومع أول قطرة لمست صدرهِ أحس بـ احتراق شديد نتيجة الكحول الذي ملأ المشروب.. بصق "يونس" وأسرع بمسح فمه محاولًا إخراج بقايا المشروب التي علقت به، ثم غمغم بعبوس شديد :
- الله يحرقك يايزيد! خـمرة!!

ترك الكأس وأخرج هاتفه من جيب بنطاله وبدأ يتصل به، وما أن استمع لصوتهِ حتى صاح فيه :
- أنت يازفت! من أمتى وانا بشرب الحاجات دي!! باعتلي خمرة!

كان "يزيد" يُنهي إجراءات تسجيل رفيقتهِ الروسية التي وصلت توًا من أجل قضاء العُطلة معهُ بالإستقبال، ولكنه لم يمنع نفسه من الضحك وهو يستمع لتوبيخ شقيقه له، وحاول أن يثير عصبيته أكثر گنوع من المزاح :
- أهدى بس ياسيسو، دي حاجه تلطف الجو بس

أبعد الهاتف عن أذنه قليلًا وقد اخترق الصوت العالي آذانه، ثم عاد يتحدث بنفس الهدوء المستفز :
- ياعم روق دي حتة إزازة ٤٠٠ مل بس

حمحم "يزيد" وهو يرى صديقتهِ تقترب بعد إنهاء مكالمتها وأنهى توبيخ شقيقه على الفور قبل أن تسمع هي :
- طب هقفل عشان معايا waiting

وأغلق على الفور، ابتسمت "چين" ابتسامة ساحرة وهي تضع مرفقها على كتفهِ وقالت بتغنج :
- I miss you so much. "أفتقدك كثيرًا"

نظر "يزيد" نحو موظفة الإستقبال التي نظرت إليه بنظرات غريبة، ثم نزع يدها بلطف وهو يجيب :
- Me, too. "أنا أيضًا"

ثم همس بجوار أذنها :
- Let's not draw attention." دعينا لا نلفت الأنظار"

وقفت معتدلة ووضعت نظارتها الوردية على عيناها :
- Okay

سحب العامل حقيبتها وسار معهم نحو المصعد، فـ تأبطت "چين" بذراعه وهي تسأل بتحمس :
- Are we going to spend the night together?" هل سنقضي الليلة معا؟"

فـ مسح على ذقنه وهو يخيب أملها ويخبط طموحاتها :
- No, don't forget, my brother's here.
"لا، لا تنسي أخي هنا معنا"

فـ عبست وهي تدخل للمصعد مستبقة إياه، بينما برر هو :
- I told you from the beginning." لقد أبلغتك بذلك من البداية"

ثم لاطفها وهو يداعب شعرها قائلًا :
- Don't be sad.
We'll celebrate together after the convention.
"لا تحزني ، سنحتفل سويًا بعد الإتفاقية."
...........................................................................

مدد "يونس" ساقيهِ على المقعد الأمامي وهو يسترخي في الشرفة الواسعة، مغمض العينين.. رغم الأجواء البديعة التي تساعد على تصفية الذهن إلا أن ذهنه كان مُشتت وعقله ليس مرتاحًا من فرط الأمور العديدة التي يُفكر بها في آنٍ واحد.
فتح عيناه لتكون السماء أول ما يراه، ظل هكذا قليلًا، ثم اعتدل كي يقوم بمكالمة هاتفية تذكرها الآن.. وقف وهو يضع يدهِ في جيبه، ثم أردف حينما أجاب الطرف الآخر :
- أيوة ياعيسى، عملت إيه؟

ابتسم نصف ابتسامة وهو يتلقى الجواب و :
- عظيم، جبته بنفس المواصفات اللي قولتلك عليها وحطيت عليه كل حاجه؟

صمت لبرهه، ثم تابع :
- تمام أوي، روح سلمه زي ما فهمتك

أغلق المكالمة وترك الهاتف، ثم دلف وهو ينزع عنه "تيشرت" قطني كحلي اللون وألقاه على الأريكة.. ثم سحب المنشفة ودلف لدورة المياه كي يلطف حرارة جسده قليلًا.
..........................................................................
منذ أن غادرن الفتيات وهي تجلس مبتهجة، تنظر للمرآه تقريبًا كُل دقيقتين تتأمل بشرتها الصافية المتوردة والتي أُضيئت بلمعة جميلة، وشكل شعرها الجديد الذي أحبتهُ لأول مرة منذ أن أصبح قصيرًا، وقد تم اقتصاصهِ بشكل احترافي ليُزين بقصرهِ جانبي عنقها لا يكاد يصل لكتفها.. إحدى الجانبين أطول من الآخر بشكل رقيق وجذاب.
داعبت شعرها الناعم بأطراف أصابعها، ثم نظرت في المرآه الصغيرة مرة أخرى.. ضحكت بسعادة شديدة وهي تترك مرآتها، حينما قرعت "خديجة" على الباب ودلفت :
- ملك، عيسى عايز يشوفك

قطبت جبينها بـ استغراب و :
- مش عيسى ده اللي شغال عند يونس؟
- آه هو

فـ تضاعفت حيرتها وهي تساعد نفسها لتنهض عن الفراش و :
- طب ليه!؟

عاونتها "خديجة" وهي تناولها عصاها وأجابتها :
- مقالش، هو أخد الأذن من كاريمان هانم يقابلك وانا طلعت أبلغك

خرجت معها كي تُقابله وقد خمنت العديد من الأسباب، أغلبهم كان تخمين سئ، خاصة في ظل غياب "يونس".
دخلت "ملك" لغرفة الإستقبال الفسيحة التي تدخلها لأول مرة، عيناها المرتبكة بقلق مرتكزًا عليه وهي تتسائل بتوتر كأنها اعتادت على الأخبار السيئة فقط :
- إيه اللي حصل؟؟ في حاجه حصلت؟

لم يتعجب كثيرًا من ردّ فعلها تجاه مقابلته وتفهم ذلك نظرًا لعلمه أغلب ما مرت به، فـ تعامل بـ لطف رسمي كما يتوجب عليه معها و :
- متقلقيش، أنا جايب لسعادتك أمانة

ثم أشار لها كي تجلس :
- أتفضلي ارتاحي الأول

استندت على المقعد وهي تجلس ، ثم أعادت سؤاله :
- خير؟

ناولها حقيبة رقيقة وهو يردف :
- الأمانة دي لحضرتك من يونس باشا، أمرني أوصلها ليكي

التقطتها منه على الفور وقد عبأها الشدوه أكثر وأكثر، وسرعان ما فتشت بداخلها كي تُطفئ فضولها الشديد، كانت عُلبة صغيرة مغلفة بورق الشيفون الأبيض الناعم، فتحت عُقدتها لتُصدم برؤية عُلبة لهاتف من أثمن الماركات العالمية المنتشرة بالأسواق، حدقت فيه قليلًا وهي تتفحص صورته المطبوعة على واجهة العُلبة، ثم نقلت بصرها فورًا نحو "عيسى" كأنها تسأله، ليجيب هو بدون أن تسأل :
- ده تليفون جديد بالخط بتاعه، بتاع سيادتك.. اتحط عليه كل الـ applications "تطبيقات" اللي ممكن تحتاجيها، كمان عملتلك حساب على موقع جوجل ومنه دخلتك في المواقع الإجتماعية ، يعني فيسبوك وتويتر وأنستجرام كمان.. كمان هتلاقي ليكي حساب شخصي على واتساب.. وفي.......

قاطعته وهي تضحك بحبور غير مصدقة :
- براحة عليا، أنا لسه مش مستوعبة

فـ ضم كفيهِ سويًا وهو يبتسم برسمية متابعًا :
- متقلقيش أنا هفهمك كل حاجه ، بس حبيت أضيف إن في كذا application برضو للـ video call

ثم أشار للمقعد المجاور لها واستأذن بتهذيب :
- تسمحيلي أقعد؟
- آه طبعًا، آسفه مخدتش بالي
- ولا يهمك

بسط لها يدهِ فناولته العُلبة كاملة، بدأ يفتحها.. أخرج الهاتف والكُتيب الخاص بالإرشادات، ثم أخرج الملحقات الصغيرة من شاحن كهربي وسماعة أذن.. ترك كل شئ جانبًا وفتح الهاتف لها، ثم ناولها إياه و :
- التليفون جاهز لاستخدامك من دلوقتي، سيادتك مش محتاجة إني أعلمك عليه طبعًا، لو محتاجه أي استفسار أو احتاجتي أي شئ هتلاقي رقمي متسجل فيه، كمان رقم يونس باشا ومستر يزيد وكاريمان هانم، كلهم متسجلين، في حاجه كمان.. أنا عملت add من حساباتك ليونس باشا مباشرة وهو طبعًا ضافك عنده، لو حابه تتواصلي معاه في أي وقت تقدري تعملي ده بسهولة

نهض عن جلسته و :
- محتاجة مني أي حاجه؟

كأنها لم تستوعب بعد، ولكنها أجابت على الفور وبنبرة ممتنة :
- لأ شكرًا ، بجد شكرًا

فـ أحنى رأسه قليلًا و :
- تحت أمرك.. عن أذنك

تركها بمفردها تنظر لشكل الهاتف، كان شكلهِ أنيق للغاية ويبدو عليه ثمنهِ الباهظ.. راحت تتصفح تطبيقاتهِ بـ انبهار وهي ترى أحد أحلامها تتحقق بدون أدنى جهد منها، وبدون حتى أن تطلب ذلك.. كان الأمر غريبًا في البداية وهي تتلمسهُ وتتأمل مجسمهُ، فتحت الكاميرا الأمامية ونظرت لنفسها.. فـ ضحكت، وإذ بضحكتها يصاحبها عبرات ترقرقت من طرفي جفنيها.. ولكنها للمرة الأولى في حياتها تدمع عيناها من فرط السعادة، كانت تعيسة للحد الذي أوهمها إنها ستموت هكذا بدون أن ترى يومًا سعيدًا، ظنت أن نصيبها فقط سيكون من القهر والحزن والخذلان.. ولكنها آمنت أن الفرح أيضًا سيزورها يومًا.
رنّت نغمة غريبة وظهرت صورة "يونس" في واجهة الشاشة ومن أسفل علامة "كاميرا ڤيديو".. فـ مسحت جفنيها إلى الفور وأبعدت الهاتف عن وجهها قليلًا وهي تستقبل مكالمة مرئية، وما أن رأته أمامها حتى اتسعت ابتسامتها وضحكت وهي تردد :
- إيه اللي عملته ده؟

فـ أجابها وهو يبادلها ابتسامة طفيفة :
- مش معقول يعني هتفضلي تستخدمي تليفون نينة القديم ده!.. عجبك؟

فـ نظرت لـ عُلبتهُ و :
- جدًا، شكله حلو أوي
- مبروك عليكي

أحست بفيضان من كرمهِ أخجلها به، فـ أعادت صياغة امتنانها :
- أشكرك ازاي على كل اللي بتعمله معايا؟
- بإنك تاخدي بالك من نفسك لحد ماارجع واستلم الأمانة اللي سيبتها

أومأت رأسها بصمت، فـ سنحت له الفرصة أن يستشعر بعض التغيير الذي حدث في ملامحها، ليتسائل بفضول :
- فيكي حاجه غريبة! صح؟

فـ هزت رأسها عاجزة عن لمس شعرها باليد الأخرى، واكتفت بـ :
- نينة عملت شوية تغييرات بسيطة كدا
- مرتاحة عندك؟
- جدًا، أنا عمري ما ارتاحت في مكان قد ما ارتحت مع نينة كاريمان

فـ اطمئن قليلًا وراح يوصيها :
- ملك، لو في أي حاجه عايزة تعمليها أو تقوليها كلميني.. أنا موجود جمبك دايمًا.. المسافة مش هي اللي بتفصلنا، فهماني.. بـ اختصار شديد أنا في ضهرك

انبعجت شفتيها بـ ابتسامة أوسع ونظرت إليه قليلًا قبل أن تردف :
- محدش عمره قالي كده غيرك
- ده مش مجرد قول، ده فعل.. وانتي شوفتي ده بنفسك

أومأت برأسها متفهمة وأكدت على ذلك :
- عارفه

نظر أمامه كأن أحد يتحدث إليه، ثم عاد يتحدث إليها :
- هسيبك تتفرجي على التليفون وهطمن عليكي وقت تاني
- ماشي

وأغلق..
جمعت ملحقات الهاتف في الحقيبة ونهضت عن مكانها.. مشت ببطء وكأن الدنيا لا تسعها من فرط السعادة ، وتشوقت لـ أن تختلي بنفسها كي تتفحص الهاتف بجميع ثغراتهِ.. كي تكتشف عالم آخر لم تواجهه من قبل وتمنتّ أن تستطلعهُ بنفسها، العالم الإفتراضي.
........................................................................

بين الأجواء الساحرة، وفي جلسة لطيفة أمام المسبح العريض وقد تمّ حجز المنطقة بأكملها من قبل لاستقبال الوفد الألماني والتعاقد معه.. جلس الجميع في جلسة سمر قبيل أن يتم مناقشة بنود التعاقد والتي كانت في صالح الشركتين.. كان التفاهم بينهما يُشكل فارق كبير في إكساب هذه الإتفاقية الموافقة الفورية والتأييد من الجانب الألماني.. كما عجّل بـ إقرار ذلك عن طريق إنهاء الأمر وتوقيع كافة العقود وتأمين كل الضمانات للناحيتين.
كان "يونس" يجلس أمام نظيرهُ الألماني والمُترجم بينهم، حيث نقل له شكر الوفد الشديد لحسن الإستقبال، وعبر عن انبهاره بـ مدينة "الجونة".. فـ سُرّ "يونس" لنجاح مخططهِ حينما قرر إرسالهم من القاهرة لعدم تفرغهِ من جهة، وحتى لا يصل إليهم "معتصم" من جهة أخرى فـ يُفسد عليهم الأمر.
ترك "يونس" فنجان القهوة خاصتهِ و :
- بلغ Herr Frank "سيد فرانك" إني مبسوط أوي إن المكان عجبه وان شاء الله زيارته تتكرر للجونة.. وبلغه إن الرحلة هدية من المجموعة ومستمرة معاكم لحد أسبوع كمان، وبعدها تشرفونا في مقر الشركة في مصر عشان نبدأ أول اجتماع على أرض الواقع

نقل له المترجم كل ما قيل حرفًا حرفًا، فـ نهض "frank" عن جلسته و شكرهُ.. وبدأ الجميع يغادرون المكان، حتى بقى "يزيد" و "يونس" فقط.
مازال "يزيد" ينظر للملفات التي بقى لها فقط أن توثق، لا يستطيع وصف شعور الفخر الذي ملأه.. حتى إنه قام بـ التقاط العديد من الصور للعقد ولأمضاء الطرفين وسط تعجب من "يونس" الذي لم يتدخل به وتركه يفعل ما يحلو له.
دسّ "يزيد" هاتفه في جيب سُترتهِ القاتمة، ثم نظر لشقيقهِ بسعادة ومدّ له يدهُ يصافحه :
- مبروك علينا يايونس

وتعانقا احتفالًا بذلك، ربت "يزيد" على ظهره يشكره بشكل غير مباشر.. فبادله "يونس" تلك اللحظة العاطفية حتى شبع كلاهما وابتعدا :
- ولسه لما المشروع يبدأ يتنفذ

نظر "يونس" لساعة اليد وبدأ يفكر بقلق :
- مينفعش نرجع القاهرة الصبح؟

فـ شده "يزيد" ورفض بشدة :
- بكرة إيه!! ده لسه في حفلة بكرة بالليل على شرف الوفد كله.. انت بتهرج!

فـ تأفف" يونس" و :
- خليك انت.. أنا زهقت وعايز أرجع، ملك لوحدها ونينة آ....

فقاطعه متعمدًا فضح اهتمامه المفرط بها :
- ملك مين وبتاع مين!! جدتك شيلاها على كفوف الراحة.. متبقاش انت بس قلقان زيادة ومهتم أوي كده

فـ برر "يونس" على الفور وقد جمدت ملامحه :
- مش اهتمام ولا حاجه، بس كل اللي حصل كان بسببي و.....
- لأ

وضرب على كتفه متابعًا :
- مش بسببك، اللي حصل كان لازم يحصل عشان ملك تلاقي البداية اللي بجد.. عشان تخلص للأبد من الحيوان اللي كان جوزها، أنت مش مسؤول خالص

ثم أشار له ليدخل معه :
- يلا نروح نغير هدومنا ونسهر في أي مكان، أنا على آخري
- روح انت
- اللي يريحك

تركه "يزيد" بمفرده وكأنه أراد ذلك، ثم بدأ يتواصل مع "چين" عبر تطبيق المحادثات كي يُبلغها إنه سيقضي هذا المساء معها.. بينما حاول "يونس" التواصل مع "ملك"، ولكنه لم يصل إليها بأي شكل، تشكك إنها نائمة، فقد تجاوزت الساعة الحادية عشر مساءًا.. فـ تراجع عن محاولات الإتصال بها معتقدًا إنه سيُصبح الصباح كي يُحدثها.

— في هذه الآونة —
كان "عيسى" قد ساعد "ملك" كي تجلس في السيارة بالخلف لنقلها إلى المشفى بعد أن تدهورت وساءت حالتها نتيجة النوم على ذراعها المُصاب.. ظلت تصرخ بتألم وتبكي بكاءًا حارًا وهي تشعر بضربات تُسدد إلى ذراعها، لم تهدأ ولم تؤتي المسكنات بمفعول معها.. فـ أوصى الطبيب بضرورة إحضارها للمشفى كي يكشف بنفسه على جرحها.. هل تأذى أو أُصيبت الشرائح الحديدية المزروعة بعظامها بالإنكسار أو شئ من هذا القبيل!؟.
جلست "كاريمان" بالمقدمة جوار "عيسى" و"خديجة" بالخلف مع "ملك".. وحذرت "كاريمان" أثناء ذلك :
- أوعى تتصل بيونس ياعيسى، هو مش هيقدر يعمل حاجه طول ما هو مسافر.. أنت كده هتشتتهُ

فـ وافق "عيسى" على توجيهها بشكل صوري :
- حاضر

وقاد السيارة نحو المخرج حتى غادر المنزل.
وأثناء ذلك كان يعبث في هاتفهِ كي ينقل المعلومة على الفور لـ رئيسهِ المباشر والذي ترك "ملك" أمانة يحافظ عليها قبيل سفرهِ ليكون قد أدى مهـامهِ على أكمل وجـــه.....
يتبع.....
لقراءة الفصل الرابع والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات