القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وخمسة 105 بقلم ياسمين عادل

 رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وخمسة 105 بقلم ياسمين عادل
رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وخمسة 105 بقلم ياسمين عادل

رواية دمية مطرزة بالحب الفصل المائة وخمسة 105 بقلم ياسمين عادل

لقد ارتفعنا كثيرًا، لا تُفلت يدي الآن..
سيكون السقوط قاتلًا بهذا العُلوّ.! "
________________________________________
هذه الطاقة السلبية التي تحولت لأخرى عدوانية أغشت بصرها، وكأن كل تلك التراكمات قد تكاثرت عليها لتنتج تلك الحالة. لم تكن شاعرة بنفسها، حيث تغلب عليها شعور الوجع المقهور هذه المرة، وفشلت في كتمانه لأكثر من ذلك. أطلقت تهديدها المتوعد بتهورٍ وبدون أن تكترث لتوابعه، فوجدت "يونس" هو أول من واجهها، وقد عقد العزم على أن ينهي هذا الهراء والجدل السائدين بينهما :
- مـلك.. بلاش تخريف وكلام فاضي، يزيد مكنش أكتر من كاتم للسر.
وكأن تصديق ذلك كان غاية في الصعوبة عليها، هي تبحث عن جاني كي تحاسبه، ولكي تفرغ فيه كبتها، لهذا استصعب عقلها تقبل تلك الحقيقة :
- السر اللي بتكلم عنه ده دمرني، حول حياتي كلها لجحيم.. وشيلني مسؤولية ذنب مش بتاعي.
لم يخفي عنها تأييده لموقفها ودعمه لها، ولكن بدون أن يمس رد فعلها شقيقه الوحيد :
- عارف، عارف إنك عانيتي ولسه بتعاني، بس يزيد كمان ملهوش ذنب.
لم يرق لـ "يزيد" ذلك الأسلوب المستجدي في التحدث حول أمرٍ يخصه، فـ تدخل بحزمٍ معلنًا إنه لا يكترث لها أو لرد فعلها بتاتًا :
- لأ سيبها براحتها، لو عيزاني أوصلها كمان لحد القسم بنفسي أوصلها.
واتقدت نظراته وهو يرمقها بحنق شديد متابعًا :
- وتبقى تقابلني لو قدرت تثبت حاجه.
والتفت ليغادر من هنا بدون أن يمهلها فرصة الرد، مجتذبًا معه "نغم" التي حاولت إيقافه :
- يزيد الكلام مش كده، أهدى وخلينا نقفل الموضوع ده.
حينما هدرت "ملك" بصوتها فيه، كأن عنادها قد اشتد وتضاعف :
- البوليس بقى يبقى يثبت هو.
تفاجئت بيدّ "يونس" التي اجتذبت معصمها، وبصوته الأجش الذي تعالى وهو يؤكد على دعمه لـ "يزيد" :
- مش هتقدري تعملي ده وأنا موجود، هتلاقيني في وشك ياملك.
رغم تلك القوة الزائفة التي جاهدت لإقناع الجميع بها، إلا أن لمعان عيناها المملوءة بالدموع نفت ذلك، خاصة حينما تبدلت الوداعة والنعومة واللطف منه، وظهر وجه آخر سيحارب الدنيا في سبيل شقيقه. أحس "يونس "بضرورة إيقاف تلك المهزلة قبل أن تطال نتائجها السلبية أخيه، فلم يجد سوى إتخاذ بعض من الحزم منها، علها تعود لرشدها. حدجته بنظرةٍ مستضعفة، وانتشلت معصمها من يده عنوةً لتركض إلى الداخل بدون أن تلتفت. بقيت عيناه عليها إلى أن غادرت نهائيًا للأعلى، وفي نفسهِ شئ يؤنب ضميره، يوخزه لتعامله معها بذلك الشكل، لكنه كان مجبرًا على ذلك. انتقلت عيناه حيث شقيقه الذي تحركت سيارته للتو كي يغادر، وأحس كأنه بقى بين المطرقة والسندان، مطرقة زوجته الضحية التي لم تنال من الدنيا إلا أسوأها، وشقيقه الذي لم يفعل سوى الصمت.. الصمت التـام.
****************************************
هي أيضًا بقيت في الوسط، الحيرة تملكت من فكرها الذي بقى منشغلًا على رفيقتها. نظرت بطرفها لترى الغضب مسيطرًا على وجهه المتجهم، فـ كزت على أسنانها بتوترٍ قبل أن تقتحم صمته قائلة :
- متزعلش، ملك كانت حياتها صعبة أوي يا يزيد والله، أنا شاهدة على كل حاجه.
لم ينبث بكلمة واحدة، وظلت عيناه المحتقنة تتابع الطريق الذي يلتهمه بسرعة، فـ أجرت محاولة أخرى علّه يستجيب إليها ويغادر صمته :
- حتى عمي إبراهيم الله يرحمه ظلمها، طبيعي تشوف موقف زي ده منها في لحظة زعل وصدمة.
ظنته سينفجر فيها على الأقل، لكن لم يحدث، وهذا نا أرعبها أكثر :
- يعني عايزة أقول آ....
- نغم!.
قاطعها مناديًا بدون أي انفعال، فـ ردت على الفور :
- نعم.
فـ هتف بهدوءٍ مثير للريبة :
- ممكن منتكلمش.
فـ استجابت لرغبتهِ على الفور :
- ممكن.
ووضعت يدها على كفهِ المتحكم في عجلة القيادة، فـ ترك يُسراه تحرك العجلة وأطبق بيُمناه على يديها يضمها برفقٍ حاني، ليحس دفئًا تتوق إليه نفسه، وسط زوبعة من البرودة القارصة نهشت فيه.
وفجأة، وبدون أي مقدمة تسبق جملته، هتف متسائلًا :
- جـعانة ؟.
ارتفع حاجبيها في دهشة من سؤاله المباغت، والذي أيقظ جوعها النائم بأحشائها :
- إيه!.
استدارت رأسه نصف استداره ليعيد صياغة عبارته :
- أنا جعان وعارف إنك جعانة ، نروح ناكل إيه؟.
كأن شهيتها انفتحت على الفور، فـ هتفت بدون أن تختفي تلك الوداعة الناعمة من ملامحها :
- اللي هتاكله هاكل منه.
أُضيئت شاشة الهاتف برقم "كاريمان"، فـ تجاهل مكالمتها الواردة إليه بتعمدٍ، لأنه على دراية كاملة بما تريد التحدث عنه، وتابع حديثه حول الطعام :
- اتفقنا.
****************************************
هبطت "خديجة" على الدرج وعلامات الخيبة مرسومة على وجهها، هزت رأسها بالسلب وهي تنظر بإتجاه "كاريمان" ، ثم هتفت بـ :
- محتطش في بوقها لقمة من الصبح، الفطار والغدا وحتى العشا شيلتهم زي ما هما بحالهم.
تنهدت "كاريمان" متضايقة، وهي تقبض بقوةٍ على عصاها :
- كده كتير، مينفعش أسيبها في الحالة دي.
فـ تدخل "يونس" رافضًا تقديم "كاريمان" المعونة لها :
- محدش هيتدخل يانينة، ملك هتختار بنفسها هي عايزة إيه وتنفذه، وليها مطلق الحرية في ده.
فـ افترضت "كاريمان" الإفتراض الأسوأ :
- أفرض فعلًا بلغت عنه؟.
قطب "يونس" جبينه شاعرًا بالضيق يغزو مشاعره، وأردف مجيبًا بثباتٍ على شفى حفرة من الإنهيار :
- براحتها، ساعتها أنا هعمل اللي عليا تجاه أخويا الوحيد وهدافع عنه ولو بدمي.
وارتفعت عيناه الحزينة للأعلى، وهو يتابع بصوتٍ خفيض :
- أتمنى تختارني، تفكر فيا أنا المرة دي وتختار رضايا.
~على جانب آخر~
أكثر من نصف ساعة كاملة، وهي تنظر لثوب الزفاف التعيس مثل صاحبته، حيث رافق إرتدائه ذكرى سيئة للغاية، ذكرى لن تُمحى من ذاكرتها مهما حيت. جمدت مشاعرها قليلًا مقارنة بالصباح، كأنها سكنت قليلًا، ولكن ما زال داخلها يعجّ بالرماد الساخن الذي ولّدتّه نيرانها الحارقة. نهضت عن جلستها وتناولت فستانها، ثم وضعته في علبته الضخمة وأغلقتها جيدًا. وضعت المعطف عليها وتناولت العلبة ثم خرجت، خطت للأسفل بخطواتٍ تدري جيدًا إلى أين الذهاب، حتى وصلت للأسفل. شعر بها "يونس" ، فـ تسلل خلسة لمراقبتها بحذر، بدون أن يتدخل بأي مما تقوم به. رآها ترمي بفستاتها في صندوق القمامة الضخم بالخارج، ووقفت أمامه هنيهه كأنها تودعه، أو ترثي حالها أمامه، ثم شرعت تخطو نحو البوابة بخطى ثابتة، وبدون أن تنظر خلفها لمرة واحدة. أراد أن يذهب من خلفها، أن يلحق بها ويرتق بيدهِ تلك الفتوق التي فتحها الماضي المخزي؛ لكنه قرر أن يترك إليها قرارها، لن يكون حائلًا دون تنفيذ ما ترغب فيه، وحتى وإن كان قرارًا ظالمًا. تعقبتها عينهِ بتركيز حتى خرجت من البوابة، حينما كان "مهدي" يتطلع إلى حزنهِ البيّن في عينيه، وسأل :
- مروحتش وراها ليه؟.
زفر "يونس" وصمت لثوانٍ، ثم هتف بـ :
- المرة دي مينفعش يا مهدي، لو مجتش منها يبقى ملهاش لازمه.
وظلت عيناه عالقة على البوابة وهو يهمس بتضرعٍ متخفي :
- أرجعي ياملك، أرجـعي عـشاني.
لم يترك التأمل، ومضى الوقت منتظرًا أن تعود إليه ولا تخيب أمله، أن تغفر خطأ لم يكن ذنب لأي منهم، وأمله فيها لم ينقطع، رغمًا عن عقله الذي حدثهُ بإنها لن تعـود.
يتبع.....
لقراءة الفصل المائة وستة : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات